تعدّ منظمة المؤتمر الإسلامي (مقرها جدة) وفق ما نقلته وكالات الأنباء العالمية لإطلاق مهرجان سينمائي «لمكافحة الصور النمطية السلبية وتعزيز الصورة الإيجابية للإسلام والمسلمين» كما ينتظر أن تقدم المنظمة جائزة في الدورة القادمة لمهرجان «واغادوغو» السينمائي الدولي (البوركينا فاسو) في رغبة واضحة في الاستعانة بالفن السابع لتحقيق الهدف المذكور. وإذ قررت المنظمة التي تضم أكثر من خمسين دولة اسلامية أو ذات غالبية مسلمة في افريقيا وآسيا وفي عدد آخر من بقاع العالم القيام بهذه المبادرة المنتظرة، فإن ذلك وسواء كان نابعا عن اقرار بواقع، بات من الضروري استعمال كل الوسائل ومن بينها الفنون عموما والفن السابع خصوصا لتحسين صورة الإسلام والمسلمين التي تضررت كثيرا بسبب الدعاية المعادية من داخل أرض الإسلام ومن خارجه، أو أنها تأتي عن قناعة بأهمية الفنون في تغيير قدر الشعوب، فإن البادرة تعتبر خطوة ايجابية وجب الترحيب بها وتشجيعها. والحقيقة، إننا وإذ اعتبرنا هذه المبادرة جيدة فذلك لعدة اسباب موضوعية من بينها أنه قد حان الوقت ولو بعد قرون لتصحيح بعض الأفكار المسبقة المتداولة حول الإسلام منذ انبعاثه ومن بينها علاقته بالصورة التي يروج دائما على أنها إما علاقة عداء أو هي علاقة متوترة والدليل على ذلك أننا إلى اليوم نجد نسبة كبيرة من المسلمين بما في ذلك الذين تحصلوا على نصيب وافر من التعليم الحديث يتعاملون بريبة مع كل ما يتعلق بالإبداع في مجال الصورة. فالسينما مثلا، هذا الفن الذي أحدث ثورة في العقول وفي الاذواق لم يدخل بلدا مثل المملكة العربية السعودية إلا في الأشهر الأخيرة. ورغم غرابة المسألة إلا أنها الحقيقة، ووجبت الإشارة إليها حتى وإن اعتبر فتح قاعات للسينما في المملكة مؤخرا ومشاركة افلام سينمائية سعودية في مهرجانات عربية ودولية مؤشرا إيجابيا، بل وتغييرا جوهريا في علاقة بموقع الفنون داخل البلاد. مقابل ذلك، هناك بلدان عربية اسلامية مثل تونس ومصر أصبحت لها سينما متطورة ومهرجانات، لكن هل تساءلنا كم تحمل صناع هذه السينما من ممثلين ومخرجين وتقنيين من مآسي؟ وكم واجهوا من عوائق؟ وكم قدموا من تضحيات؟ وكم أنفقوا من مالهم وجهدهم وأعصابهم حتى جعلوا شعوب هذه البلدان وجماهيرها «تطبّع» مع الفنون ومع الفن السابع بالخصوص؟ ولئن تم تقبل السينما لأسباب متعددة من بينها سهولة اختراق الفن السابع للحواجز الثقافية والنفسية ولطابع الترفيهي ربما، فإن الفنون التشكيلية لم يكن لها نفس الحظ. ولعل وضع الفنون التشكيلية المتعب في البلدان العربية والإسلامية اليوم أفضل دليل على العلاقة المرتبكة بين المجتمعات العربية والإسلامية وبين ثقافة الصورة التي مازالت وفق العقلية المتوارثة تعتبر محاولة لمحاكاة الخالق. فالفنان التشكيلي في هذه البلدان مازال يعيش على الهامش وهو في أغلب الحالات من المرفوضين خاصة إذا كان النحت والحفر مجال اختصاصه. ورغم وجود استثناءات، فإننا في بلداننا العربية لم نخلق بعد الأرضية التي تساعد الفنان التشكيلي على الإبداع وعلى تفجير ملكاته. فلا توجد سوق