عاجل/ بعد اتهامها باستهداف قوات صهيونية: حماس تصدر بيانا رسميا وتكشف..    باجة: الدورة التاسعة لمهرجان الرمان بتستور من 29 اكتوبر الى 2 نوفمبر وسط توقع صابة طيبة للرمان بالمنطق    شربان... صدور أمر دعوة النّاخبين للتّصويت على سحب الوكالة من نائب محلّي.. 28 ديسمبر.. يوم الاقتراع بعمادة «الشرف»    اليوم انطلاق موسم جني الزيتون بصفاقس .. صابة قياسية ..وآمال في تسعيرة تراعي الفلاح والمستهلك    رئيس الجمهورية: لا تراجع عن الدور الاجتماعي للدولة والحلول قادمة    في البيان الختامي لمؤتمر الجبهة التقدمية العربية ..سلاح المقاومة هو الخيار الوحيد للتعامل مع العدو الصهيوني    أحدهما متورّط في قضية التآمر على أمن الدولة .. تأجيل محاكمة سفير ومستشار سابقين أمام دائرة الارهاب    عين دراهم: الدورة الثانية لخريف خمير الموسيقي    في اختتام مهرجان «نجع الفن» بدوز...مارسيل خليفة يشدو لألف متفرج ويكتب لطفلة    برمجت 4 عروض مسرحية... جمعية «مسرح الشعب»تنعش الفن الرابع في حمام سوسة    عاجل: 18 قتيلاً في غرق مركب مهاجرين قبالة ليبيا    عاجل/ حماس تعلن عن هذا القرار..    القبض على "مروّع مستعملي الطريق" بجبل الجلود..وهذه التفاصيل..    الضوء الأحمر، الانفلاق، والسير بدون رخصة.. تفاصيل صادمة عن حوادث 2025    عاجل-قرمبالية: مجهولون يقتحمون جامع الغفران ويسرقون التبرعات!    جمعية احباء البلفدير تنظم لقاءً حول العسل والنحل يوم السبت غرة نوفمبر 2025    تنظيم الدورة الثالثة من تظاهرة "جامعة تونس المنار، منارة الثقافات" يوم 4 نوفمبر المقبل    عاجل: هذا هو تصنيف الترجي في دور المجموعات    تونس تتجه نحو الاقتصاد في قيمة دعم المحروقات والكهرباء بنحو 726 مليون دينار سنة 2026    عاجل: ملعب رادس هو الوحيد المعتمد لتونس في دوري الأبطال!    عاجل : جامعة كرة القدم تُعلن شروط الترشح لانتخابات المكتب الجامعي    راغب علامة لزوجته في عيد ميلادها: ''وجودك بحياتي نعمة''    مونديال تحت 17 سنة لكرة اليد: المنتخب الوطني ينهزم امام نظيره الإسباني    عاجل: تحطم طائرة في كينيا.. وفاة 11 شخص بينهم ألمان ومجريين!    تونس تتحرك ضد التبذير الغذائي: انطلاق إعداد استراتيجية وطنية لحماية قوت التوانسة!    عاجل : وفاة الإعلامي اللبناني بسام برّاك    دكتورة مختصّة تكشف طرق معالجة الإطفال من الإدمان    عاجل: وفاة مفاجئة لنجم التيك توك...شكون؟    تونس تشارك ب 10 جذافين في البطولة الافريقية للتجذيف الكلاسيكي والتجذيف الشاطئي    عاجل/ تحسّن صرف الدينار أمام الدولار والأورو    متوفّر في كل منزل: حبّة واحدة يوميا من هذه النبتة تعزّز صحة القلب وتُنظّم الكوليسترول    أحمد بالطيب : معدل رضا السائح وصل ل7/10 ...و المؤشرات إيجابية    بشرة خير: نشاط جوي بارد في هذه المنطقة    تعرفش سوم الدجاج والسكالوب بقداه اليوم في تونس؟    كيفاش تحمي رضيعك من التهاب القصيبات الهوائية ''Bronchiolite''؟    الترجي الرياضي: غيابات بالجملة في مواجهة النادي البنزرتي    الحماية المدنية: 422 تدخلا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    عاجل/ وزيرة المالية: الأولوية في التشغيل لهذه الفئات..    تحذير للنساء: انتفاخ البطن المفاجئ ما هوش مجرد مشكل هضم..حاجات أخطر!    رغم مخاوف العمر واللياقة: ميسي يتطلع للمشاركة في كأس العالم    تنديد بالإرتفاع المُشط في أسعار اللحوم الحمراء.. #خبر_عاجل    سيميوني وبايينا يهزان الشباك وأتليتيكو يعزز سجله الخالي من الهزائم    بمنافس جديد.. إيلون ماسك يتحدى "ويكيبيديا"    شنوا يصير كان تونس ترفع المعاليم الديوانية على السلع الصينية ؟    