التهديد والتهديد المضاد.. بات السمة التي تغلب على المشهد السياسي الإيراني في علاقته بالغرب... حتى أن بعض المحللين السياسيين ذهبوا إلى القول بأن لهجة التصعيد التي تنتهجها طهران من جهة والولاياتالمتحدة في الجهة المقابلة أضحت أشبه بالمسرحية الهزلية مفتوحة الفصول لأجل غير مسمّى. أحدث فصول اللعبة تمثل في إعطاء إيران مهلة لرد واضح وإيجابي على عرض التعاون الاقتصادي والسياسي الذي اقترحته الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا نظير تعليقها لأنشطتها في تخصيب اليورانيوم الذي تعتبره إيران وعلى لسان كبار مسؤوليها أمرا شرعيا على خلفية أن استخداماته سلمية بحتة والغرض منها هو توليد الطاقة الكهربائية فيما يرى الغرب أن نوايا طهران مبيّتة وأنها تنوي من خلال إصرارها على عدم تعليق أنشطتها النووية امتلاك السلاح النووي المحظور. الدول الست الكبرى لوحت - في حال عدم امتثال طهران لمعادلة "إما.... أو" بفرض مزيد من العقوبات عليها كحل مبدئي لإرغامها على التراجع.. بينما تلمّح بعض الأوساط بأن التهديدات قد تشمل ضربة عسكرية ضد طهران بالرغم مما يمكن أن يعقب إجراء كهذا من انزلاقات قد لا تخص المنطقة فحسب وإنما قد تلف انعكاساتها العالم قاطبة....ولكن هل هناك نيّة حقا لضرب إيران ولو على سبيل الترهيب بعد أن فشلت أساليب الترغيب مع بلاد فارس ؟ ولكن إذا كانت النية فعلا موجودة فمن سيتولّى "معاقبة " إيران عسكريا اسرائيل التي تتخبط في مشاكل لا حصر لها أم الولاياتالمتحدة ورئيسها بوش الذي تنتهي ولايته بعد 4 أشهر والذي مازال يتخبط في مستنقع العراق ؟ تجارب هنا... ومناورات هناك فيما يشبه عرض استعراض العضلات من هذا الجانب وذاك تناقلت الصحف العبرية في الفترة الأخيرة تصريحات للرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الاسرائيلي ( الموساد) تفوح منها رائحة التهديد حيث قال أن إسرائيل لديها عاما واحدا لتدمير المنشآت النووية الإيرانية وإلا ستواجه خطر أن تتعرض لهجوم ذري إيراني مضيفا:" إن أسوا السيناريوهات هو أن تمتلك إيران السلاح النووي خلال حوالي عام والوقت المتبقي لمواجهة ذلك يضيق أكثر فأكثر... وبصفتي ضابط في المخابرات عملت على أسوا السيناريوهات.. يمكنني القول أنه علينا الاستعداد لذلك.. علينا أن نفعل كل ما هو ضروري لخطة دفاعية في حال لم تكن العقوبات على إيران فعالة" وتأتي تصريحات شافيت في أعقاب تداول معلومات كشفت عنها صحيفة" نيويورك تايمز" تفيد بأن اسرائيل قامت بمناورات عسكرية سرية مؤخرا بدت كتدريب عملي على قصف محتمل لمنشآت نووية إيرانية.. وأردفت الصحيفة أن بعض المسؤولين الإسرائيليين قالوا أن أكثر من 100 طائرة إسرائلية من طراز "إف 16" و" إف 15 " شاركت في المناورات التي جرت فوق شرق البحر المتوسط واليونان. ولمّحت الصحيفة أن هذه التدريبات ركزت فيما يبدو على ضربات بعيدة المدى وكشفت عن الجدية التي تنظر بها الدولة العبرية للبرنامج النووي الإيراني. من جهة أخرى كشفت تقارير أورو بية أن الولاياتالمتحدة أصبحت تشكك في قدرة الجيش الإسرائيلى على تحقيق مكاسب بعد حرب لبنان لذا شاركت في مناورات إسرائيل الأخيرة بصفة " مراقب" حيث شارك ضباط من قيادة أركان الجيش الأمريكي في متابعة المناورات فيما ساهم قادة سلاح الجو الأمريكي في تقييم نقاط القوة والضعف عند الجيش الإسرائيلي خاصة أسطوله الجوي كما قاموا بتلقين قادة الجيش الإسرائيلي خبرات جديدة. في الجهة المقابلة هدد قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي الجعفري كل من تخوّل له نفسه تهديد أمن ومصالح إيران برد قاس ملمّحا بأن بلاده ستكون قادرة وبسهولة على إغلاق مضيق هرمز لأجل غير مسمى مؤكدا في ذات الوقت على أن الحرس الثوري الإيراني أمكنه مؤخرا وبنجاح اختبار سلاح بحري يبلغ مداه 300 كلم قال بشأنه الجعفري أن ما من سفينة ستكون آمنة منه بل ستغرق في الأعماق فاتورة العبث فاتورة العبث مع إيران ستكون باهظة جدا ليس فحسب على دول الجوار وعلى