للفن ولا توجد أروقة فنية بالعدد الكافي وبالمواصفات المطلوبة ولا توجد جوائز مهمة مع غياب شبه كلي للتربية على تقبل الفنون وعلى استيعابها وعلى تذوقها بالخصوص. وإن فتحت بعض البلدان الثرية بالخصوص متاحفها للفن التشكيلي ومن بينها من أصبح يقتني لوحات بسعر خيالي يحطم أحيانا الأرقام القياسية المسجلة في المزادات العالمية، إلا أن ذلك لا يعني حدوث ثورة في العقول ولا يعني أن التربية على الفنون صارت من بين المرتكزات التي تقوم عليها التربية والتنشئة عموما. فالمسافة مازالت متباعدة في بلداننا بين الفنان وبين المتلقي ومازالت الفنون والثقافة عموما- ما عدا كل ما هو استهلاكي سطحي وغير مفيد في أغلب الأحيان- لا تعتبر من الضروريات. وإذا ما عدنا إلى مهرجان السينما المنتظر ببادرة من منظمة التعاون الإسلامي فإننا نتوقع أن يقع العمل من خلاله على تحقيق هدف مزدوج. أولا، تأكيد وجود نوع من المصالحة بين المجتمعات الإسلامية وبين الثقافة والفنون في مفهومها الشامل. فالمجتمعات الإسلامية ظلت إلى اليوم في ريبة من كل منتوج فكري وابداعي يحث على استعمال ملكة النقد وينشر القيم الإنسانية ويبشر بالحرية. وما تاريخنا إلا حافلا بنماذج تؤكد معاداة كل ذلك والسينما هي أداة من الأدوات الهامة في نشر ثقافة الانفتاح على الآخر وهي نافذة على الآخر بامتياز. ثانيا، الاستفادة مما تطور في السينما لنشر صورة قريبة من واقع المجتمعات الإسلامية تساعد على الأقل على مواجهة الكم الهائل من الصور التي تبث الدعاية المضادة عن هذه المجتمعات ولعلها فرصة للتسليم أخيرا حتى وإن اضعنا الكثير من الوقت للاقتناع بان الفنون هي اليوم تستخدم كأحد الأسلحة في الدعاية المضادة والفن السابع بالخصوص من الأدوات الناجعة في نشر الثقافات وتصحيح ما أمكن تصحيحه من أفكار مسبقة. وقد لا نكون في حاجة إلى التذكير بأن بلدا مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية قد غزا العالم عن طريق السينما. فعن طريق الأفلام يقع الترويج للإنسان الامريكي العادل المقاوم للظلم ولقوى الظلام التي عادة ما تكون من بلدان منافسة أو من بلدان تستغل أمريكا ثرواتها وتستغلها استغلالا واضحا في تنفيذ مخططاتها في العالم ومن بينها المنطقة الإسلامية. وعن طريق الأفلام انتشرت ثقافة الأمريكيين في الأكل والملبس وفي التقاليد والعادات وفي كل ما يتعلق بنمط العيش والسلوك وحتى تمثل العالم.. فما فعلته هوليود في أمريكا ولصالح أمريكا (لا ننسى بوليود في الهند التي نشرت الثقافة الهندية وهي تحقق مداخيل ضخمة) من نشر لثقافة البلد في الخارج، لم تستطعه أعتى القوات العسكرية.. وإذ أن الأمريكيين قد أنفقوا أموالا طائلة في صناعة السينما، فإننا لا نعتقد أن البلدان الاسلامية مجتمعة تعوزها الإمكانيات المادية والبشرية كي لا تنجح في بعث مهرجان سينمائي بجودة عالية يحقق الأهداف المنتظرة. فصورة الإنسان المسلم قد تضررت كثيرا في العالم، وهذه حقيقة ومن غير الفن يمكنه أن يرمم الصورة خاصة بعد أن فشلت كل التجارب الأخرى..؟ ومقاومة «الإسلاموفوبيا» أولى التحديات.