لم يعد الخلاف أو الصراع بين رئاستي الجمهورية ومجلس النواب مجرد تخمينات أو تأويلات لمؤشرات قد تكون صائبة أو فهمت في غير سياقها وبالتالي تحتمل الصواب أو الخطأ، بل تحولت إلى شبه قناعة لدى الكثيرين لا سيما بعد تتالي تصريحات ومواقف راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب "المهاجمة" لقيس سعيد رئيس الجمهورية من خلال تقييم بعض قراراته أو تحميله المسؤولية بطريقة غير مباشرة. آخر تصريحات الغنوشي حول علاقته بالرئيس سعيد تلك التى أدلى بها في حوار إلى احدى الصحف اليومية مؤكدا أنه اتصل أكثر من مرة برئيس الجمهورية والتمس منه التوقيع على تعديل القانون الانتخابي لكن هذا الأخير رفض قائلا " أن زمنه انتهى ولن يوقعه أو يرجعه إلى البرلمان لقراءة ثانية". ويفهم من خلال تصريحات رئيس حركة النهضة أنه يحاول ضمنيا تحميل رئيس الجمهورية عرقلة تعديل القانون الانتخابي الذي تتمسك به في الآونة الأخيرة النهضة وقلب تونس. عمد أيضا مؤخرا رئيس البرلمان إلى وصف قرار رئيس الجمهورية باختيار إلياس الفخفاخ لتشكيل الحكومة بالخاطئ وأنه كان بالامكان اختيار شخصية أخرى تكون أقدر من بين مقترحات الاحزاب ومن بينها مقترحات حركة النهضة. كلام فهم منه محاولة لتحميل المسؤولية مستقبلا لرئيس الجمهورية في كل ما سيؤول إليه مسار تشكيل حكومة الفخفاخ حاليا وحتى بعد نيل الثقة في البرلمان على اعتبار أن بعض القراءات تتحدث عن مرور حكومة الفخفاخ بفعل الامر الواقع مع احتمالات قوية وفرضية جاهزة للإطاحة بها مستقبلا.وستتأكد الفرضية لدى الكثيرين خاصة إذا مضت النهضة في خيار التصويت دون المشاركة في حكومة الفخفاخ وهو سيناريو مطروح بقوة سيحسم فيه مجلس شورى الحركة. صراع نفوذ ورغم تعفف رئيس الجمهورية إلى حد الآن عن الحديث علنا عن صراع ما بينه وبين راشد الغنوشي عندما قال في حواره على الوطنية بمناسبة مرور 100 يوم على توليه منصبه أنه لا يبحث عن التصادم مع أحد،كما لم يصدر عن ساكن قرطاج إلى حد الآن أي موقف عدائي ضد حركة النهضة أو رئيسها الذي جمعته به عدة لقاءات ،إلا أن الكثير من المتابعين لا يعتبرون ذلك اثباتا قويا لصالح الرئيس سعيد وأنه فعلا لا يبحث عن توسيع مربع نفوذه خاصة بعد تداول سيناريوهات رفاق الرئيس ومواقفهم المعلنة من الأحزاب وما قيل بشأن الاستعداد لمغامرة ومشروع سياسي ومحاولة الاستفادة من شعبية سعيد بعد نتائج الانتخابات. وتستند المواقف المتحدثة عن التصادم بين قرطاجوباردو إلى وجود مساعي لكل طرف إلى توسيع المربع الذي يتحرك فيه ورسم حدود جديدة لنفوذه وسلطته بالقفز عن الصلاحيات المتاحة ضمن إطار الدستور. وتماما كما تخشى حركة النهضة من الرئيس سعيد أي فرضية ممكنة لتوظيف الرجل لشعبيته الانتخابية وتحويلها إلى مكاسب سياسية وإلى صلاحيات أكبر في المبادرة وإدارة شؤون الحكم وبدا هذا الهاجس بكل وضوح خاصة في الفترة الأولى لتولي رئيس الجمهورية مهامه عندما استقبل الوزراء للإطلاع والتدخل في سير العمل الحكومي لا سيما ابان المستجدات والأزمات وأيضا خلال محاولته التدخل لتقريب وجهات النظر ابان تشكيل حكومة الجملي الذي لم تستسغه حركة النهضة ورئيسها الذي سارع لقطع الطريق أمام رئيس الجمهورية، بات أيضا