رأيي الشخصي أنّ تضخم عدد الأطباء قاد بعضهم لمخالفة الاخلاقيات الطبية تونس - الاسبوعي عندما كنت ذاهبا لمحاورة الدكتور جلول دغفوس رئيس اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية.. كانت تزدحم في رأسي مسائل عديدة وأسئلة كثيرة عن بعض الممارسات الطبية والتجاوزات التي تكاثرت في هذا العصر.. وكنت أمني النفس بالحصول على أجوبة لكل تلك التساؤلات من قبل ضيفنا ولكن محاورنا أبى وأكد أن دور اللجنة محدد بقوانين ومنحصر في ابداء الرأي فقط والتنظير في المسائل والمستجدات الكبرى.. وهو موقف يدعونا للتساؤل: متى سيصبح بوسعنا الاستفادة من وجود لجنة بهذا الحجم من حيث التركيبة والمستوى العلمي لأفرادها في الحكم على بعض ما نسجله اليوم على الساحة الطبية والصحية عموما؟ حاوره: خير الدين العماري نحن لا نقبل تشكيات المواطنين بل عملنا ينحصر في إبداء الرأي في المسائل الكبرى المتعلقة بالاخلاقيات الطبية تكوين الأطباء ضروري للتأثير على وجدانهم بما يمنع أن يكون شغلهم الشاغل الحصول على أقصى قدر ممكن من المداخيل مشكلة قلّة التبّرع بالأعضاء مرجعها عاداتنا وتقاليدنا * متى أحدثت اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية؟ - أحدثت اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية بمقتضى القانون عدد 91 - 93 لسنة 1991 المؤرخ في 29 جويلية 1991 المتعّلق بالتنظيم الصحي.. وتم ضبط صلاحياتها بالامر عدد 2133 لسنة 2001 المؤرخ في 1 سبتمبر 2001 وقد تم ضمنه ضبط تركيبة اللجنة الوطنية للاخلاقيات الطبية وطرق سيرها. * تضمّن الفصل الأول من الأمر المؤرخ في 1994 مهام اللجنة وحددها في إبداء الرأي فهل توضح أكثر هذه المهام؟ - تتمثل مهمّة اللجنة الوطنية للاخلاقيات الطبية في إبداء الرأي بشأن المشاكل الاخلاقية التي يثيرها البحث في ميادين البيولوجيا والطب والصحة سواء كانت هذه المشاكل تهم الانسان أو المجموعات أو المجتمع بأسره.. وتنكب اللجنة كذلك على وضع المبادئ الكبرى التي تمكن من التوفيق بين التقدم التكنولوجي في الميادين المبينة بالفقرة السابقة والقواعد الأخلاقية والقانونية والقيم الانسانية وحقوق الانسان والواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. * ومما تتركب هذه اللجنة؟ - تتركب اللجنة علاوة عن رئيسها من عشرة أعضاء أو من يمثلهم وهم عمداء كليات الطب وكلية طب الاسنان وكلية الصيدلة ورؤساء المجالس الوطنية لعمادات الاطباء وأطباء الاسنان والاطباء البياطرة والصيادلة. وإثنا عشر عضوا يمثلون المؤسسات التالية وهم المجلس الدستوري والمجلس الاسلامي الاعلى والهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الأساسية ومستشار من محكمة التعقيب ومستشار من المحكمة الادارية وأستاذ تعليم عال في علم الاجتماع وأستاذ تعليم عال في القانون وباحثان مهتمان بالمواضيع الداخلة في مجال نشاط اللجنة يقترحهما كاتب الدولة لدى الوزير الاول المكلف بالبحث العلمي والتكنولوجيا وممثل عن وزارة الشؤون الاجتماعية وشخصية من القطاع الاعلامي..و6 شخصيات مهتمة بمواضيع الاخلاقيات الطبية تقع تسميتهم من طرف وزير الصحة العمومية. * وكم عدد التشكيات التي وصلتكم من المواطنين بشأن الاخلاقيات الطبية؟ - لا ذلك من اختصاص عمادة الأطباء.. ودورنا فقط ينحصر في المبادئ الكبرى وابداء الرأي في المسائل الكبرى ذات العلاقة .. * تريد القول بأن دوركم ينحصر في الأخلاقيات الطبية والعلمية وليس بأخلاقيات الطبيب؟ - نعم نحن نبدي الرأي في المسائل الجوهرية والمستجدات الطبية خصوصا منها تلك المواضيع المعروفة بشدة حساسيتها نظرا لانعكاساتها الاجتماعية والدينية . * ولكن هذا لن يمنعنا من سؤالك عن بعض الممارسات التي يأتيها بعض الاطباء اليوم.. والتي لا نجد لها تفسيرا سوى أنها نهم لا حدود له.. ونزلت بمهنة الطب التي عرفت على مر التاريخ بمكانتها السامية الى مجرد نشاط تجاري لا يختلف عن غيره من الأنشطة؟ - رغم أن الموضوع لا يدخل في مجال اختصاص اللجنة..فإني سأجيبك باعتباري من أهل القطاع الصحي.. * تفضل - في السابق كان الاطباء قلّة قليلة.. مما جعل العمل يتم في ظروف مريحة ويحفظ هيبة الطبيب.. بينما الآن اشتدت المزاحمة بفعل تكاثر عدد الاطباء... وبالطبع أفرز هذا الوضع عدة تجاوزات.. ولكن الدولة وقفت دوما بالمرصاد لهذه التجاوزات.. هذا إضافة لغلاء المعيشة ومحدودية الامكانيات . * كثرة عدد الأطباء مكسب وطني يمكن الاستفادة منه إذا عرفنا كيف نتعامل معه؟ - نعم ذلك مكسب كبير لبلادنا ولقد صارت تونس تصدّر الاطباء للدول الشقيقة والصديقة.. وعلى سبيل المثال فقد تم إرسال 300 طبيب للعمل بافريقيا الجنوبية للعمل في إطار التعاون الفني.. وهي تطلب اليوم حوالي ألف طبيب آخر. * ولكن الاخطاء الطبية تعددت في الآونة الاخيرة والتكالب على المادة طغى على بعض الممارسات الطبية.. والقرارات الطبية أصبحت في حاجة للتحري من لدن المريض وعائلته.. وهذا يعود لعدم ثقة هذا الاخير في الطبيب على خلاف ما كان يجري في السابق فما السبب حسب رأيك؟ - هذا ناتج عن تضخم عدد الاطباء كما قلت لك ولكن ينبغي ألا يحدث هذا إن وجد طبعا.. وهناك أبواب مفتوحة للقيام بالتشكي من هذه الممارسات ..التي جعلت مهنة الطبيب القائمة على جملة من المبادئ السامية تتراجع شيئا فشيئا كما لا ننسى أن للمريض دور في ذلك. * قلت في البداية أن دوركم ينحصر في ابداء الرأي في بعض المسائل الكبرى.. ما هي المسائل التي أبديتم رأيكم فيها لحد الآن؟ - القائمة طويلة ومنها الانجاب بمساعدة طبية وبعث لجان محلية للأخلاقيات الطبية والاستنساخ والاخلاقيات والتقدم التكنولوجي ومصاريف الصحة والاستنساخ العلاجي والتصرف في أنسجة ومضغات وأجنّة وأجساد مواليد موتى واقتطاع أعضاء وأنسجة من جثث طبية شرعية.. هذا بالاضافة الى تنظيم الندوات السنوية. * وما هي الأشياء التي أوصيتم بها أثناء إصدار آراء بخصوص مصاريف الصحة والتبرع بالأعضاء؟ - في تونس كان أمل الحياة في بداية الاستقلال 47 سنة والآن بلغ 73 سنة..وهي نقلة حدثت بفضل تطبيق سياسة صحية استراتيجية منذ فجر الاستقلال.. جعلت بلادنا تحتل مرتبة متميزة ضمن البلدان التي قطعت أشواطا هامة في القطاع الصحي.. عبر اخذها بأسباب التقدم الطبي والتكنولوجيات الحديثة التي كانت كلفتها مرتفعة على المجموعة الوطنية وخاصة بعد ازدياد الطلب عليها من قبل التونسيين.. ونظرا انه لا وجود لحل سحري فقد بادرت اللجنة الوطنية للاخلاقيات الطبية بالتطرق للموضوع وسألت كافة أطراف القطاع من إداريين ومكلفين بالمصاريف وأطباء وأجرت بحثا موسعا أوكلت أمر القيام به الى لجنة فنية.. قامت بعملها وقدمت توصيات هامة في الغرض وذلك حسب الحاجيات العلاجية قصد التحكم في كلفة التداوي.. وهي توصيات تقوم على حسن التقدير للعلاج والتشخيص والتحاليل الموصى بها والتكنولوجيات العلاجية المستعملة.. ولهذا رأت اللجنة أن من يتكفل بتنسيق مسار العلاج وأمر تقديره يجب أن تتوفر فيه الكفاءة اللازمة من حيث المقدرة والاستقلالية ..وقد تركز البحث على عدة عناصر أولها توعية المواطنين وتحسيسهم بأهمية التصرف الصحي الرشيد والوقائي مثل القيام بالتلاقيح الضرورية.. ثانيا إطلاق حملة تحسيسية بهذا الخصوص وبالأخص بوسائل الاعلام الوطنية.. إضافة لتكوين الاطباء نظرا لدورهم الهام.. لأنه عندما يطورون معارفهم ويتأثر وجدانهم فإنه لن يصبح شغلهم الشاغل البحث عن أقصى قدر ممكن من المداخيل.. وبالتالي فقد ساهمنا في الارتقاء بالأخلاقيات الطبية وتنميتها وقمنا بالتقليص لاحقا من اللامبالاة في طلب الأدوية وتكديسها وخاصة منها غالية الثمن.. والمبالغة في طلب التحاليل بلا تروّ ودونما دراسة.. وهكذا سنعمل على التقليل من حجم الكلفة الصحية كثيرا.. وهذه التوصيات خرجنا بها في 1999 تقريبا.. وقد تكون «الكنام» استوحت الفكرة من ذلك الرأي القائم على ضرورة تكوين الطبيب المنسق لمسار العلاج تكوينا شاملا يؤهله للقيام بهذاا لدور وأصبح يطلق عليه فيما بعد طبيب العائلة. * وبالنسبة للتبرع بالأعضاء والانترنيت؟ - بخصوص التبرع بالأعضاء فقد قمنا بتنظيم ندوة سنوية موسعة ووجدنا أن المشكل الرئيسي لا يكمن في ديننا الحنيف.. فهو على العكس تماما لا يحرّم مسألة التبرع بالاعضاء ونجده متساهلا كثيرا في هذه الناحية.. وإنما المشكل الحقيقي في عاداتنا وتقاليدنا التي تحتاج الى كثير من الندوات التحسيسية والتوعوية.. ولقد كنا سابقا نخضع لضرورة الحصول على موافقة جميع أفراد عائلة المتوفي ولكننا اليوم نكتفي -طبقا للمبادرة الرئاسية - بما تم توثيقه على بطاقة التعريف الوطنية والمقصود طبعا عبارة متبرع.. أما بشأن الانترنيت فقد نادينا بحماية المعطيات الشخصية ومنع الإشهار الطبي على الانترنيت وكذلك إشهار الأدوية والحفاظ على ملفات المرضى وتم إصدار عديد التوصيات بهذا الخصوص . * وهل تنظمون هذه الندوات السنوية بطلب من الجهات التي تستشيركم أم من تلقاء أنفسكم؟ - نصّ الفصل الثاني من الأمر المؤرخ في 1994 على أن اللجنة تتولى في إطار صلاحياتها تنظيم ندوة سنوية تتناول علنا المسائل الهامة المرتبطة بالاخلاقيات الطبية ..كما نصّ الفصل الأول من الامر المؤرخ في 2001 على امكانية تنظيم ملتقيات وأيام دراسية ذات مواضيع لها علاقة بالاخلاقيات الطبية. * وكيف كانت الندوات التي قمتم بها؟ - قمنا بندوة حول التكوين في الأخلاقيات الاحيائية في أفريل ..1996 وندوة اللجان المحلية للأخلاقيات في أكتوبر ..1997 والتقدم الطبي التكلفة والاخلاقيات الطبية في افريل 1998 وندوة الاتصال في مجال الصحة نوفمبر 1999 ... والعلاقة بين الطبيب والمريض: القانون والاخلاقيات نوفمبر ...2000 والرهانات الاخلاقية وتقدم الطب جانفي 2002 والاعاقة الخلقية، الجوانب الطبية والنفسية والقانونية والاخلاقية أفريل 2003 .. والوراثيات البشرية: نجاعة علمية وتطبيقات عملية واعتبارات أخلاقية وقضائية واقتصادية أفريل 2004 ... والتجارب السريرية للأدوية الجديدة عند الانسان: ضروريات أخلاقية وقضائية واقتصادية في أفريل 2004 والتجارب السريرية للادوية الجديدة عند الانسان : ضروريات أخلاقية وإطار قضائي في سبتمبر 2005 .. والتبرع بالاعضاء: تفكير وتساؤلات في نوفمبر 2006 .. والاعلامية والانترنات والطب: الجوانب الاخلاقية والقضائية في نوفمبر 2007 والجراحة التجميلية، الجوانب الاخلاقية والطبية والقضائية في جوان 2008 . * وهل تعتقد أن اللجنة حققت بعضا من مهامها من خلال هذه الندوات السنوية؟ - اعتقد أنها حققت البعض من مهامها ونذكر منها الاعلام والتكوين والتوثيق.. وكذلك بعض المهام المتصلة بالتحسيس للمسائل المعنوية والاخلاقية والاعلام وهذا داخل في اطار الحلقات المفتوحة بمشاركة المتخصصين من أطباء وفلاسفة ورجال دين وممثلي إعلام ومواطنين عاديين بغرض الاخذ بعين الاعتبار بوجهات النظر المختلفة والقابلة للتوضيح.. كما أعتقد أن اللجنة شاركت بصفة فعالة في توضيح وترسيخ الاخلاقيات الطبية في جميع الميادين المتصلة بحياة التونسي وذلك عبر هذه الندوات السنوية المفتوحة للعموم.. وكذلك من خلال الآراء التي قدمتها للحكومة.. أو في الملتقيات التي نظمتها والمحاضرات التي تقدمها بمناسبة التظاهرات العلمية التي يشارك فيها أعضاء اللجنة. * وهل تصدرون ما يدور في هذه الملتقيات للعموم؟ - نعم تنشر اللجنة وبصفة منتظمة أشغالها التي تدرسها ضمن مهامها وصلاحياتها مثل الآراء أو اشغال الندوات السنوية او الملتقيات الدولية على غرار الملتقى الدولي حول الاخلاقيات والملتقى المغاربي حول الاخلاقيات. * وهل لديكم برامج في المستقبل القريب لتنظيم ملتقيات دولية أو أقليمية؟ - سنقوم بتنظيم ملتقى حول القيم الكونية للأخلاقيات الطبية والخصوصيات الثقافية من 11 الى 13 ديسمبر 2008 ببيت الحكمة.
