تونس الصباح تميزت السوق بداية من الاسبوع الفارط بحركية كبيرة وذلك بعد جمود أشهر الصيف التي تشهد نوعا من الاسترخاء والميل الى الاصطياف والسياحة ويقل فيها الاستهلاك... ولعل ما يميز هذه العودة والحكية الهامة في السوق هو التقاء موسمين هامين في حياة المواطن هما العودة المدرسية والجامعية من ناحية والاستعداد لشهر رمضان الذين يواتي استهلالهما خلال الاسبوع الثاني من سبتمبر الجاري ... فماذا عن طبيعة الحركية التي تشهدها السوق لكلا الحدثين؟ وهل توفرت حاجيات المواطن بالقدر الكافي؟ وماذا عن الاسعار المتداولة؟ وماذا عن الامكانيات التي تتوفر للمواطنين لمجابهة شهر سبتمبر وما يشمله من مواسم؟ تكديس السلع في السوق هل هو الحل؟ ان مظاهر الاستعداد لموسمي العودة المدرسية والجامعية وكذلك لشهر رمضان قد تجلت في كل نواحي البلاد، حيث بادر اصحاب المكاتب مبكرا بوضع المستلزمات المدرسية على ذمة طالبيها ... كما وشحت واجهات المغازات والمتاجر بالملابس المدرسية والاحذية والميدعات والمحافظ في انتظار انطلاق حركية التسوق وابتياع هذه الحاجيات الخاصة بمليوني تلميذ وبما يناهز 300 الف طالب ... والى جانب استحقاقات العودة المدرسية من مجمل هذه الحاجيات انطلقت ايضا الاستعدادات لرمضان حيث تكدست انواع الخضر والغلال والبيض وانواع اللحوم والموالح وكل ما نعتاده من حاجيات لرمضان ... وهي صورة تتكرر في كل سنة وموسم .. لكنها اذا كانت في سابق السنوات تتواتر حسب قدومها فإنها أتت هذه السنة في نفس الاسبوع . فكيف السبيل الى مجابهة هذه المواسم متحدة؟ تقارب المواسم .. وجيب المواطن يمثل شهر سبتمبر الجاري سيل من الدفوعات نظرا لتعدد الاستحقاقات المطلوبة لدى المواطن ... ففي باب اول تنطلق خلال هذا الشهر العودة المدرسية والجامعية لدى معظم العائلات ... ويتوجه البعض الاخر منهم للمحاضن ورياض الاطفال لتسجيل ابنائهم الصغار بها ... كما تنطلق رحلة البعض الاخر من العائلات نحو الجامعات والمبيتات الجامعية والبحث عن السكن ... ويتوج كل هذا بالتوجه الى المكتبات لاقتناء اللوازم المدرسية لمختلف المستويات ... ولئن كان هذا الحدث المدرسي يأتي في السنوات الفارطة منفردا ... ويقع الاستعداد له على حدة ، فإن ما ميز هذه السنة هو اقترانه برمضان ... فكيف السبيل الى مواجهة الموسمين في آن واحد ، والحال ان القدرة الشرائية للمواطن قد حافظت على وضعها منذ السنوات الثلاث الفارطة رغم ما تم من زيادات في اسعار العديد من المواد؟ التداين والسلفة والكريدي ملجأ للجميع لا أحد ينكر أن متطلبات العودة المدرسية والجامعية ... والاستعداد لرمضان يتطلب اموالا باهظة قد لا تقل عن 1000 الى 1500 دينار للعائلة الواحدة التي لها تلميذين او ثلاث او طالب فما أكثر ... وهذه الاستحقاقات التي لا تتطلب التأخير تتسبب في الحقيقة للعديد من العائلات في الحيرة والتخوف لما تمثله من صعوبات تفوق امكانياتهم المادية كثيرا ... ومن أجل مجابهة هذه الظروف التي يقول عنها العديد انها عصيبة يتمثل ملجأ العديد من العائلات في التداين والسلفة والكريدي ، مما يزيد في تدهور ظروفهم واغراقهم في وضع قد لا يمكن الخروج منه الا بعد اشهر طوال ... وهذه الصورة التي ترتسم في كل سنة تقريبا وتتطور نحو الاصعب في كل عام قد بلغت اوجها خلال هذه الايام مما دعا نسبة هامة من العائلات الى الاقتراض والسلفة من البنوك والجيران والاحباب ... وهو مظهر عام بات يتكرر لدى معظم الفئات الضعيفة والمتوسطة ايضا على اعتبار امكانياتهم المحدودة في مجابهة مثل هذه المواسم . الادخار لمثل هذه المراحل ليس في وسع العائلات ان ما يقال على التونسي انه مبذر .. يعيش ليومه ولا يضع حسابا لغده ... والحقيقة حتى وان كان لا يمكن نفي هذه البعد لدى البعض فان السواد الاعظم من العائلات المحدودة الدخل وحتى المتوسطة ليس بامكانه الادخار نظرا لان مداخيله قد لا تفي حتى لحاجياتها اليومية والشهرية، حيث ان معظمها يعول على الكريدي والسلفة في كل شهر وقل ان تجد منها عائلة غير غارقة في قرض طويل المدى او متوسط او حتى قرض ... فكيف لهذه العائلات ان تدخر لغدها والحال انها تلهث وراء طلبات يومها؟ اغراق السوق بالسلع سلاح ذو حدين ان ما جرت به العادة هو السعي مبكرا من كل الاطراف المعنية بالسوق لتوفير كل المستلزمات الخاصة بمثل هذه المواسم سواء منها الاستهلاكية او المدرسية والجامعية وتأمينها عبر التخزين والتوريد وما الى ذلك من الاساليب ... لكن الثابت انه كلما تكدست هذه السلع وتكاثرت الا وزادت اللهفة وارتفع مستوى الاستهلاك، خاصة لما يصاحب ذلك من حملات اشهارية وعروض غير عادية واغراءات ... ولعل هذه التجربة في ردم السوق بالسلع قد تحولت الى مطلب استحقاقي لدى المواطن حتى وان كانت ظروفه لا تسمح بذلك.. وكما يقول المثل فإن المواطن كالطفل يخضع لتربية ولعادة تعود عليها ... وفي مثل هذه الحال وامام هذا الواقع فإن ترشيد الاستهلاك والابتعاد عن الهالة يبقى المطلب الاساسي الذي لابد ان يصاحب هذه المرحلة ، وذلك بعيدا عن الشطط في العرض وتركيزا على اقناع المواطن بأن رمضان والعودة المدرسية والجامعية مظاهر تتكرر ولابد من مجابهتها بشيء من الحكمة والرصانة وحسب الامكانيات المتوفرة لكل عائلة وفرد في المجتمع.