تجاوزات في السكن والنقل والتأمين.. موسم العمرة يبدأ بالشكوى!    حكم بالسجن لمغتصب فتاة من ذوي الإحتياجات الخاصة    وزير التجهيز: ينتظر ان تصدر قريبا النصوص التطبيقية لقانون البنايات المتداعية للسقوط    إسرائيل تنشر فيديو جديد ليحيى السنوار.. وسط أنقاض الحرب    طقس الثلاثاء: الحرارة بين 19 و30 درجة مع سحب عابرة ورياح قوية    وزارة الصحة : اطلاق خطة وطنية لحماية الأطفال من التهاب الشُعيبات    أولا وأخيرا: خلاص الفاتورة في الدورة    ملتقى حول الشيخ الطاهر بن عاشور    الوسلاتية: ضبط شاحنة محمّلة ب21 رأس غنم مسروقة من ولاية منوبة    الليلة.. انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    تنشط بين ليبيا وتونس.. تفكيك شبكة إجرامية دولية في مجال ترويج المخدرات    بالفيديو : صوت ملائكي للطفل محمد عامر يؤذن ويقرأ الفاتحة ويأسر قلوب التونسيين...من هو؟    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسرحية مدام م لآسية الجعايبي: عمل يستنطق إعلام ما بعد الثورة بكتابة ركحية متمرّدة على المألوف
نشر في الصباح يوم 02 - 03 - 2019

في مسرحية "مدام م" لآسيا الجعايبي، لم يكن الجدار الذي يفصل الركح عن مقاعد الجمهور في قاعة الفن الرابع بالعاصمة وهميّا كما دأب على ذلك جمهور المسرح، بل كان هناك جدار حقيقيّ من الخشب يفصل الركح عن القاعة، مما أثار في الجمهور الحيرة وفضول المعرفة والتساؤل عن طريقة مشاهدة الممثلين وهم بصدد اللعب الدرامي على الركح.
تنطفئ الأنوار داخل القاعة ويعمّ الظلام، ما عدا شاشة ساطعة على الجدار الفاصل بين الركح والقاعة مخصّصة للترجمة، وصوت متكلّم يذكّر الحاضرين بآداب الفرجة داخل القاعة من إغلاق للهاتف المحمول وعدم التشويش وغيرها، ثمّ يُتابع المتكلّم تقديم العمل والشخصيّات دون البوح بأسرارها، قبل أن يفاجئ الجميع بدعوتهم للصعود على الركح بعد فتح منفذ لهم تمّ إحداثه للغرض، لتكون المفاجأة بتخصيص مقاعد فوق الركح تحيط بركح على الركح من ثلاث زوايا.
وعلى هذا الركح الصغير شخصيات مسرحية "مدام م" تبتسم، وهي تجلس إلى طاولة عليها قالب من الحلوى، ويقدم أدوار هذه الشخصيات الممثلة جليلة بكار ومنى بن الحاج زكري ومعين مومني وإيمان غزواني وحمزة الورتتاني. وتولّى إخراج العمل آسية الجعايبي وإنتاجه شركة "فاميليا للإنتاج"، وقد تمّ تقديم هذا العرض مساء الجمعة بقاعة الفن الرابع بالعاصمة ضمن سلسلة عروض تستمّر مساء اليوم السبت 2 مارس والأحد 3 مارس بالفضاء نفسه.
تدور أحداث مسرحية "مدام م" حول أسرة تتكون من أم أرملة و5 أبناء، تبدو الأسرة سعيدة، أفرادها منسجمون، إلى أن ظهرت "هاجر" وهي صحفية في موقع إعلامي الكتروني، نشرت مقالا "كاذبا" عن تورط هذه الأسرة في انتشار الجرذان في الحي مما نتج عنه وفاة أحد الأبناء وتشتيت أفراد الأسرة.
و"مدام م" هو الاسم المختصر للأم "مدام مليكة" والملاحظ أيضا أن أسماء أبنائها تبدأ بحرف الميم وهم "منى" و"مراد" و"مهدي" و"مينا" و"موسى". وهذه المسرحية هي العمل المتكامل الأول لآسية الجعايبي خريجة جامعة السوربون الفرنسية في اختصاص مسرح الشارع.
ولعل التخصّص في مسرح الشارع هو ما جعلها تُخرج عملها بتصور ركحي ودرامي مغاير للمألوف، مستندة إلى نظرية المسرحي الألماني "برتولت برشت". فالعمل ارتكز من حيث الشكل على كسر الجدار الرابع أو الجدار الوهمي بين الركح والجمهور، والمفاجأة في العرض أن الممثلين لم ينزلوا من الركح إلى القاعة، بل إن ما حدث هو العكس، حيث صعد الجمهور على الركح، وتحول الفضاء إلى "مسرح جيب" من أهم خصوصياته أن العرض لم يعد يُشاهد من زاوية واحدة بل من أكثر من زاوية (ثلاث زوايا)، وبذلك أضحى الجمهور جزءا من العرض لا مستهلكا سلبيا له.
