يشرح الدكتور عمر الأجنف، المدير التنفيذي لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة، لماذا بات على الحكومات الإقليمية أن تتحرك بسرعة لحظر الكلوربيريفوس، وهو مبيد حشري يتسبب في حدوث مخاطر متعلقة بالنمو لدى الأطفال. دقت دراسات علمية مستقلة، مؤخرًا، جرس الإنذار بشأن مبيد الكلوربيريفوس الحشري الذي يُستخدم على نطاقٍ واسعٍ، مما شجع البعض على دعوة صانعي السياسات حول العالم إلى اتخاذ إجراءات لمنع استخدام هذا المبيد؛ ولهذا السبب، فقد أثار رفض الإدارة الأمريكية الحالية حظر استخدام مبيد الكلوربيريفوساهتمامي، حيث تظهر الأدلة العلمية المتزايدة أن تعرض النساء الحوامل والأطفال خصوصا لهذا المبيد، يزيد من خطر إصابتهم باضطرابات النمو العصبي مثل اضطراب طيف التوحد واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، حتى وإن حدث هذا التعرض بمعدلات منخفضة. وفي هذا الصدد، أحرزت ولاية كاليفورنيا الأمريكية تقدمًا، حيث تسعى إلى حظر استخدام مبيد الكلوربيريفوس الحشري في الزراعة، في حين وافقت ولايات هاواي ونيويورك وأوريغون وكونتيكت ونيوجيرسي على حظر المبيد أو لا تزال تسعى إلى سحبه من الأسواق. وقد حظرت العديد من الدول ومن بينها جنوب أفريقيا وفلسطين وسريلانكا استخدامه بالفعل. ونظرًا لأهمية الأدلة العلمية وثقلها، أرى بأنه بات من الضروري أن تقتفي المزيد من الدول أثر الدول التي حظرت استخدام المبيد، وأؤيد على وجه الخصوص توسيع الحظر المفروض على جميع استخدامات مبيد الكلوربيريفوس في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. خلفية عامة عن مبيد الكلوربيريفوس يعتبر المزارعون مبيد الكلوربيريفوس، المُتداول في الأسواق منذ عام 1965، واحدًا من المبيدات الحشرية الأكثر فعالية، وهو مسجل حاليًا لحماية المحاصيل في أكثر من 100 دولة. وكان المبيد يُستخدم في ولاية كاليفورنيا، إلى أن تم حظره مؤخرًا، للقضاء على الحشرات التي تتغذى على 60 محصولًا مختلفًا، بما في ذلك البرتقال والعنب واللوز. وكانت الولاياتالمتحدة قد حظرت استخدام الكلوربيريفوس فقط كمبيد حشري منزلي في عام 2000 في ضوء نتائج الدراسات التي أشارت إلى وجود تهديدات سمية عصبية تنجم عن استخدامه، ووضعت لافتات "مناطق عازلة يُحظر فيها استخدام المبيد" حول المواقع الحيوية مثل المدارس، في عام 2012. ولكن وكالة حماية البيئة الأمريكية سعت خلال السنوات الأخيرة فقط لإنهاء استخدام المبيد في الزراعة بناءً على نتائج مشابهة تتعلق بالتأثيرات السمية العصبية، ولا تزال الدعاوى المطالبة بحظره متداولة في كل من الإتحاد الأوروبي وإستراليا.وتعمل هذه التحولات في السياسة المتبعة على تعطيلالإطار التنظيمي الراسخ حول استخدام المبيد الحشري، وتشير إلى الأهمية الحيوية للقرارات المتعلقة بالسياسات المستندة إلى العلوم في قطاع الصحة العامة. ما هو مبيد الكلوربيريفوس وكيف نتعرض له؟ ينحدر هذا المبيد الحشري، المصنوع من الفوسفات العضوي، من نفس العائلة الكيميائية لغاز السارين. ويؤدي المبيد عمله عبر تثبيط عمل إنزيم الأسيتيل كولين استرازالذي يحتاج إليه العقل للتحكم في الأسيتيل كولين، وهو ناقل عصبي ينسق عملية التواصل بين الخلايا العصبية. وتُشَكِل هذه الآثار العصبية خطرًا كبيرًا على الأطفال مع نمو قدراتهم العقلية وأجهزتهم العصبية. ويمكن أن يتعرض الأشخاص لمبيد الكلوربيريفوس عند استنشاق الغبار الذي ينتقل من الحقول المجاورة إلى المنازل والمدارس. ويتبخر مبيد الكلوربيريفوس بسهولة من أوراق النباتات وأسطح التربة ليصبح قابلًا للانتقال في الجو، وبمجرد تحوله إلى هذا الشكل الغازي، يمكنه الانتقال