هل تصمد جراية شهر واحد أو شهرين أمام متطلبات هذه المواعيد المتتالية ونفقات الصّيف؟ تونس الصباح: صادف هذه السنة أن تجمعت جملة من المواسم لتكون متقاربة وخلال شهرين فقط. وهذه المواسم المتتالية تتمثل في فصل الصيف وما يتخلله من مصاريف خاصة به.. العودة المدرسية والجامعية وما تتطلبه أيضا من نفقات.. شهر رمضان الذي يمثل طفرة الاستهلاك.. عيد الفطر الذي يتميز الاحتفال به باقتناء الحلويات والملابس. وعلاوة عن كل هذه المواعيد ومتطلباتها من المصاريف فإن الصيف أيضا لا يخلو من الافراح والاعراس والمناسبات الخاصة التي لها أيضا مصاريفها وثقلها الاضافي. ولعل السؤال الذي يتبادر طرحه في مثل هذه الحال هو: كيف يوفق المواطن بجراية شهر أو شهرين بين متطلبات هذه المناسبات ومصاريفها الطائلة، خاصة في ظل ارتفاع اسعار عديد المواد وترنح المفاوضات الاجتماعية التي لم تبح بعد بمكنونها لتعدل نوعا ما دخله؟ هل يدخر المواطن لمثل هذه المواعيد؟ هل يقترض ويتداين كالعادة لتجاوز مثل هذه الظروف؟ هل يكتفي بما يقدر عليه ويعمل بالمثل القائل " على قدر كسائي أمد رجلي". وهل له امكانيات للتسوق والقيام بالشراءات في مثل هذه الفترة التي ينطلق ضمنها موسم التخفيضات الصيفية؟ تلك هي مجمل الاسئلة التي يمكن طرحها في مثل هذه المرحلة ولعل مشهد السوق وحركته يمكنهما تحديد نبض الحياة الاقتصادية والاجتماعية ومدى تصرف المواطن، والسبل التي يتبعها في مواجهة القادم من الايام. مشهد السوق.. حركيته وحسابات المواطن لا يختلف اثنان حول الحركية الحاصلة هذه الايام في سوق الملابس الجاهزة والاحذية وبعض المواد الاخرى منذ انطلاق موسم التخفيضات الصيفي الحالي. ولعل هذه التخفيضات بموعدها الثابت قد اصبحت تمثل موعدا او عادة من العادات التي بدأت تترسخ في ذهن النسيج الشعبي لتقطع مع مظاهر أخرى بخصوص التسوق والشراءات كانت تمليها عوامل قديمة تنطلق فقط مع المواعيد والأعياد. وبقدر ما يمثل "صولد" هذه الأيام فرصة قد يغتنمها المواطن لشراء ما يحتاجه، وبقدر ما تكون عينه وذهنه مشدودان لهذا الموعد الهام، فإن قلبه على ما يبدو مشدود بهاجس مصاريف الايام القادمة التي لا تخلو من مواعيد ثقيلة ومتتالية بالنسبة له، مثل العودة المدرسية والجامعية.. مصاريف شهر رمضان الذي يمثل ذروة الاستهلاك.. وعيد الفطر ومتطلباته أيضا. فما هي أنجع السبل التي قد يتوخاها المواطن في مرحلة كهذه حبلى بالمواعيد التي تتطلب مصاريف متتالية وكبيرة؟ الحقيقة التي لمسناها من خلال جولة في السوق، ومتابعة تصرفات المواطنين، وجس نبض البعض ممن جمعتنا بهم لقاءات، هو انطباق المثل القائل " العين بصيرة واليد قصيرة" على حال السواد الاعظم من العائلات. ولعل هذا ما يفسره الاقبال على التسوق للمشاهدة والمتابعة أكثر من عمليات الشراء. وقد أكد لنا العديد من التجار أن مستوى الشراءات ضعيف مقارنة بالموسم الفارط، وأن الاقبال عليه انحصر في بعض الشباب، ولدى العائلات التي تريد أن توفر على نفسها متطلبات العودة المدرسية من لباس وأحذية وربما بعض الادوات الاخرى الخاصة بهذا الوعد القريب. أساليب اجتماعية وتصرفات مختلفة لمجابهة هذه المواعيد إذا كانت الحيرة في مجابهة هذه المواعيد ومتطلباتها واقعا تنخرط فيه جل العائلات التونسية، باعتبارها تمثل ضغطا قد لا تصمد أمامه الجراية الشهرية، فإن أساليب مجابهة هذه الاوضاع تختلف باختلاف التدابير التي تتخذها العائلات. فالبعض يعتمد خطة التقشف من الآن تحسبا للايام القادمة ومصاريفها الطائلة، والبعض الاخر يعمل بالمثل القائل " على قدر كسائي أمد رجلي"، وآخرون أداروا ظهورهم من الآن ل"الخلاعة" ومصاريفها، وللصولد ومتطلباته من الأموال. وذهب البعض حتى الى غض الطرف عن حضور المواعيد العائلية وافراح الزواج ومصاريفها. ونعتقد أن جملة هذه التدابيروالقرارات المشار اليها قد تصمد ولا تصمد، وانه لا يمكن بأية حال من الأحوال كبح جماح المصاريف الى هذا الحد وحرمان النفس والعائلة والاطفال على وجه الخصوص من بعض متطلبات الصيف. التداين والسلفة باب للخروج من مجمل هذه الصعوبات إن نسق الحياة والرفاه ومستوى العيش الذي أصبح عليه المواطن التونسي بات لا يقاوم، وترسخ لدى معظم الناس بفعل العادة من ناحية والامكانيات المتوفرة في تسهيل أسلوب الحياة من ناحية أخرى. ولعل مظاهر الاقتراض من البنوك والسلفة ومستوى التداين الذي يشار الى أن نسبه مرتفعة جدا وتصل الى ما يناهز 75 في المائة ممن لهم ديون متخلدة لدى البنوك، يعكس حقيقة هذا الواقع الاجتماعي وطرق مجاراته وأسالب مواجهته. ولئن تمثل مظاهر القروض والتداين والسلفة أساليب لدى السواد الاعظم من الناس باعتبار أنه لا مخرج لهم سواها، فإن هذه الظاهرة خطيرة على ما نعتقد، ولا تعكس في الحقيقة الامكانيات المتوفرة لدى المواطن، ومستوى دخله وعيشه. كما أنها تمثل ارتباكا اجتماعيا وبابا لعديد المشاكل التي ما انفكت تتزايد يوما بعد آخر. فإلى متى يبقى المواطن ينفق أكثر من طاقته؟ وهل تراجع سياسة الاقتراض والتداين والارتهان لدى البنوك؟ وفوق كل هذا كيف يجابه من لا إمكانية له في الاقتراض مثل هذه المناسبات ومتطلباتها؟ إن اقتصاد السوق المعتمد وآلياته ومتطلباته والدعاية ومظاهر الاشهار التي رافقته عوامل ساهمت في ارساء نمط حياة جديدة داخل المجتمع التونسي، لكن هل بإمكان كل المواطنين مجاراة هذا النسق التصاعدي في النفقات وتطوراتها السنوية بفعل الضغوطات الحاصلة في الاسواق العالمية؟ اننا نعتقد في ضرورة مراجعة بعض الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وتكييفها مع امكانيات البلاد والمواطن وذلك لارساء توازنات دائمة تقود الى تنمية ناجعة.