بعد فشل ذريع، يعقد مجلس نواب الشعب يوم غد الأربعاء جلسة عامة لانتخاب ثلاثة أعضاء للمحكمة الدستورية، ومن المنتظر أن يخضع مرة أخرى إلى امتحان عسير، وستكون صورته أكثر من أي وقت مضى في الميزان، لأنه لم يعد مسموحا له من الناحية السياسية ومن الناحية الأخلاقية بالفشل في هذه المهمة المصيرية التي كان يجب عليه القيام بها منذ سنة الفين وخمسة عشر، مثلما لم يعد مسموحا له بتعطيل انتخاب رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات عوضا عن محمد التليلي المنصري الذي استقال من الرئاسة منذ أوائل جويلية الماضي، ولم يعد مسموحا له أيضا بالتهرب من واجب انتخاب ثلاثة اعضاء لهيئة الانتخابات في إطار عملية تجديد الثلث لأن البلاد مقبلة على استحقاق انتخابي. وفي محاولة لحفظ ما تبقى من ماء الوجه كلف محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب مؤخرا فريقا مصغرا من النواب ممثلين عن جميع الكتل للتسريع في فرز ملفات الترشح لتجديد ثلث أعضاء هيئة الانتخابات، وكلف رئيس كتلة الائتلاف الوطني مصطفى بن أحمد بإجراء مشاورات بين الكتل قبل الجلسة العامة الانتخابية لأعضاء المحكمة الدستورية. النائبة عن نداء تونس الخنساء بن حراث عضوة اللجنة المصغرة المكلفة بفرز الترشحات لعضوية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قالت أمس على هامش الاجتماع المغلق للجنة بقصر باردو، إنه يتعين على مجلس نواب الشعب أن يستكمل مهامه الانتخابية الخاصة بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات قبل الخامس عشر من شهر ديسمبر المقبل. وبينت أن الخلاف الحاصل حاليا بين الكتل البرلمانية حول الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هو خلاف سياسي، وليس للجنة الفرز دخل فيه، وفسرت أن هناك كتلا برلمانية متمسكة بأن يتم في المقام الأول انتخاب ثلاثة أعضاء للهيئة في اطار تجديد الثلث، وهناك أخرى تريد ان يتم الذهاب الى انتخاب رئيس الهيئة واثر ذلك يقع انتخاب الأعضاء الثلاثة. وأضافت بن حراث أن اللجنة الفنية المصغرة دعيت الى التسريع في عمليات فرز ملفات الترشح لتجديد ثلث أعضاء الهيئة في اختصاصات قاض اداري ومهندس مختص في المنظومات والسلامة المعلوماتية ومختص في المالية العمومية، وبينت أنه ورد عليهم 47 ملف ترشح وأنه تم النظر قبل العطلة البرلمانية في خمسة ملفات فقط وانطلق الفريق المصغر امس في فرز الملفات المتبقية وسيقدم حصيلة اعماله للجنة الخاصة بدراسة وفرز ملفات الترشح لعضوية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي سترتب المرشحين بناء على سلم تقييمي وإثر ذلك يتم المرور الى الجلسة العامة الانتخابية. أما مصطفى بن احمد رئيس كتلة الائتلاف الوطني فبين ان المشاورات حول المحكمة الدستورية مازالت متواصلة. تعطيل متعمد يرى أحمد الصديق رئيس كتلة الجبهة الشعبية أن هناك عملية افشال ممنهج للدور الانتخابي لمجلس نواب الشعب. وقال إنه بات لديه اعتقادا راسخا بالأدلة والحجج والبراهين بأن تعطيل الدور الانتخابي لمجلس نواب الشعب لا يعود سببه للخارطة السياسية ولحجم الأغلبيات والأقليات في البرلمان، وإنما يعود الى وجود ارادة سياسية واضحة في التعطيل. وحمل الصديق مسؤولية تعطيل تركيز المحكمة الدستورية