وتجاوزت المخرجة عقبة مشاهدة الجمهور للعرض من نفس الزاوية، بإحدث ركح متحرك في اتجاه دائري، فكان العرض أشبه بنقل سينمائي للفعل المسرحي من أكثر من زاوية.
والتقنية الأخرى المستوحاة من النظرية البرشتية هي اللعب الدرامي للممثلين على الركح، وأدائهم وظائف أخرى كتغيير الديكور وتحريك الركح وتغيير الملابس أمام أنظار الجمهور، وفي ذلك إشارة مباشرة للمخرجة بأن ما يقدم على الركح لا يخرج من إطار التمثيل.
يُلاحظ في مسرحية "مدام م" كثافة السرد، فكأنما العرض شبيه بعرض الحكواتي في الموروث التقليدي، وتجلى ذلك في حضور صوت الراوي الذي ساهم في نقل الأحداث والترفيع من نسق العرض وتعبئة الفراغ الركحي الحاصل عند تغيير الديكور والملابس.
تنطلق أحداث المسرحية بمقارنة ضمنية بين واقع الصحفي قبل الثورة وبعدها. وتمّت الإشارة إلى ذلك بحديث الصحفية عن نفسها بالقول "أنا هكة" (مرتدية ملابس فخمة) و"قبل 8 سنين كنت هكة" مشيرة إلى الحقوق والحريات المسلوبة والقمع الذي يتعرض له الصحفيون.
وينتقد العمل بشدة الصحفيين الذين يبحثون عن السبق الإعلامي قبل التحري في مصداقية المعلومة، وتسابقهم في نشر الإشاعات والأخبار الزائفة وعدم الاهتمام بالحقيقة، فالعمل الصحفي، كما ورد في أحداث المسرحية، أصبحت تحكمه المادة وأصبح خاضعا لسلطة رأس المال، والصحفي "بودورو" كما تم وصفه، هو الذي ساهم في انهيار القيم المجتمعية وتقسيم المواطنين عوض الاهتمام بقضاياهم الرئيسية وهي التنمية والعدالة الاجتماعية وحرية المرأة والفكر.
لذلك وضعت المخرجة الصحفي محل محاكمة واستنطاق، فأشارت إلى الصحفية "هاجر" الغائبة ركحيا والحاضرة بقوة في الأحداث من خلال كرسي أحمر اللون، وفي ذلك مقاصد عديدة منها رمزية الكرسي إلى السلطة ورمزية اللون الأحمر إلى الخطر وحالة الطوارئ.
خطر الإعلام "بودورو" تعلق بتعميق الصراع بين أفراد أسرة "مدام" وتشتيتها، وتجلت مظاهره أيضا في إيقاع العرض الذي أخذ منحًى تصاعديّا، فكلما ذُكز اسم هاجر زادت الأوضاع تعقيدا وبلغ الصراع أوجه. وهذا ما برز بقوة في اللعب الدرامي للممثلين: إذ كلما أطلق الممثلون أو أحدهم شعر رأسه الطويل ليصبح ملبدا ومتشابكا وأشعث، كلما ارتفع إيقاع العرض وتعمق الصراع واحتدت الأزمة. والشعر الأشعث في الصورة هو للدلالة على البعثرة والفوضى.
ترجمت المخرجة أيضا الصراع الدائر بين أفراد الأسرة والصحفية هاجر في تحريك الركح بشكل دائري، خاصة أثناء لقاء الصحفية بمراد صاحب محل لبيع المصوغ وإيهامه بحبها له. فكانت الحركة الدائرية للركح أشبه بزلزال يضرب المكان، كما كانت حركة الدوران عكس عقارب الساعة وكأنها عودة بالزمن إلى الوراء. والمقصد من ذلك هو أن الإعلام يسير بالبلاد إلى الوراء عوضا عن الأمام أي تعميق الأزمة عوض البحث عن الحلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
لم يخل العرض طيلة 90 دقيقة من المفاجآت، فقد كان الجمهور يعتقد أن استقرار العائلة وتماسكها سيعود بعد التخلص من الصحفية، إلا أن ما حدث هو ظهور الصراع من الخفاء إلى العلن بين "مدام م" وأبنائها من ناحية وبين الأبناء فيما بينهم من ناحية أخرى. وتبين أن ما يجمع الأبناء ليس الأم بل قالب حلوى عيد ميلاد الأم، حيث يجلس الجميع لاقتسام الحلوى أي اقتسام السلطة وتقسيم البلاد، وهذه إشارة أخرى انتهت عليها أحداث المسرحية، وهي أن الإعلام ليس وحده المتسبب في الأزمة بل الطبقة السياسية أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.