مرة أخرى يخطىء رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي "الهدف" ، مرة أخرى يسقط في تصفية الحسابات، مرة أخرى يثير الكثير من الاستفهامات ، مرة أخرى تكون رسائله "مكشوفة" ومفضوحة لا تحتاج الى دلالات، هذه المرة كانت كلمته بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لعيد الإستقلال مخيبة للآمال وبعيدة عن الانتظارات ، في مناسبة وطنية ، كانت تستدعي خطابا يتماشى مع رمزيتها وتاريخيتها بعيدا عن "التشفيرات" وتوجيه "سهام" الاتهامات. وفي وقت انتظر كل التونسيين بمختلف أطيافهم السياسية وتلويناتهم الحزبية ، خطابا يزرع الأمل ويبعث على التفاؤل ، جاءت كلمات السبسي "تنضح" احباطا وقتامة وسوادا ، وتعكس اغتياظه الشديد وحنقه "المكتوم" ، الذي بدا على نبراته وبين "ثنايا" عباراته ، وهو يكيل اتهاماته "يمينا وشمالا" ليوزع "قذائفه" ويلقي "حممه" دون هوادة ، بأسلوب وان لم يعد خافيا على أحد خلفياته و"مسبباته" وحتى تفاصيله الدقيقة ، فانه لا يتماشى مع رجل دولة في وقت نحتاج فيه ، أكثر من أي وقت مضى ، الى تحصين الدولة. السبسي الذي كان منزعجا ومتذمرا ومستاء ، "فرّغ قلبه" مثلما "اشتهى" ، ليس فقط بعد تأكيده ان السلطة التنفيذية أصبحت برأس واحد ، وان مؤسسة رئاسة الجمهورية قد تم إقصاؤها من ممارسة السلطة التنفيذية، من قبل رئيس الحكومة وحركة النهضة ، وانما لمّا حول خطابه الى شبه "محاكمة" ليوسف الشاهد ، أحيانا بصفة مباشرة وأخرى غير مباشرة ، في عملية "تصفية حساب" واضحة للعيان ، حمّله من خلالها مسؤولية المؤشرات السلبية التي وصفها ب"السيئة" و"المزعجة" و"الخطيرة" ، وكأن رئيس الجمهورية كان يعيش في بلد آخر ، وكوكب آخر ، وعالم آخر. رئيس الجمهورية الذي "حاد" عن المطلوب ، في كلمته اليوم ، في مناسبة رمزية تستدعي التعاطي مع رمزيتها ، كال الاتهامات فقط ل"الآخرين" ، الذين اعتبرهم سبب النكسات والخيبات والأزمات والهزات ، لكنه لم يكن موضوعيا ، ولم يتطرق البتّة لا من قريب ولا من بعيد الى أخطائه ، ولا الى مسؤولية حزبه نداء تونس في الأزمة التي تتخبط فيها البلاد منذ سنوات بسبب "تفتته وتشظيه وانشطاره" ، وهو الذي مازال يعيش على وقع صراعاته وانشقاقاته وتجاذباته وتطاحناته ، ولا الى "التوافق المغشوش" مع حركة االنهضة ، الذي هندس له منذ البداية ، وأعد له العدة قبل الانتخابات في لقاء باريس. وبعيدا عن القاء السبسي كلمته على غير عادته "على كرسي" ، وهو ما أثار الكثير من التعاليق ذهب بعضها الى حد دعوته الى عدم الترشح الى "عهدة ثانية" ، فان خطابه اليوم كان خطاب "العجز" على جميع الواجهات ، وهو ما يستدعي منه الاسراع بتعديل "بوصلته" خلال الأشهر المتبقية من "عهدته" ، بما يتيح له خروجا مشرفا من قصر قرطاج ، ولو ان الدستور يسمح له بالترشح ل"رئاسية" 2019.