لكتل الائتلاف الحاكم والكتل المساندة لها وقال ان المعارضة البرلمانية لا تتحمل من هذه المسؤولية شيئا. وبين أن الأغلبية البرلمانية منطقها مبني على رفع الفيتو.. فبعد الفيتو الذي رفعته كتلة الحرة لحركة مشروع تونس قبل العطلة البرلمانية على المرشح العياشي الهمامي وساندتها في ذلك كتلة نداء تونس، رفعت كتلة النهضة لاعتبارات سياسية بحتة الفيتو على المرشحة سناء بن عاشور، وهذا المنطق على حد قول رئيس كتلة الجبهة الشعبية مرفوض، وأضاف أنه من باب الاحترام يجب على الكتل التي لديها تحفظات توضيح أسباب رفض هذا المرشح او ذاك وتقديم ادلة عوضا عن رفع الفيتو. وفي ما يتعلق بإشكال الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بين الصديق أن المسألة معقدة وأضاف ان التعلل بضرورة سد الشغور وتجديد ثلث اعضاء الهيئة قبل انتخاب رئيس لها في غير محله، لأن التوجه الى انتخاب ثلاثة اعضاء قبل انتخاب الرئيس سيؤدي موضوعيا الى طول الآجال التي ستستغرقها عمليتي الفرز والانتخاب وذلك في ظل غياب ضمانة لاستكمال هذه العملية. وقال الصديق إن البرلمان مدعو الى انتخاب رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات خاصة وانه يوجد مرشح وحيد للرئاسة كما ان انتخابه سيكون بأغلبية مائة وتسعة نواب فقط عكس انتخاب اعضاء المحكمة الدستورية الذي يجب ان يكون بمائة وخمسة واربعين صوتا، ونبه الى ان القانون الاساسي المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات أوكل للرئيس مهاما معينة لا يمكن لغيره القيام بها وبالتالي لا يكمن للهيئة ان تعمل دون رئيس. واستدرك رئيس كتلة الجبهة الشعبية قائلا:»لكن هذا لا يعني أنه بإمكان مجلس نواب الشعب ان يتباطأ في تجديد ثلث أعضاء الهيئة، لأن استكمال تركيبة الهيئة بما يسمح بإجراء الانتخابات في موعدها واجب محمول عليه». وكان مكتب مجلس نواب الشعب قرر في اجتماعه المنعقد يوم 19 جويلية الماضي فتح باب الترشح لرئاسة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات خلال الفترة الممتدة من الخميس 19 إلى غاية يوم الثلاثاء 24 جويلية 2018 كما قرر في اجتماعه المنعقد يوم 23 جويلية عقد جلسة عامة ايام الخميس والجمعة والسبت 26 و27 و28 جويلية 2018 وتضمن جدول اعمالها نقطة تتعلق بانتخاب رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وترشح للرئاسة كل نبيل بفون ونبيل العزيزي وتولى العزيزي بتاريخ السادس والعشرين من جويلية سحب ترشحه وبذلك فان نبيل بافون هو المترشح الوحيد لرئاسة الهيئة. محاصصات حزبية رغم عدم استكمال مهامهم الانتخابية، خرج نواب الشعب موفى جويلية الماضي في عطلة برلمانية تواصلت الى مطلع أكتوبر الجاري، ولم تطلب أي كتلة من كتل البرلمان اجراء دورة استثنائية لانتخاب رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات وثلاثة اعضاء للهيئة ولانتخاب بقية اعضاء المحكمة الدستورية. وعطل مجلس نواب الشعب تركيز المحكمة الدستورية أكثر من اللزوم، وماطل الشعب أكثر من اللزوم، وتذرع بتعلات واهية أكثر من اللزوم، وليس أمامه اليوم من خيار سوى التوافق، وليس أمام كتله البرلمانية التي غرقت في المناورات والمحاصصات والتجاذبات والحسابات السياسية الضيقة من خيار سوى التنازل من أجل