بالتوازي مع مناقشة ميزانية الدولة لسنة 2019 وكذلك مشروع قانون المالية، بات الاعلان عن تكوين رئيس الحكومة يوسف الشاهد لحزب على مرمى حجر وأمرا ملحا من أجل تكوين كتلة برلمانية بمثابة الحزام الذي يقف في صف حكومته.. بعد أن بانت المعاملة الجافة من رئيس الجمهورية الباجي قائد للشاهد والسكوت عن الاتهامات بالانقلاب التي أيدها «نداء تونس سليم الرياح».. وكذلك استقبال رئيس الجمهورية لأكثر من طرف في ظل البحث عن جبهات تأييد بعد فك الارتباط مع حركة النهضة.. ورغم أن كل طرف يبحث عن مؤيدين، وعن شرعية جبهوية، فان الصراع المبطن أحيانا، والمكشوف أغلب الأحيان بين رأسي السلطة التنفيذية (الحكومة والرئاسة) يصب في مصلحة أطراف أخرى عديدة، ويحيد غالبا الأحيان بدورهما وهو خدمة المواطن رغم محاولات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يوميا كسب مزيد التأييد الشعبي، لكن هذه المحاولات قد تعود على جميع الأطراف بالوبال باعتبار أن عامة الناس باتت تمقت هذا الصراع في ظل التدهور المتواصل للمقدرة الشرائية وانتشار الاحتكار والمضاربة، والاحتقان الاجتماعي مقابل انشغال الأحزاب والحكام بحملاتهم الانتخابية.. ولاشك أن أول رد فعل للمواطن هو معاقبة كل الأحزاب، سواء الحاكمة أو المعارضة (لأنها هي الأخرى لم تقدم بديلا ولا حلولا) بالصندوق وسيخرج الحزب الوحيد المستفيد كالعادة هو حركة النهضة، التي عرفت كيف تحافظ على منتسبيها وخزانها الانتخابي، أي أن المنتصر في النهاية (بسبب غضب أغلبية عامة الناس) هو النهضة التي تسعى جل الأحزاب والزعامات الى فرملتها بكل الطرق بما في ذلك حكاية الجهاز السري والتعويضات.. ومحاولات الاغتيال.. وفيما تتخبط جل الأحزاب في المشاكل الداخلية، ويتجاهر البعض الآخر على أزماته وفشله، فان رئيس الجمهورية قدم عروضا للبعض من أجل إنقاذ النداء المفتت ليس لضرب النهضة فقط، بل أيضا لإرباك يوسف الشاهد وقطع الطريق أمام تكوينه لحزب قد يجد فيه جل الندائيين بديلا لنداء حافظ قايد السبسي وسليم الرياحي، بعد أن زاد العائد اليه رضا بلحاج في أوجاعه ومناوراته، وهرب أمينه العام سليم الرياحي ولم يعد بعد، وأما ناطقه الرسمي وممثله برهان بسيس فقد دخل السجن، بينما بقي حافظ قايد السبسي يراوح مكانه مجدفا ضد التيار.. في ظل هذا الوضع الرمادي اللون، تحاول بعض الأطراف استمالة اتحاد الشغل _ لكن هذه المنظمة العريقة واعية بما يحدث_ إلى صفها.. مقابل انهاك رئيس الحكومة بالاحتجاجات والاعتصامات والاضرابات وايقاف الانتاج في مواقع الثروات الطبيعية، وفي النهاية الضحية هو المواطن البسيط «العياش»، لذلك لابد أن يعي التونسي جيدا أن همومه ومصلحته هي آخر مشاغل أصحاب الكراسي، إذ أن أحزاب الخراب لا تتذكره الا زمن الانتخابات وأنه عليه أن ينقذ نفسه بالصندوق وأن يختار بديلا لا علاقة له بكل هذه الاحزاب حتى لا تتواصل مأساته.