انتهت مؤخرا اللجنة الوطنية التي أحدثتها وزارة العدل منذ قرابة أربع سنوات لتنقيح ومراجعة المجلة الجزائية من إعداد مشروع قانون الكتاب الأول من المجلة الجزائية الذي تضمن عدة إصلاحات على مستوى المضمون والشكل اعتبرت إصلاحات «ثورية» من الناحية التشريعية صلب المنظومة الجزائية ببلادنا من بينها على سبيل الذكر التقليص في عدد الجنايات ف»لا عقوبة بالسجن أقل من 6 أشهر» و»الخطية اليومية» و»نظام سجون شبه مفتوحة». الصباح» تناولت الموضوع بالدرس واتصلت بمقرر اللجنة الوطنية التي أوكلت لها مهمة مراجعة المجلة الجزائية نبيل الراشدي الذي شرح بمزيد من العمق جملة التنقيحات التي تضمنها المشروع المذكور فضلا عن عدد من المختصين في القانون لاستطلاع وبيان أرائهم حول التنقيحات الجديدة ونتائجها على المرفق القضائي وسير المحاكمات بشكل عام. مراجعة الجرائم الدولية أوضح نبيل الراشدي مقرر اللجنة الوطنية المعنية بمراجعة المجلة الجزائية أن اللّجنة قامت بتقديم مشروع القانون إلى وزارة العدل مؤخرا في انتظار عرضه والمصادقة عليه من قبل مجلس الوزراء قبل إحالته على مجلس نواب الشعب، وأضاف أن اللجنة تعمل حاليا على استكمال تنقيح الكتابين الثاني والثالث من المجلة الجزائية ذلك أنها بصدد مراجعة بعض الجرائم الدولية التي تتعلق بالاعتداء على الأشخاص حيث ينتظر أن يتم إدخال جرائم جديدة صلب المجلة الجزائية على غرار جرائم الإبادة والجرائم المصنفة ضد الإنسانية. معرّجا على أنه بعد المصادقة على نظام روما المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية ظلت تلك المصادقة «إجرائية» فقط وبالتالي وجب إدخال بعض الجرائم لتوقيع العقوبات اللازمة وفق تعبيره. ملاءمة المنظومة القانونية للدستور أكد الراشدي أن اللجنة استكملت أعمالها حول مشروع القانون في ما يخص الباب الأول من المجلة الجزائية التي تعود إلى سنة 1913، بعد أن تم عرضه على الاستشارات الجهوية خلال شهري ديسمبر2017 وجانفي 2018 والتي غطت كامل محاكم الجمهورية. وذكر أن اللجنة التي أنهت أعمالها لمراجعة المجلة الجزائية تتكون من قضاة مباشرين ومتقاعدين ومن جامعيين ومحامين وإطارات قانونية عليا، مبينا أن التنقيحات الجديدة تندرج في إطار ملاءمة المنظومة القانونية للدستور وللاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس ومطابقة المعايير الدولية في مجال المحاكمة العادلة واحترام حقوق الإنسان. وذكر بأن المجلة الجزائية صدرت في 1913 ووقع تنقيحها تقريبا في 58 مناسبة إلا أن تلك التنقيحات كانت جزئية ولم تكن بشكل عميق موضحا بأن المراجعة العميقة والجذرية للمجلة الجزائية التي صدرت منذ حوالي مائة سنة لم تتم مطلقا، موضحا أن التنقيح الأخير تم بشكل عميق وجذري من حيث شكل المجلة وأيضا من حيث المحتوى. وذكر بأن اللجنة الوطنية أصدرت مشروعا أوليا للكتاب الأول (هو روح القانون الجزائي) لاحتوائه على مسائل متعلقة بمبادئ تطبيق النص الجزائي سواء من حيث مبدأ الشرعية (لا جريمة أو عقوبة دون نص سابق للوضع) فضلا عن وجود أحكام تتعلق بتطبيق القانون الجزائي بالمكان، وفيه أيضا أحكام تتعلق بالمسؤولية الجزائية أي من هو الفاعل. أما الباب الأخير والهام جدا ويخص الجانب الردعي للقانون الجزائي وهو العقوبات التي ستتضمن بالإضافة إلى الجانب الردعي جانبا وقائيا وإنسانيا يتلاءم مع شخصية مرتكب الجرم ويراعي خطورة الجريمة المرتكبة. تنقيحات «ثورية» بين مقرر اللجنة الوطنية لمراجعة المجلة الجزائية نبيل الراشدي أن مشروع القانون تضمن عدة إصلاحات أهمها إعادة تصنيف الجرائم في اتجاه التقليص من عدد الجنايات التي تستوجب المرور بالتحقيق القضائي من أجل الدفع نحو إصدار الأحكام في مدة معقولة ولتفادي الضغط على قضاة التحقيق. وأوضح الراشدي أن إعادة التصنيف جاءت تماشيا مع ما نص عليه الدستور الجديد من إصدار الأحكام في زمن معقول جدا احتراما للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، بالإضافة إلى مراعاة ما تم تسجيله من ضغط رهيب على قضاة التحقيق ومن طول السلسلة القضائية الجزائية حيث تلزم الإجراءات القانونية المعمول بها أن يقع التحقيق في