مع انطلاق الإعداد لقانون المالية لسنة 2019، تواترت تسريبات حول الإجراءات التي ستتضمنها فصول القانون الجديد ومن أهمها تلك التي وصفت ب«الإصلاحية» والمتعلقة بوضع المؤسسات العمومية وإمكانية خوصصتها لتوفير موارد تعبئة جديدة للميزانية العامة للدولة في ظل استحالة المساس ببقية المصادر والتي على رأسها الترفيع في الجباية. وفي الوقت الذي ترى فيه حكومة الوحدة الوطنية ملف المؤسسات العمومية بأنه لا يعني وجوبا نيتها التفويت فيها بقدر ما هو برنامج إصلاحي يشمل 104 منشاة عمومية انطلق منذ سنة 2014، يعتبره العديد من المتدخلين في الشأن الوطني تهديدا للقطاع العمومي في تونس وتجريدا للدولة من أسلحتها الاقتصادية والتنموية. وهذا ما بينه الأمين العام المساعد المسؤول عن قسم التغطية الاجتماعية الصحة والسلامة المهنية والتغطية الاجتماعية عبد الكريم جراد في تصريح خص به «الصباح»، مؤكدا على رفض الاتحاد لهذه الخطوة باعتبار أن هذا الموقف ثابت ونابع من مصلحة وطنية. واعتبر جراد أن الحملة التي كان قد انطلق فيها الاتحاد للدفاع عن القطاع العام هي عبارة عن موقف الاتحاد المبدئي للدفاع عن مكتسبات البلاد وهو متمسك بموقفه ومستعد لمناقشة وضعية المؤسسات حالة بحالة وهو ما طالب به الاتحاد من الحكومة، مبينا أن التجارب التي سبق وان ارتأتها الدولة في وقت سابق أثبتت فشلها وعدة مؤسسات تم التفويت فيها للخواص قد اندثرت تماما. وأبدى جراد استغرابه من سماح الدولة للخواص بالمساهمة في المؤسسات العمومية بتعلة أنهم قادرين على إنقاذها وإصلاحها والحال أن هذا الدور من الضروري أن تلعبه هي دون غيرها خاصة وان الحل الأنجع هو الاقتراض لإصلاحها، المهم عدم التفريط في هذه المنشات العمومية لفائدة الخواص والأجانب. حسب تعبيره. وأشار عبد الكريم جراد في تصريحه ل»الصباح» إلى أن الحلول التي أوجدتها الدولة مع شركات قطاع الاسمنت مثلا لم تكن ناجعة باعتبار أن تدخل القطاع الخاص في رأسمالها اثر سلبا على القطاع برمتها من خلال غلاء أسعار العقارات ومواد البناء، مبينا أن الاتحاد مع تأهيل وإصلاح المنشآت العمومية حالة بحالة ويرفض بشدة رغبة الحكومة في التفويت فيها للقطاع الخاص. وحول المؤسسات العمومية المالية منها، بين المستشار في الاستثمار محمد الصادق جبنون في تصريح ل»الصباح» أن الخطوة التي تنوي الحكومة تنفيذها والمتعلقة بالتفويت في المنشآت العمومية تكتسي غاية من الحساسية لاسيما المؤسسات المالية منها والتي تخص البنوك العمومية الثلاثة المعنية وهي البنك الوطني الفلاحي والشركة التونسية للبنك وبنك الإسكان. كما بين جبنون أن هذه المؤسسات المالية التي خضعت إلى عملية إعادة الهيكلة منذ سنة 2013 أعطت نتائج ايجابية جزئيا في الفترة الأخيرة وبدأت تتعافى وتأخذ طريقها نحو الأفضل ويمكن أن تتعافى بصفة كلية في حال تواصلت برامج الإصلاح وإعادة الهيكلة. واعتبر جبنون أن هذه البنوك لعبت دورا رياديا في تحديد سياسات الدولة فهي التي ساهمت في تمويل المؤسسات العمومية، كما أن عددا كبيرا من التونسيين مازال يحتاج إلى خدمات هذه البنوك في صبغتها العمومية خاصة الطبقة الوسطى والضعيفة التي لا يمكن لها فتح حسابات جارية وبنكية لدى المؤسسات البنكية والمالية الخاصة.. بالمقابل، وبعد أن تعثرت الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة في إيجاد الحلول الناجعة لتغطية العجز الحاصل بعدد من هذه المنشآت العمومية التي تعاني من صعوبات مالية، التجأت حكومة الوحدة الوطنية إلى التفكير جديا في إصلاحها عن طريق خوصصة البعض من مساهمات الدولة والتفويت فيها خاصة تلك التي تعتبرها غير إستراتيجية وتنشط في قطاع تنافسي على غرار الخطوط التونسية وشركة الفولاذ وبنك الإسكان باعتبارها مؤسسات تجارية مفتوحة لرأس المال الخاص وفي صورة عدم تمكن الدولة من تمويلها فمن الضروري الترفيع في رأس مالها الخاص وهو أمر عادي ومتعارف عليه ويتم بصفة علنية. وهذا ما بينه الوزير المكلف بمتابعة الإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي في تصريح سابق ل«الصباح»، مشيرا إلى أن الحكومة ليس لها نية التفويت في المؤسسات العمومية الإستراتيجية وإنما برنامج الخوصصة سيشمل فقط المنشآت العمومية غير الإستراتيجية بالمرة والتي تمثل عبئا كبيرا على الدولة وتثقل ميزانيتها من سنة إلى أخرى. وأشار الوزير في ذات السياق إلى أن حجم الخسائر المالية المتأتية من المؤسسات العمومية فاق ال5 مليار دينار بسبب تضخم فاتورة الأجور منذ الثورة في 2011، التي ارتفعت بنسبة 35 بالمائة، فضلا عن تراجع النشاط الاقتصادي للبلاد. وبين كل هذه الآراء بشان الملف الأكثر حساسية على طاولة حكومة الوحدة الوطنية، تبقى المخاوف قائمة بشان ما ستتضمنه فصول القانون الجديد للمالية لسنة 2019 حول مصير هذه المنشآت.