قد يكون الرئيس الأمريكي بوش أخطأ اختيار الوقت المناسب للدفاع عن وجهة نظره بشأن الحرب في العراق ذلك أن تضاعف عدد القتلى خلال الأيام القليلة الماضية لا يعبر إلا عن انتكاسة جديدة لاستراتيجيته في حرب أصبحت مستنقعا لن تخرج منه القوات الأمريكية بسهولة فعندما يدعو بوش إلى التحلي بالصبر متحدثا عن «تقدم كبير على الأرض» يكون قد غالط نفسه أكثر من كونه غالط أنصار حزبه الجمهوري ومن ورائهم بقية الرأي العام الأمريكي وتحديدا معارضي الحرب. وربما لدى بوش مقاييس أخرى غير تلك المتعارف عليها لتقييم أية حرب لأنه ليس من المنطقي أن يتحدث بوش عن تقدم فيما يتزايد عدد القتلى الأمريكيين وأصبح واقع العراقيين مقتصرا على جملة من الأرقام المتصاعدة يوميا وهو ما يدل دلالة واضحة على فشل الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية. ومن المفارقات أن يحاول بوش تعبئة الأمريكيين في وقت خسر فيه أبرز حلفائه وهو طوني بلير الذي خلفه معارض لحرب العراق وفهم قبل بلير أن غزو العراق لن يكون سوى ورطة لبريطانيا والولايات المتحدة ومستنقعا شبيها بالمستنقع الفيتنامي. والواضح من تصريحات الرئيس الأمريكي أنها محاولة لإنقاذ ماء الوجه أمام الجمهوريين الذين قد يخسرون الانتخابات الرئاسية المقررة لعام 2008 بما يشكل عودة قوية للديموقراطيين بعد سيطرتهم على الكونغرس والإصداع بمعارضتهم لحرب العراق وهو ما يعني نهاية «مأسوية» لفترتين رئاسيتين قضاهما بوش في البيت الأبيض وأدخل خلالهما انخراما على المجتمع الدولي بمحاولة الهيمنة على ثروات الشعوب في حين بقي نشر الديموقراطية والحرب على الإرهاب مجرد شعارات ووسيلة لغايات تصب في مصالح لوبيات كبرى الشركات الأمريكية. لقد مثل تقرير لجنة بيكر - هاملتون بشأن العراق قارب نجاة لبوش وللجمهوريين غير أن الرئيس الأمريكي أراد التحدي :تحدي اللجنة نفسها ثم الكونغرس ومناهضي الحرب ليثبت صواب استراتيجيته ورجاحة رأيه وحنكة مستشاريه الذين بدأ عقدهم ينفرط شيئا فشيئا. إن الوضع في العراق لا يقاس بتقدم وهمي بقدر ما يبقى العنصر الحاسم فيه عدد القتلى الأمريكيين ومدى تمكن حكومة المالكي من السيطرة على وضع يزداد انفجارا فيما تتسع الهوة بين الفرقاء لتكشف عمليات التفجير والقتل عن استفحال العداوة بينهم بصورة يصعب معها التكهن بالعودة إلى الوراء.