شاركت تونس خلال اليومين الأخيرين بوفد رفيع المستوى يرأسه رئيس الحكومة يوسف الشاهد في أشغال الدورة 49 لمنتدى دافوس الاقتصادي بسويسرا تحت عنوان «العولمة في طورها الرابع»، وهي المرة الثانية التي يشارك فيها الشاهد في هذه التظاهرة العالمية الاقتصادية وبين السنة الماضية وهذه السنة، يتساءل العديد من المراقبين في الشأن المالي والاقتصادي حول التحديات الاقتصادية التي حملها رئيس الحكومة لعرضها أمام أنظار المؤسسات المالية العالمية المانحة والقوى الاقتصادية الكبرى وشركائنا في الخارج من جهة وحول التعهدات الدولية التي عاد بها من أشغال المنتدى. وشارك الشاهد في هذه التظاهرة المهمة بصورة «محرجة» لتونس في ظل الوضع المتردي الذي تعيشه اقتصاديا واجتماعيا والتي على رأسها تراجع كل المؤشرات والأرقام للعديد من القطاعات الحيوية وتراجع في توازناتها المالية، فضلا عن الاحتقان الاجتماعي الذي يختصره تواتر الاحتجاجات طيلة سنة بأكملها وبلغ ذروته مع مطلع السنة الجديدة. كما أن بلادنا أنهت سنة 2018 على اختلال في العديد من توازناتها المالية العمومية من أهمها تسجيل عجز في الموازنة العامة ب 4.9 بالمائة مع تواصل في انزلاق عملتنا المحلية وصف بالتاريخي مقابل العملات المرجعية اليورو والدولار حتى فاق ال 3 دينارات مقابل الدولار الأمريكي واخذ منحا تنازليا مقابل اليورو ليتجاوز ال 3.50 دينار في سابقة تعد خطيرة على اقتصاد البلاد. كذلك سجلت بلادنا عجزا تجاريا قياسيا لامس ال 20 مليار دينار، مع بلوغ حجم الأجور في القطاع العام نسبة 14.1 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي مع مطلع السنة الجديدة وارتفاع في نسبة البطالة لتصل حاليا إلى 15.7 بالمائة بعد قرار إغلاق باب الانتدابات كليا لسنتي 2018 و2019 وحتى إلى ما بعد، فضلا عن ضعف الاستثمار الخاص الذي كشفه التقرير الأخير الصادر عن وكالة النهوض بالصناعة والتجديد. كما يتواصل وبنسق سريع استنزاف مدخراتنا الوطنية من النقد الأجنبي لتصل إلى حدود يوم أمس إلى 13749 مليون دينار أي ما يعادل ال 82 يوم توريد، والأخطر هو بلوغ نسبة التضخم حدود ال 7.5 بالمائة مع توقعات بان تفوق ال 8 بالمائة في الأشهر الأولى من السنة الجارية، فضلا عن تواصل النسق التصاعدي لحجم المديونية ليصل إلى حدود ال10.2 مليار دينار مقدرة في ميزانية سنة 2019. كل هذه المؤشرات السلبية التي حملها الشاهد لهذه التظاهرة العالمية سيكون لها تأثير كبير على صورة بلادنا في الخارج خاصة لدى المؤسسات المالية المانحة التي سبق وان منحت لبلادنا تمويلات مهمة في شكل قروض وهبات في السنوات التي تلت ثورة جانفي 2011، على غرار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الإفريقي للتنمية والحال أن بلادنا اليوم في أمسّ الحاجة إلى أن تكون في أفضل حالاتها باعتبارها اختارت الاقتراض كحل لتجاوز كل الصعوبات التي تمر بها وهو ما سيصعب عليها هذه العملية. وكانت المشاركة الأبرز لبلادنا في المنتدى هي التي تتعلق بإشراف رئيس الحكومة أمس على جلسة حوارية حول « تشكيل أجندة أفريقيا في السياق العالمي» بحضور رؤساء دول ومنظمات افريقية وشخصيات اقتصادية وسياسية، وكأنّ ببلادنا مازالت إلى حد اليوم ومن خلال مشاركتها في مثل هذه التظاهرات الاقتصادية الدولية تقتصر فقط على القارة الإفريقية وبلدان المغرب العربي دون أن تتجاوز محيطها الجغرافي الإقليمي باتجاه البلدان الأسيوية وبلدان القارة الأمريكية وحتى في عمق القارة الأوروبية التي تتعامل مع جل بلدانها اقتصاديا وتتبادل معها تجاريا. وحول الأرقام التي تخص هذه الدورة من تظاهرة منتدى دافوس، يمكن أن نذكر مشاركة ما يزيد عن 3000 مشارك من مختلف دول العالم من بينهم 1200 رجل أعمال و300 شخصية عامة و50 شخصية سياسية كانت قد شاركت في أكثر من 400 ورشة عمل ولقاءات خاصة في المجالات الاقتصادية والصحية والبيئية، وتمحورت جل نقاشات قادة العالم والمجتمع المدني، داخل قبة «دافوس»، التي تتوسط جبال الألب الثلجية، أساسا حول التغيرات المناخية والتأثيرات المستقبلية للثورة الصناعية وتطوير الذكاء الاصطناعي...