تعقد لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية بمجلس نواب الشعب هذا الأسبوع جلسة استماع الى كتلة الحرة لحركة مشروع تونس التي يرأسها النائب حسونة الناصفي حول مبادرتها التشريعية المتعلقة بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المنقح والمتمم بالقانون الأساسي عدد 07 لسنة 2017 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء. وكان من المفروض عقد هذه الجلسة يوم الجمعة الماضي لكن جهة المبادرة طلبت التأجيل، وقبلت اللجنة هذا الطلب على أن يكون الموعد الجديد للاجتماع يوم الخميس 24 جانفي الجاري. وبمناسبة النظر في مقترح القانون، الذي يرفع التحجير على المسؤولين في التجمع ويتيح لهم من جديد امكانية الترشح لعضوية مكاتب الاقتراع، ستستمع اللجنة الى آراء مختصين في القانون الدستوري، كما ستطلب من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إبداء رأيها في مقترح القانون المذكور عملا بأحكام الفصل 3 من القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات الذي ينص على اختصاصات الهيئة ومنها إبداء الرأي في جميع مشاريع النصوص ذات العلاقة بالانتخابات والاستفتاءات. وقبلت اللجنة مبدأ النظر في المبادرة التشريعية ووافقت على ادراجها في نفس التقرير المتعلق بمشروع تنقيح القانون الانتخابي المقدم من قبل الحكومة إثر ضغط كبير مارسه نواب كتلة الحرة لحركة مشروع تونس ونواب كتلة نداء تونس، فلو لم يحصل ذلك الضغط وتلك المشاحنات مع نواب النهضة ما كانت اللجنة ستنظر في المبادرة أصلا رغم أنه تم ايداعها بمكتب الضبط بمجلس نواب الشعب منذ يوم الاربعاء 28 فيفري 2018 وهي تتضمن تنقيح فصل وحيد ورد في القانون الانتخابي لسنة 2014. وينص هذا الفصل في القانون الأصلي على ان تتولى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تعيين رؤساء مكاتب الاقتراع وأعضائها ممن تتوفر فيهم شروط النزاهة والحياد والاستقلالية، وتضبط شروط وصيغ تعيينهم وتعويضهم عند الاقتضاء. تنشر الهيئة بموقعها الالكتروني في آجال معقولة تحددها قائمة أعضاء مكاتب الاقتراع بما في ذلك رؤساء المكاتب. ويمكن للمترشحين أو ممثلي القائمات المترشحة أو الأحزاب طلب مراجعة يودع لدى الهيئة بالدائرة التي بها عين العضو المعني، ويكون ذلك في أجل معقول تحدده الهيئة. لا يجوز لأي عضو بمكتب الاقتراع أن يكون زوجاً أو أصلاً أو فرعاً لأحد المترشحين سواء كان من الدرجة الأولى أو الثانية أو أن يكون صهره أو أجيراً لديه أو منخرطا بحزب سياسي. ونص نفس الفصل على انه لا يمكن أن يكون من بين أعضاء أو رؤساء مكاتب الاقتراع كل من تحمل مسؤولية في هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل وفق مقتضيات الأمر عدد 1089 لسنة 2011 المؤرخ في 3 أوت 2011. ويهدف مقترح كتلة الحرة لحركة مشروع تونس الى الغاء الأحكام الخاصة بمنع المسؤولين السابقين في التجمع الدستوري الديمقراطي من الترشح لعضوية مكاتب التصويت. وبين نواب هذه الكتلة في وثيقة شرح الاسباب انه لم يعد يوجد اي مبرر قائم على التمييز على اساس الانتماء السياسي خاصة وان تونس تستعد الى مواعيد الانتخابية هامة، وهو ما يستوجب الغاء الاحكام الاقصائية التي بقيت في القوانين المنظمة للانتخابات، لان هذه الاحكام المثيرة للتوتر والنقد كانت منذ صدورها متعارضة مع المبادئ الاساسية للقانون ولا تليق بمجتمع ديمقراطي ولأنها ستبقى عرضة في وقت لاحق للطعن والالغاء على أساس عدم الدستورية. وفسرت المبادرة التشريعية الاخلالات الدستورية الموجودة في هذا الفصل، وأولها اخلال بمبدا المساواة في القانون فحسب النواب الذين اقترحوا المشروع لا يجوز في تسيير العمليات الانتخابية أو غيرها التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء السياسي.. اما الاخلال الثاني فهو اخلال بمبدا منع العقوبات الجماعية ومبدا لا عقاب دون محاكمة ويرى أصحاب المبادرة التشريعية أن الاقصاء التشريعي في القانون الانتخابي جاء جماعيا وطال عشرات الاف من المواطنين بدعوى تحمل مسؤولية سابقة في التجمع الدستوري الديمقراطي، وبالتالي لم يكن المنع شخصيا ولم يحصل بعد محاكمة عدالة وبعد التحقق من مشاركة المسؤول السابق في التجمع فعلا في تسيير الانتخابات، كما لم يقع التثبت من قيامه بالتزوير ولم يقع تطبيق العقوبات المقررة