استكمال انتخاب بقية حصته في المحكمة الدستورية بما يفتح الباب أمام المجلس الاعلى للقضاء لكي ينتخب اربعة مرشحين لهذه المحكمة ثم أمام رئيس الجمهورية لكي يعين أربعة مرشحين. جلسة توافقات ستتجه أنظار المتابعين للشأن العام غدا من جديد الى قبة باردو لمتابعة الجلسة العامة الانتخابية التي طال انتظارها، ومن المرجح أن يسبقها اليوم اجتماع توافقات لرؤساء الكتل الذين سبق لهم ان عقدوا ستة عشر اجتماعا بالتمام والكمال دون التوصل الى النتيجة المطلوبة. وكان مكتب مجلس نواب الشعب قرر خلال اجتماعه المنعقد بتاريخ السادس من سبتمبر الماضي عقد جلسة عامة لانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية يوم الاربعاء 10 أكتوبر 2018. وقرر قبل ذلك في اجتماعه المنعقد يوم 19 جويلية عقد جلسة عامة يوم الثلاثاء 24 جويلية 2018 تخصص لانتخاب 3 أعضاء في مجلس المحكمة الدستورية بحساب مرشحين اثنين من بين المختصين في القانون ومرشح ثالث من غير المختصين في القانون، ولكنه لم يصل الى نتيجة. وتمكن المجلس الى حد الآن من انتخاب عضوة وحيدة للمحكمة الدستورية وكان ذلك خلال جلسته العامة المنعقدة بتاريخ 14 مارس 2018 التي اسفرت عن انتخاب روضة الورسيغني عن المرشحين المختصين في القانون.. وكان عنوان تلك الجلسة الغدر والخيانة والسقوط الاخلاقي لأن هناك عددا من النواب اخلفوا العهد ولم يحترموا الميثاق الذي وقعت عليه جميع الكتل البرلمانية دون استثناء والقاضي بانتخاب كل من سناء بن عاشور والعياشي الهمامي وروضة الورسيغني وعبد اللطيف البوعزيزي. وبعد تلك الانتكاسة اجرى المجلس دورة انتخابية ثالثة وأخيرة مارس الماضي ولم يفلح في انتخاب اي عضو جديد، وفي العاشر من شهر ماي قرر مكتب المجلس فتح باب الترشيحات امام الكتل من جديد وتولت اللجنة الانتخابية دراسة الملفات الواردة عليها وقبلت ستة منها ورفضت ستة، واحالت تقريرها على مكتب المجلس الذي فتح في اجتماعه المنعقد يوم 31 ماي باب الترشيحات مرة اخرى ونظرت اللجنة الانتخابية في الملفات من جديد وقبلت هذه المرة 11 ترشيحا لكل من: العياشي الهمامي سناء بن عاشور عبد الرحمان كريم عبد الرزاق المختار كمال العياري ماهر كريشان محمد العادل كعنيش وجميع هؤلاء المرشحين مختصون في القانون اما بالنسبة لغير المختصين في القانون فقد قبلت اللجنة الانتخابية ترشيحات كل من: شكري المبخوت عبد اللطيف بوعزيزي محمد الفاضل الطرودي منية العلمي. ونظم مجلس نواب الشعب يوم 24 جويلية جلسة عامة انتخابية لم تسفر عن فوز اي مرشح وتوقف عند هذا الحد ولم يقم بدورة انتخابية ثانية لغياب التوافق. ومن المنتظر ان تجري العملية الانتخابية في الدورة الثانية المقرر عقدها يوم غد بناء على احكام القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية الذي نص على ان ينتخب مجلس نواب الشعب 4 أعضاء بالانتخاب السري وبأغلبية الثلثين من أعضائه فان لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الاغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية يفتح باب الترشيح مجددا لتقديم عدد جديد من المترشحين بحسب ما تبقى من نقص مع مراعاة الاختصاص في القانون من عدمه وفي صورة التساوي في عدد الاصوات المتحصل عليها يصرح بفوز الأكبر سنا.