كل جناية، وتمر كل جناية بمرحلة التحقيق من درجتين لدى قاضي التحقيق ثم لدى دائرة الاتهام قبل الإحالة للدائرة الجنائية، وهي سلسلة مراحل تتطلب وقتا طويلا ما يعطل إصدار الأحكام في مدة معقولة. وأشار محدثنا أنه مع التنقيح الجديد سيقع تفادي المرور بهذه السلسلة في عديد الجرائم وبالتالي تمكين الدوائر الجنائية من التحقيق في عدد أقل من الملفات والقيام بالأبحاث القانونية ضمانا للمحاكمة العادلة وتمكنهم أيضا من التقيد بالبحث فقط في الأفعال الشنيعة ومنحها ما تتطلب من الوقت سواء في طور البحث أو في طور المحاكمة مما يسرع في إصدار الأحكام في وقت وجيز. الخطية اليومية أكد الراشدي أنه مراعاة لتطور القانون الجزائي في العالم تم إحداث عدة عقوبات بديلة جديدة من بينها «الخطية اليومية» التي تم إدراجها صلب هذا المشروع وهي عبارة عن عملية استبدال للعقوبة السجنية بمبلغ مالي تحدده المحكمة آخذة بعين الاعتبار لجملة من العوامل على غرار دخل الشخص المعني على أن يقع اقتطاعه واقتسامه بحساب مبلغ يومي يقع استخلاصه يسمى»الخطية اليومية»، واعتبر أن هذه العقوبة تمكن من محافظة المحكوم عليه على مورد رزقه وفي نفس الوقت في صورة عدم استخلاصه لذلك المبلغ المحدد سيكون مهددا بالسجن وبعقوبة سالبة للحرية. السجون المفتوحة كما أكد الراشدي أنه تم ولأول مرة التنصيص ضمن هذا المشروع على آليات التفريد القانوني للعقوبة في اتجاه «أنسنتها» أي أن العقوبة صارت تحمل بخلاف طابعها الردعي جانبا وقائيا وإنسانيا وستكون متلائمة مع شخصية الفاعل مرتكب الفعلة وخطورة الفعل المرتكب وذلك تماشيا مع مقتضيات الدستور، وأضاف أنه تم أيضا إدراج نظام السجون شبه المفتوحة لإعادة إدماج المحكومين اجتماعيا يمكن من خلالها للسجين مواصلة نشاطه الدراسي أو الجامعي أو العلاج أو القيام بتربص مهني ما إلى ذلك من الأنشطة على أن يعود للسجن في آخر اليوم بما يضمن وجود إدماج اجتماعي له وفي نفس الوقت وجود عقوبة مسلطة. كذلك من بين التنقيحات الأخرى الوضع تحت نظام المراقبة الالكترونية وهو أن يحاكم الشخص بالسجن إلا انه يقضي العقوبة في محل سكناه، وكذلك نظام السوار الالكتروني والمراقبة الالكترونية له أي أنه لا يمكن للمحكوم عليه أن يخرج من منزله في المقابل يقع تحديد الأماكن التي لا يمكن أن يخرج عنها. إلغاء عقوبة السجن في هذه الحالات من بين الإصلاحات الأخرى الغاء عقوبة السجن في جميع المخالفات والجنح المستوجبة لعقوبة السجن لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، ووضع أحكام خاصة تنسحب على المخالفات والجنح الصادرة في نصوص تشريعية أو ترتيبية خارج المجلة الجزائية، إلى جانب اعتبار المحرض على ارتكاب الجريمة فاعلا أصليا (في المجلة الحالية) بعد أن كان مشاركا وهو ما سيسمح بالتتبع المباشر له. إعادة الادماج وأشار مقرر اللجنة إلى انه تم صلب ذات المشروع أيضا إفراد الشبان الجانحين (الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و21 عاما) والذين تبين أنهم الفئة الأكثر التي ترتكب جرائم وكذلك ارتفاع نسبة العود لديهم بنظام عقابي خاص مع استثناء الجرائم الخطيرة على غرار المخدرات والإرهاب والاعتداءات الجنسية وقد تم فرض متابعة اجتماعية وقضائية كعقوبة تكميلية عليهم لإعادة إدماجهم اجتماعيا وتجنب العود لديهم، ويخول للمحكمة بعد إجراء اختبار طبي للمحكوم عليه السماح له بتلقي علاج اجتماعي أو نفساني بالتنسيق مع أعوان مكاتب المصاحبة الذين سيسعون لتأهيله من أجل عدم العود. من أهم الإصلاحات المنتظرة إقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ذلك أن الجرائم لا يرتكبها الشخص العادي فقط بل وجدت جرائم ترتكب من قبل الشركات والمؤسسات وبالتالي يجب معاقبتها وردعها. وخلص الراشدي إلى القول بأن هناك ثلاث عوامل أساسية ركز عليها هذا المشروع هي وجود نظام زجري لزجر الانتهاكات والسلوكيات المنحرفة فضلا عن توفر الحرية للمحكمة في اختيار العقوبة التي تتلاءم مع سن الجاني والفعل المرتكب والظرف الاجتماعي لإعادة إدماجه لاحقا وثالثا حفظ كرامة السجين المحكوم عليه وتلاؤم العقوبات المسلطة مع ظروفه الاجتماعية.