بسهولة. ويكون عمال المزارع عرضة للخطر من جراء التعرض للمبيد أثناء العمل،وبعد الحصاد، تتبقى آثار المبيدات الحشرية في شكل رواسب على الأطعمة الطازجة. ولهذا السبب، فإنني أنصح وبشدة بتقشير الفواكه والخضراوات الطازجة دائمًا أو غسلها بعناية قبل الأكل لتقليل هذه الرواسب. الآثارالضارةعلىالمخحتىمعالتعرضلمعدلاتمنخفضة تشير النتائج المستمدة من دراسات حديثة إلى أن التقييمات الكيميائية السابقة المستندة على فحص السمية على الحيوانات كانت غير كافية، وأن القيود المفروضة على استخدام مبيد الكلوربيريفوسحتى الآن لم تكن صارمة بما فيه الكفاية. وتظهر العديد من الدراسات الوبائية أن التعرض لمبيد الكلوربيريفوسفي مرحلة ما قبل الولادة يزيد من خطر حدوث آثار نمائية سلبية لدى الاطفال والأجِنة مثل التوحدواضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة . ومن بين الدراسات الأكثر تأثيرًا دراسة أجراها مركز الصحة البيئية للأطفال التابع لجامعة كولومبيا في عام 2016، حيث أظهرت تلك الدراسة أن الأطفال الذين لديهم تركيزات عالية من مادة الكلوربيريفوس في دم الحبل السري كان لديهم اختلافات في الحجم بالمناطق الموجودة في الدماغ المسؤولة عن الانتباه، ومعالجة اللغة المُستَقبَلة، والإدراك الاجتماعي، وتنظيم عملية التثبيط. وفي عام 2016، خَلُصت وكالة حماية البيئة الأمريكية إلى أن تلك الدراسات الوبائية قدمت أدلةً كافيةً على أن المبيدات الحشرية المصنوعة من الفوسفات العضوي يمكن أن تؤثر سلبًا في عملية نمو الدماغ على مستويات كان يُعتقد من قبل أنها آمنة. كيف يمكن أن تساعد بحوث الطب الحيوي في هذا الصدد المصنفاتالوبائية المُوَسَعة واضحة، وقد دعا العلماء إلى "توخي اليقظة بشأن النطاق المطلوب للبحوث الطبية" لتقييم آثار المبيدات الحشرية في البيئة، حيث أن لهذه المهمة الصعبة العديد من الآثار الاجتماعية، والسياسية، والأخلاقية، والاقتصادية، والقانونية. كما أوصت دراسة حديثة نُشرت في الدورية الطبية البريطانية بضرورة تجنب تعرض النساء الحوامل والأطفال الرضع للعديد من المبيدات الحشرية الزراعية الشائعة التي تحتوي على سموم يمكن أن تؤثر على النمو العصبي (ومن بينها مبيد الكلوربيريفوس) كإجراء وقائيللحد من احتمالات الإصابة باضطراب طيف التوحد. ومع مضينا قدمًا، فإننا نحتاج إلى دراسات متابعة طويلة الأجل للوصول إلى فهم أفضل لآثار جميع فئات المبيدات الحشرية، ومن بينها تلك المرتبطة باضطرابات الدماغ أو السرطان، وتقديم وجهات نظر أحدث لصانعي السياسات الصحية في المنطقة. وتركز الأبحاث التي يجريها معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، على الأمراض المنتشرة التي تؤثر على سكان دولة قطر والمنطقة، والأولويات البحثية المستجدة التي لها تأثير حيوي على دولة قطر والعالم. ومن بين الأمراض التي يدرسها مركزان بحثيان من المراكز البحثية الثلاثة التابعة للمعهد اضطراب طيف التوحد، والأمراض العصبية التنكسية، والسرطان. ويهدف عملنا في المعهد إلى تحسين خدمات الرعاية الصحية من خلال الابتكار في الوقاية من الأمراض، وتشخيصها، وعلاجها. ويمكن أن يقدم نطاق خبرات المعهد وقدراته مساهمةً مهمةً للدراسات طويلة الأجل المطلوبة لتحديد الاستراتيجيات البيئية والصحية الملائمة وتطويرها، في إطار توجهٍ فعالٍ متعدد التخصصات لمعالجة المخاطر الصحية العامة التي تفرضها المبيدات الحشرية وتخفيفها. ويمكن أن تعزز نتائج بحوثنا والفهم العميق الذي يمتلكه باحثو وعلماء المعهد فيما يتعلق بتلك الأمراض المنتشرة من فهم صانعي السياسات عند صياغة خطط العمل اللازمة للتصدي لمخاطر وتهديدات الصحة العامة.