أثارت قضية إفلاس شركة "توماس كوك" اكبر متعهدي الرحلات في العالم جدلا واسعا بين الأوساط التونسية في ما يتعلق بعدم خلاصها للديون المتخلدة بذمتها لدى 40 نزلا تونسيا والتي تصل إلى 200 مليار وبخصوص الحلول التي ستقترحها الحكومة للمهنيين المتضررين من الأزمة... وطرح العديد من المتدخلين في الشأن المالي جملة من التساؤلات حول نوعية الإجراءات التي من المتوقع أن تتخذها سلطة الإشراف لمساندة النزل المتضررة، وحول مدى قدرة الدولة اليوم على تحمل هذا العبء الجديد وهي تمر بصعوبات مالية... ففي الوقت الذي كانت تتوقع فيه الحكومة تعافي مؤسسات القطاع بفضل الانتعاشة التي سيحققها نجاح الموسم السياحي الحالي الذي وصف ب "القياسي"، ظهرت هذه الأزمة الجديدة على الساحة وغيرت المشهد إلى الأسوأ وبعثرت كل الأوراق. وبعد أن أقرت الحكومة خلال أزمة القطاع في سنة 2015 ، جملة من الإجراءات لصالح القطاع على خلفية الخسائر التي تكبدها جراء الضربات الإرهابية التي استهدفت سياح أجانب وكانت قد سبقتها أزمة المديونية التي تعاني منها العديد من النزل والوحدات الفندقية على كامل تراب الجمهورية، من المتوقع اليوم وبعد هذه الأزمة أن تتخذ الحكومة قرارات أخرى.. وهذا الوضع من شانه أن يثير جدلا واسعا بين التونسيين باعتبار أن قطاع السياحة، القطاع الوحيد من بين بقية القطاعات الحيوية في البلاد الذي سرعان ما تنتفض له كل الجهات المتدخلة بهدف إنقاذه والحفاظ عليه من الانهيار والحال أن قطاعات أخرى على غرار الفلاحة والتجارة وحتى الصناعة لم تجد لها الدولة حلولا عندما حلت بها أزمات حادة. بالمقابل، يعتبر المهنيون بقطاع السياحة أن أزمتهم أثقل بكثير خاصة أن السياحة هي التي تساهم في توفير العملة الصعبة للبلاد، حتى أن اغلبهم يعتبر أن تعافي القطاع السياحي لن يتحقق بمجرد نجاح الموسم السياحي الحالي باعتبار أن مؤسسات القطاع مازالت تعاني من مخلفات الأزمة التي لازمتها نحو ما يزيد عن الثماني سنوات، وتفعيل الإجراءات الحكومية وعلى رأسها القانون الجديد سيلزمها استخلاص ديونها المتراكمة لدى البنوك البنوك ... وكانت السياحة من أهم القطاعات المتضررة ما بعد ثورة 14 جانفي خاصة بعد تواتر العمليات الإرهابية التي استهدفت سياحا أجانب في عدد من المناطق السياحية في البلاد حتى وصل الأمر إلى إغلاق ما يناهز ال300 وحدة فندقية والتي تمثل 48% من عدد النزل المصنفة في تونس والبالغة 570 نزلا. حسب تقرير كانت قد أعده المجمع المهني للسياحة صلب كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية خلال أزمة القطاع. ويعد السبب الرئيسي وراء إغلاق هذه الوحدات، الديون المتراكمة والمتخلدة بذمة البنوك التونسية والتي ناهزت ال4 آلاف مليون دينار حتى موفى سنة 2017 من جملة 6.5 مليار دينار يعود جزء منها إلى أكثر من ثلاثة عقود، ولم تنجح بالمقابل لا الدولة ولا المهنيين من امتصاص مشكلة المديونية في القطاع رغم المساعي الحثيثة والمجهودات الكبيرة من الجهتين، وكان آخرها الإجراءات الاستثنائية التي أقرتها الحكومة لفائدة مؤسسات القطاع، فضلا عن المشروع الذي أطلقته الجامعة التونسية للنزل بعنوان "الكتاب الأبيض" حول هيكلة القطاع... ويستأثر قطاع السياحة على النصيب الأكبر من حجم الديون المتراكمة لدى البنوك العمومية، والشركة التونسية للبنك تتحمل لوحدها نسبة 40 بالمائة من حجم الديون السياحية لتبلغ الديون المصنفة المتخلدة بذمة النزل ال 1700 مليون دينار. حسب ما أعلن عنه مؤخرا المدير العام للبنك سمير سعيد.. وبالرغم من تضرر قطاع السياحة ليصبح قطاعا يكتسي حساسية بالغة، إلا أن الدولة لا يمكن اليوم ايلائه الأهمية الأكبر من بين بقية القطاعات الحيوية في البلاد، لتبقى بذلك مطالبة بأن تتدخل بنفس الطريقة لحل الأزمات التي تواجه كل قطاع على حد السواء. وفاء بن محمد