منذ تصاعد الحديث في مجالس السياسيين وكواليس الأحزاب عن وجود نية مبيتة لتأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في شهر أكتوبر 2019، سارعت عديد الأحزاب إلى نفي هذا التوجه الذي ينطوي على مغامرة سياسية خطرة غير محمودة العواقب، وحاولت في بيانات لها صدرت مؤخرا إبعاد تهمة عرقلة إتمام الاستحقاق الانتخابي المنتظر ومنها أحزاب التحالف الحاكم (النهضة والنداء) وأحزاب المعارضة البارزة.. لكن، إن كان حال الأحزاب يؤكد -على الأقل في الظاهر والعلن- وجود إرادة حزبية لتنظيم الانتخابات في موعدها، لا يبدو الأمر كذلك لدى الهيئة المستقلة للانتخابات التي ما تزال تتخبط في خلافات داخلية وصراعات معلنة وخفية بين أعضائها مما أدى إلى شبه شلل في تسيير نشاطها اليومي وغموض في ما يتعلق باستعداداتها الإدارية والمالية والفنية واللوجيستية للانتخابات المقبلة. من أبرز الإشكاليات البارزة التي تعترض عمل الهيئة في الوقت الحالي هو الخلافات البيّنة بين أعضائها التسعة في عدة مسائل إجرائية وقانونية وترتيبية ناجمة جلّها عن تراكمات وتعقيدات متسلسلة اتخذت شكل كرة الثلج بسبب عدم حلها في الإبان، وتعود جذورها إلى استقالة رئيس الهيئة الأسبق شفيق صرصار في ماي 2017 بمعية عضوين آخرين، تلتها موجة من الخلافات عصفت بالهيئة لتركن إلى الهدوء النسبي بعد انتخاب تم على مضض للرئيس السابق محمد التليلي (بعد محاولات فاشلة لاختيار عديد المرشحين لمنصب الرئيس) الذي قدم بدوره استقالته مباشرة بعد انتهاء الانتخابات البلدية التي تمت في ماي 2018. ثم عادت موجة الصراع على النفوذ والبقاء داخل الهيئة مع رفض بعض أعضاء الهيئة مبدأ الخروج منها أو ترك مناصبهم بالقرعة أو غيرها واللهث وراء منصب الرئيس الذي يظل من المسائل الشائكة باعتباره يتطلب قدرا كبيرا من التوافق السياسي بين الكتل البرلمانية. ورغم توفر مرشح وحيد حاليا لهذا المنصب وهو نبيل بفون بعد انسحاب نبيل العزيزي من السباق، يبدو أن حصول التوافق مشكوك في توفره بعد دعوة بعض الكتل (المشروع، النداء) إلى تقديم جلسة عامة لانتخاب أعضاء جدد بمجلس الهيئة لتعويض الأعضاء الثلاثة المغادرين بالقرعة قبل المرور إلى تحديد جلسة لانتخاب رئيس جديد للهيئة. وإن كان مجلس النواب يتحمل قدرا من مسؤولية فض الخلافات وترتيب البيت الداخلي للهيئة حتى تتقدم في مسار الاستعداد الجيد لموعد الانتخابي المقبل، إلا أن تصاعد الخلافات بين أعضاء الهيئة في هذا الوقت بالذات يعتبر أمرا مبهما وغريبا من ذلك أن مجلس الهيئة لم ينعقد منذ شهرين تقريبا رغم دعوات للاجتماع صدرت مرتين على الأقل عن نائب الرئيس تم تجاهلها. علما أن الخلاف حاليا يتركز على التأويل القانوني لمدى شرعية تواصل مهام رئيس أعلن استقالته النهائية من منصبه منذ جوان الماضي لكنه ما يزال يمضي على عديد القرارات الإدارية والمالية بحجة انتظار تسليم المهام للرئيس الجديد الذي سيتم انتخابه، مقابل تجميد مهام نائب الرئيس عادل البرينصي الذي وجد نفسه يشغل منصبا صوريا. هذا الأخير أكد في تصريح ل"الصباح" أنه تم مبدئيا منذ يوم أمس توجيه دعوة عاجلة لاجتماع مجلس الهيئة صدرت عن غالبية أعضاء الهيئة. علما أن اجتماع مجلس الهيئة يجب أن يتم في اقرب الأوقات للحسم في مسائل عاجلة ومهمة منها المصادقة على مشروع ميزانية الهيئة للعام المقبل والتي سكون ميزانية انتخابية بامتياز وقد تتجاوز 120 مليون دينار، والمصادقة على خطة تفعيل التسجيل المستمر للناخبين التي تنطلق مبدئيا يوم 15 سبتمبر الجاري وخطة أخرى لتطوير الهيكلة الإدارية للهيئة، والمصادقة على التقرير النهائي للانتخابات البلدية. وضعية صعبة تمر بها الهيئة وأزمة داخلية قد تهدد في صورة تواصلها المسار العادي المتبقي للإعداد الجيد لانتخابات 2019، وتتطلب تدخلا عاجلا لمجلس نواب الشعب الذي من المقرر أن يجتمع مكتبه غدا الخميس لمناقشة جدول أعمال المجلس خلال العودة البرلمانية والتي ستكون من أولوياته تحديد موعد جديد لانتخاب رئيس جديد للهيئة وموعد لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وفقا لما صرح به ل"الشارع المغاربي" حسونة الناصفي عضو مكتب المجلس. يذكر أن محمد التليلي المنصري الرئيس السابق للهيئة قدم استقالته مطلع جوان الماضي، بعد قرار صادر من مجلس الهيئة، بموافقة ثمانية من أعضائه، بإعفاء المنصري من مهامه. لعدة أسباب من بينها وجود إشكال في التواصل بين المنصري والأعضاء، إضافة إلى اتخاذه قرارات فردية. وأجّل مجلس النواب قبل العطلة البرلمانية عقد جلسة عامة كانت مخصصة لانتخاب رئيس جديد للهيئة إلى أجل غير مسمّى، لغياب التوافق بين الكتل البرلمانية حول شخصية لخلافة المنصري. وكان عضوا الهيئة نبيل بفون ونبيل العزيزي ترشّحا لخلافة المنصري، لكن العزيزي سحب ترشّحه قبل يوم من الجلسة الانتخابية لعدم تزكيته من جانب أعضاء الهيئة.