على تزوير الانتخابات في ذلك الوقت عليه. خلاف سياسي إضافة الى التجاذبات السياسية التي ينتظر أن تثيرها المبادرة التشريعية بين أنصار الثورة الذين اكتووا طيلة عقود بعمليات تزوير الانتخابات على أيدي تجمعيين ، وبين أتباع المنظومة القديمة والحقوقيين الذين لا يرون أي مبرر لمواصلة الإقصاء على أساس الانتماء السياسي، ستعيد هذه المبادرة الى الواجهة الجدل حول دواعي تنقيح القانون الانتخابي في اتجاه اعتماد عتبة بخمسة بالمائة. لأنه عندما تولت الحكومة خلال الصائفة الماضية وتحديدا في شهر سبتمبر 2018 تقديم مشروع قانون أساسي يتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء بهدف اعتماد العتبة، كان المشهد السياسي مغايرا تماما لما هو عليه اليوم، إذ كان هذا المشروع الذي أعدته في الأصل رئاسة الجمهورية وليس الحكومة، على مقاس حزبي حركة النهضة ونداء تونس وهو ما أكده العديد من الناشطين في المجتمع المدني وفي الأحزاب السياسية.. لكنه اليوم لن يكون الا على مقاس النهضة، فبعد انقطاع حبل التوافق بين النهضة والنداء وبعد الخلاف الكبير بين النداء ورئيس الحكومة، وبعد الجفوة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وبعد التصدع الذي عرفته حركة نداء تونس وما تسبب فيه من هجرة جماعية لكثير من نواب الكتلة نحو كتلة الائتلاف الوطني التي برزت كقوة برلمانية جديدة مساندة لرئيس الحكومة المتمرد على حزبه ومتوافقة مع النهضة، قد لن يكون من مصلحة كتلة نداء تونس وهي على وضعها الحالي المجازفة وقبول اعتماد عتبة الخمسة بالمائة. وللإشارة فإن المقصود بعبارة العتبة الحد الأدنى من الأصوات التي يشترط الحصول عليها من قبل الحزب أو الائتلاف أو الأفراد ليكون له أو لهم الحق في الحصول على أحد المقاعد المتنافس عليها في الانتخابات. وكانت اللجنة مررت مقترح الحكومة القاضي باعتماد العتبة وسط احتجاج نواب المعارضة وفي ظل صد طيف كبير من الناشطين في المجتمع المدني، ولم يكترث نواب الأغلبية وخاصة النهضة لمواقف المعارضة ولم يأخذوا بآراء أغلب الخبراء وممثلي المجتمع المدني الذين استمعوا اليهم تحت قبة البرلمان والذين حذروهم من تبعات هذه المغامرة على المسار الديمقراطي خاصة وأنها تأتي قبل أشهر من موعد الاستحقاق الانتخابي. تأثير العتبة بالعودة الى محاضر جلسات اللجنة البرلمانية، واستنادا إلى ما جاء في ورقة قدمها الهادي الطرابلسي الخبير في النظم الانتخابية يمكن فهم تأثير العتبة على نظام القائمة النسبية في تونس، فقد قام الخبير بمحاكاة لنتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2014 في صورة اعتماد عتبة. وتبين نتائج المحاكاة حسب قوله أن حوالي 88 بالمائة من القائمات المترشحة في الانتخابات التشريعية 2014 وفي صورة اعتماد عتبة بخمسة بالمائة حصلت على عدد من الاصوات نسبته لم تتجاوز ثلاثة بالمائة من الاصوات المصرح بها في الدوائر التي ترشحت فيها. كما تبين المحاكاة ان حوالي 4 بالمائة من القائمات المترشحة في 2014 حصلت على عدد من الاصوات نسبته بين ثلاثة وخمسة بالمائة من الاصوات المصرح بها في الدوائر التي ترشحت فيها. وتبين ان حوالي 8 بالمائة من القائمات المترشحة حصت على نسبة اصوات تجاوزت خمسة بالمائة من الاصوات المصرح بها في الدوائر التي ترشحت فيها. ولاحظ الطرابلسي أنه لا يوجد نظام انتخابي مثالي لكن توجد نظم انتخابية ملائمة للأوضاع السياسية القائمة وبين ان نظام القائمة النسبية دون عتبة المطبق حاليا في تونس يحقق درجة عالية من التمثيلية وفيه اقل نسبة ضياع أصوات مقارنة مع بقية الانظمة النسبية ولكن هذا لا يعني انه ملائم لكل الاوضاع وفسر انه توجد معايير اخرى لتصميم وتعديل النظم الانتخابية. وذكر ان العتبة تستخدم أساسا في نظام القائمة النسبية المغلقة قصد تجنب كثرة التشتت الحزبي داخل البرلمانات. وأضاف الخبير ان الحاصل الانتخابي في نظام القائمة النسبية المغلقة يعتبر عتبة طبيعية للحصول على مقعد. وتتراوح هذه النسبة في التوزيع الحالي للمقاعد بين عشرة وخمسة وعشرين بالمائة، غير ان عددا هاما من القائمات يمكن ان تحصل على مقعد بطريقة أكبر البقايا. وذكر أنه في انتخابات 2014 بلغت نسبة عدد المقاعد في مجلس نواب الشعب التي تم توزيعها على قائمات لم يصل عدد اصواتها الحاصل الانتخابي حوالي 26 بالمائة من مقاعد المجلس.