المقربون من رئيس الجمهورية يخشون من مساعي سحب البساط المتكررة من تحت أقدام ساكن قرطاج التي يقوم بها رئيس البرلمان . سواء بالسطو على العمل الدبلوماسي الموكل أساسا لرئيس الجمهورية أو من خلال الانتقادات المباشرة لقيس سعيد أو أيضا عبر تحويل ثقل ومركز اللقاءات لتشكيل حكومة الفخفاخ إلى البرلمان أو إلى منزل الغنوشي في رسالة واضحة مضمونة الوصول إلى قرطاج. استنساخ تجربة الباجي ولعل رئيس مجلس النواب ومن خلال توسيع دائرة نفوذه وسحب البساط من رئيس الجمهورية أو الخلط بين رئاسته للبرلمان ورئاسته لحركة النهضة هو يعمل على استنساخ تجربة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عندما حاول سحب البساط من مجلس النواب حينها وتحويل الثقل السياسي إلى القصر الرئاسي عبر وثيقة قرطاج. كما يستنسخ الغنوشي من حيث هو يعلم أو لا يعلم ، تجربة التصادم بين السبسي والشاهد وكثيرون يستحضرون اليوم في خضم الحديث عن الصراع بين الغنوشي وسعيد تلك الحرب الباردة حينا والعلنية أحيانا أخرى بين قرطاج والقصبة وتداعياتها السلبية على الحياة السياسية والحزبية والمشهد العام قبل الانتخابات وبعدها. في تعليقه على طبيعة الصراع الدائر اليوم بين باردووقرطاج يشير القيادي في الحزب الجمهوري عصام الشابي أنه صراع في اتجاه واحد إلى حد الآن وفي تقديره يبدو رئيس البرلمان من ينازع أو يعمل على الحد من نفوذ رئيس الجمهورية بسبب الشعبية التى يحظى بها وترجمتها الانتخابات الأخيرة. ويضيف الشابي في تصريح ل"الصباح" أن النهضة لا تريد لرئيس الجمهورية أن تكون له المبادرة السياسية وأن راشد الغنوشي عندما وصف اختيار سعيد للفخفاخ بالخطأ إنما أراد الحد من النفوذ المعنوي لرئيس الجمهورية ومن أي تناغم بين رأسي السلطة التنفيذية حاضرا ومستقبلا" هذا لا يروق للنهضة التى تعتبر نفسها الحزب الأول الفائز في الانتخابات والذي يقود العملية السياسية في البلاد دون منازع". وتعليقا على ما قاله رئيس البرلمان حول رفض رئيس الجمهورية التوقيع على تعديل القانون الانتخابي يرجع عصام الشابي ذلك إلى استعجال الغنوشي تعديل القانون خدمة لمصالحه الحزبية الضيقة وتوظيفا لموقعه على راس البرلمان لتمرير اجندات حركة النهضة بعيدا عن دوره المفترض على راس السلطة التشريعية. تداعيات سلبية على البلاد تنازع السلط والنفوذ بين مؤسسات الحكم يطرح على البلاد وعلى الحياة السياسية جملة من التداعيات السلبية حيث يشير محدثنا إلى أن الوضع الراهن وبعد حوالي 5 أشهر من الانتخابات يتسم بواقع سياسي متأزم وبرلمان يكاد ينحصر دوره في الصراعات والتجاذبات زد على ذلك العلاقات المتوترة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس نواب الشعب التى تزيد في تقسيم الدولة وتعفين المناخ. وعما إذا كان السبب في تكرر التصادم بين مؤسسات الحكم هو الخلل في نظام الحكم والنظام السياسي الذي أقره دستور 2014، يقول عصام الشابي " نعيب زماننا والعيب فينا " مضيفا "العيب في السياسين الذين يقودون البلاد وليس في الدستور الذي لم نستكمل جميع مؤسساته ولم نطبق كل ما جاء به ،،لكن فشل النخبة تريد تحميله مرة للنظام السياسي وأخرى للنظام الانتخابي رغم وجود بعض الثغرات". منى اليحياوي