أجمع عدد من الموسيقيين والباحثين في المجال من تونس ومن ألمانيا على أهمية الموسيقى وانعكاسها الإيجابي على سلوك الفرد والمجموعة لكن إذا ما تم ذلك في إطار مدروس وهادف. كان ذلك في ندوة انعقدت مؤخرا بالمعهد العالي للموسيقى بتونس بتنظيم من هذه المؤسسة بإشراف مديرها الموسيقي سمير بشة وسفيان الفقيه المشرف على مشروع موسيقي تونسي ألماني "مختبر المستقبل بتونس" وبدعم من وزارتي الخارجية التونسية والألمانية. كما شارك في طرح محاور هذه الندوة المختص في علم الاجتماع الثقافي منير السعيداني والمختص في علم الاجتماع سليم المصمودي فضلا عن مختصين في إطارات الطفولة على غرار ليلى الجمل فكانوا إلى جانب عدد من الموسيقيين ممن تناولوا هذه المسألة من وجهات نظر علمية وبيداغوجية وفنية نذكر من بينهم الأكاديميين في الموسيقى حافظ اللجمي وسليم البكوش ومحمد الأسود والألماني "البرت شميت"، مدير الأوركسترا دي دويتش كامر-فيلهارموني بريمن وغيرهم. وانطلق سفيان الفقيه في الحديث بلاستناد إلى تجربته الخاصة في الحديث عن دور الموسيقى في تنمية قدرات الناشئة تحديدا وذلك من خلال مشروع مختبر المستقبل الذي يشرف على إدارته في تونس باعتباره مشروعا ثقافيا مشتركا تونسياألمانيا جاء بمبادرة من مؤسسة كمال الأزعر للعمل الثقافي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأحد المعاهد الرائدة في الغرض بمدينة بريمن بألمانيا وبدعم من وزارة الشؤون الخارجية الألمانية. وأكد أن هذا المشروع الثقافي هو تربوي بالأساس يهدف إلى تعزيز قدرات الشباب من تلاميذ المرحلة الإعدادية تحديدا وتسهيل اندماجهم في المجتمع وترسيخ قيم احترام الرأي المخالف والعمل الجماعي والتضامن لديهم من ناحية والمساهمة في اكسابهم الثقة في النفس وفي الآخرين. وشدد أثناء الندوة على أهمية الموسيقى ودورها الناجع والفعال في حياة الأفراد والمجموعات خاصة في مستوى الشباب على اعتبار انها تلعب دور الوسيط لتحقيق هذه الأهداف. وذلك بعد أن تم اختيار تنفيذ هذا المشروع بأحد الأحياء الشعبية وتحديدا بمعهد ثانوي بمدينة دوار هيشر بولاية منوبة. وأفاد سمير بشة أن دور الموسيقى يتجاوز ما هو ترفيهي أو مهني وإنما لها أدوار اجتماعية وإنسانية بالأساس خاصة إذا تم توظيف ذلك وفق برنامج وأهداف واضحة. مؤكدا انه منذ عصور خلت كانت الموسيقى ولا تزال توظف لتهذيب الذوق وتوعية الأفراد والمجتمعات موضحا أن مقولة الثقافة لتهذيب النفس ومقاومة الأفكار الظلامية وإنارة الفكر والعقل ليست مجرد شعار للتداول وإنما هي حقيقة الموسيقى من أكثر القطاعات الفنية التي تنجح في تحقيق ذلك بممارستها. وهو تقريبا ما ذهب له سفيان الفقيه في حديثه عن المسالة مستشهدا في ذلك بتجربته الجارية في إطار مشروع مختبر المستقبل الذي انطلق في تنفيذه منذ عام تقريبا. واعتبر ما تحقق من أهداف في هذا الإطار كفيل بتأكيد هذا المذهب خاصة أن الشبان الذين تم تشريكهم في هذا المشروع ينحدرون من أوساط اجتماعية فقيرة أو محدودة الدخل فضلا عن عدم توفر فضاءات وهياكل ترفيهية بالجهة باستثناء المقاهي تقريبا. لذلك وجدت هذه التجربة إقبال أعداد كبيرة من الشباب من خلال المشاركة في التمارين الموسيقية والأنشطة التابعة للبرنامج رغم أن جلهم لم يسبق له ممارسة أي نشاط موسيقي ضمن نادي أو معهد ولم يسبق لهم أيضا العزف على آلات موسيقية. وأكد أن بعد أشهر من خوض التجربة تبين بشهادة المربين تحسن مردود وسلوك هؤلاء الشباب وأصبحوا أكثر اقبالا على الحياة والتعاطي بإيجابية مع واقعهم ومحيطهم. واعتبر أن للممارسة الثقافية عامة والموسيقية خاصة دورا هاما في تحسين سلوك الفرد ونظرته وعلاقته مع الواقع والمجتمع والأشياء. وهو تقريبا ما أكده الألماني "البرت شميت" في نفس الندوة معتبرا أن نجاح هذا المشروع في ألمانيا خلال العشر سنوات الأخيرة مسألة تؤكد أهمية الاعتماد على الموسيقى وتمكين أكبر عدد من الأطفال والتلاميذ من ممارستها من أجل تهذيب سلوكهم واستقطابهم لحب الحياة. واعتمد كل من منير السعيدني وسليم المصمودي معطيات علمية دقيقة في تحليل دور الموسيقى في تنمية قدرات الفرد والمجتمع معتبرين أن الموسيقى كغيرها من القطاعات الثقافية الأخرى التي تحمل في تفاصيلها وأبعادها حلولا لعدة "عقد وأمراض" اجتماعية من بينها انتشال هؤلاء الناشئة من الدوائر المظلمة للشعور بالاحباط والانقطاع المبكر عن الدراسة والجريمة والفساد والارهاب وغيرها مما يجعل منهم قوة طموحة محبة للحياة وللآخر. ودعا المشاركون في الندوة إلى ضرورة تعميم الأنشطة الموسيقية تحديدا على أكبر قاعدة من التلاميذ في المدارس والمعاهد فضلا عن المؤسسات الثقافية والشبابية الأخرى كدور الثقافة والشباب من أجل تعميم فائدة هذا المعطى. نزيهة الغضباني