الجانب المعتدي وإنما على العالم بأسره.. هذه حقيقة يؤكدها الخبراء والمراقبون وزاد في تدعيمها ما صرح به مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي لإحدى القنوات التلفزيونية العربية من أنه سيستقيل من منصبه إذا ما وجهت ضربة عسكرية ضد إيران لأن هذا الإجراء- في اعتقاده - سيحوّل المنطقة إلى "كرة من لهب" مضيفا " ما أراه في إيران اليوم هو خطر داهم وحقيقي.. فإذا تعرضت طهران إلى هجوم عسكري سيجبرها ذلك - حتى إن لم تكن بصدد تطوير الأسلحة النووية الآن - على الإسراع في انتاجها وسيتمتع قرار كهذا بمباركة كل الإيرانيين داخل وخارج البلاد... لذا فإنه إذا ما تعرضت إيران لضربة عسكرية فلن يمكنني الاستمرار في عملي ". مضيق هرمز الورقة الإيرانية الرابحة تدرك إيران من خلال تلويحها بإغلاق مضيق هرمز - حتى وإن لم تكن صادقة في نواياها - أنها ستضع الغرب أمام خيارات عديدة عملا بمقولة أن الرصاصة التي لا تقتل قد تخدش... وعليه برزت ورقة مضيق هرمز كأداة فاعلة قد تجبر المنادين بوجوب معاقبة إيران إلى مراجعة حساباتهم... وقد تجلى القلق من تهديدات إيران بشأن المضيق في العديد من الأبحاث والدراسات الاستراتيجية آخرها دراسة صدرت مؤخرا عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تحت عنوان " الطاقة في خطر.. إيران والنفط والغرب" أعدها مدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة بالمعهد سيمون هندرسون وتناولت وضع إيران على الخريطة النفطية العالمية وإحكامها السيطرة جغرافيا على مضيق هرمز الذي يعد شريانا نفطيا ينقل يوميا 20 من حاجة العالم النفطية و40 من النفط المنقول بحريا ومما جاء في الدراسة أنه وفقا لتقديرات وزارة الطاقة الأمريكية فإن حجم النفط المتدفق يوميا عبر المضيق تتراوح بين 16,5 إلى 17 مليون برميل وتمضي الدراسة في القول أن إيران تفرض نفسها كلاعب رئيسي في اقتصاد الطاقة العالمي وعليه فإن العالم لن يحتمل تكلفة العبث معها وتكلفة تهديد إمدادات النفط المتدفقة يوميا من الشرق الأوسط إلى الولاياتالمتحدة واليابان ودول غرب أوروبا بالإضافة إلى بعض الدول الآسيوية. ويمضي هندرسون ليتساءل عما إذا كانت إيران تستطيع بالفعل إعاقة حركة النفط في المضيق... حيث يرى الكثير من مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية أن طهران قادرة على غلق مضيق هرمز إذا رغبت في ذلك.... وتشير الدراسة - استنادا إلى توقعات خبراء النفط - أن يستغرق إعداد المضيق وفتحه من جديد للعمل مرة أخرى في حال ضرب ناقلة نفطية فيه شهرا إن لم يكن أكثر.. وستنجر عن هذه العملية اضطرابات خطيرة في أسواق النفط... وبالرغم من أن العديد من الخبراء يستبعدون الوصول إلى هذه النتيجة الوخيمة إلا أن دراسة هندرسون استعادت وحرفيا التحذير الذي أطلقه المرشد الأعلى للثورة "علي خامينئي" في جوان عام 2006 الذي جاء فيه " إذا أقدم الامريكيون على خطوة خاطئة تجاه إيران فإن عمليات شحن الطاقة سوف تواجه خطرا بلا شك ولن يستطيع الأمريكيون حماية إمدادات الطاقة في المنطقة" وتذكر الدراسة أيضا ما قاله قائد الحرس الثوري الإيراني السابق " يحيى رحيم صفوي" في خطاب له في أوت 2007 عن أن أنظمة الصواريخ الإيرانية أرض - جو تستطيع الوصول لطول وعرض مياه الخليج وبحر عمان وأن أي مركب أو قارب لا يستطيع المرور في الخليج دون أن يكون في مرمى الصواريخ الإيرانية. وتخلص الدراسة إلى أنه بالرغم من التهديدات والتهديدات المضادة فإن ما من أحد من مصلحته أن تسوء الأمور إلى درجة قد تضر بالعالم كله وعليه فإن أمر ضرب إيران مستبعد كما أن غلق مضيق هرمز أمر مستحيل.. ذلك أن إيران التي تشهد عائداتها النفطية انخفاضا ملحوظا - وفق دراسة أمريكية صدرت في 2006 - قد تختفي معه تماما بحلول عام 2015 ليس من مصلحتها أن تنزلق وسط متاهة كهذه خصوصا أنها تدرك أنه ليس من مصلحتها حتى التعرض إلى عقوبات جديدة فهي لن تستطيع تحمّلها بحجم سكانها الذي يصل إلى 66 مليون نسمة واقتصادها الضعيف.