انطباعات كثيرة يخرج بها المرء بعد نجاح رئيس الحكومة يوسف الشاهد في الحصول على ثقة نواب الشعب في الوزراء وكتاب الدولة الذين اختارهم لاستكمال ما تبقى من عهدته على رأس السلطة، لعل أبرزها وأكثرها أهمية اكتسابه قدرة أكثر على ممارسة صلاحياته الدستورية مستفيدا من حزام سياسي صلب ظل يفقده كما افتقده في السابق وبشدة سلفه الحبيب الصيد. ... صلاحيات دستورية لم يكن متاحا ممارستها تحت وطأة «التوافقات» الاضطرارية التي توسط فيها ورعاها رئيس الدولة الباجي قائد السبسي (قرطاج 1 وقرطاج 2) والتي، لئن نزعت فتيل التوتر السياسي في البلاد، إلا انها ساهمت بقسط كبير في تعطيل العمل الحكومي وسير دواليب الدولة بعدما فرضت على رئيس الحكومة في عديد المناسبات البحث عن ترضيات قبل إصدار أي قرار يخص إحدي المسائل أو القضايا الوطنية ذات الحساسية الكبيرة لأحد الأطراف المشاركة في الحكم. وقد كان للانقسامات والخلافات التي قصمت ظهر الحزب الأغلبي الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة نصيب وافر من المسؤولية عن التردي الذي شهدته ممارسة السلطة السياسية في أعلى هرمها إلى حد اليوم، وخصوصا بعد انتصار رئيس الدولة أكثر لنجله حافظ قائد السبسي في خلافه مع يوسف الشاهد، وانضمامه إليه في ممارسة الضغوط على رئيس الحكومة لدفعه إلى الاستقالة. هذه الضغوط التي تواصلت إلى آخر لحظة من جانب قيادة حزب «نداء تونس» التي قررت عدم المشاركة في جلسة منح الثقة في مجلس النواب أول أمس، لكن هيهات، إذ تمكن يوسف الشاهد من كسب المعركة، ونجح في إعادة رسم خارطة النفوذ واستعادة مركز القوة السياسية في منظومة الحكم طبقا لمقتضيات الدستور، لتنطلق فعليا وعمليا مرحلة جديدة من الحكم عنوانها الرئيسي السلطة في الداخل حصريا بيد رئاسة الحكومة ومجلس نواب الشعب بعد مرحلة اتسمت بطغيان نفوذ رئاسة الجمهورية. نعم، اليوم يمكن القول أن يوسف الشاهد قد ربح التحدي وتمكن من تحرير يديه من كل ما يكبلهما ويحول بينه وبين اتخاذ القرارات العاجلة المطلوبة لإعادة التوازن لاقتصاد البلاد وإيجاد الحلول الملائمة لتحسين الأوضاع المعيشية للتونسيين، لكن يبقى السؤال عما إذا كان بالفعل، لا قولا فقط، سينكب وحكومته بالكامل على معالجة الملفات المتراكمة والحارقة بعيدا عن الدوافع والهواجس الشخصية وأبرزها مسألة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وما إذا كان سيملك ما يكفي من الجرأة والتصميم للمضي قدما في تنفيذ التعهدات الجديدة والقديمة التي قدمها. سؤال مطروح سيجد إجابته حتما في قادم الأيام...