بعد الكم الكبير من الفنانين والفرق الموسيقية والمسرحية والإستعراضية التي تواترت على مسرح قرطاج الأثري منذ أكثر من شهر لم تكن المهمة سهلة بالنسبة للمطربة المصرية أنغام. لم تكن هذه المهمة سهلة خاصة وأن جماهير مهرجان قرطاج الدولي في دورته الرابعة والأربعين عاشت لحظات قوية في أكثر من سهرة سبقت عرضها لليلة 15 أوت الجاري. لقد وضعت البرمجة هذه الفنانة في توقيت حساس. فإثر ذلك الكرنفال من الفنانين والفنانات الذين مروا قبلها على المسرح كان الجمهور ينتظر إضافة من أنغام. لكن أنغام فضلت أن تكون هي ذاتها. فنانة كلاسيكية وربما أكثر من اللزوم في بعض الأحيان مما جعل الجمهور في أغلب فترات الحفل يشعر بالسأم ويطالب المطربة بأغانيها القديمة أضف إلى ذلك أن ظروف العرض لم تكن طيبة. وعلى خلاف العادة في هذه الدورة الجديدة لمهرجان قرطاج الدولي كان التنظيم غير موفق وقد حصل ارتباك غير مبرر مع بداية العرض. فبعد الإعلان عن حلول المطربة أنغام على المسرح وكانت الفرقة الموسيقية المرافقة لها قد شرعت في العزف يفاجئ الجمهور بحديث تلفزيوني مباشر مع هذه الفنانة التي نشاهدها على الشاشة الكبيرة بالمسرح وذلك إزاء استغراب الجميع. بداية غريبة للسهرة كانت أنغام جالسة والمنشطة التلفزيونية تعطي الإنطباع بأن حديثها معها سوف لن ينتهي قريبا. حدث كل ذلك دون إشعار للجمهور الذي كان قد تهيأ لاستقبال الفنانة على الركح مما أثار غضبه واحتج بطريقته الخاصة. مضى أكثر من ربع ساعة بعد العاشرة ليلا بعد الإعلان الأول حتى أطلت أنغام على جمهورها والنسائم القوية تعبث بفستانها وكان الجمهور على ما يبدو مستعدا لغض النظر عما حدث منذ قليل. لكن الحفل سرعان ما اتخذ منحى لم يرق له كثيرا. مع العلم أن الجمهور الذي لم يكن مكثفا خلال هذه السهرة كان في أغلبه من نوعية خاصة. أي يتكون من هواة الطرب وهو ما فسر الصبر على إيقاع العرض الممل بعض الشيء. تملك الفنانة أنغام حنجرة قوية وصوتا طروبا وهذا أمر لا جدال فيه ولكنها وجدت صعوبة كبيرة في شد انتباه الجماهير نظرا لأن أغانيها التي قدمتها في السهرة كانت كلها شبيهة بعضها ببعض وكأنها أغنية واحدة. نفس الإيقاع تقريبا ونفس النغمات ونفس طريقة الآداء. لقد حرصت هذه المطربة على تمرير أغانيها الجديدة دفعة واحدة في حين أن الجمهور لم يكن ينتظر منها سوى ما يعرفه من أغان. الأغنية الأولى التي افتتحت بها العرض مرت في صمت ليستقبل الجمهورالأغنية الثانية " إلا أنا " على أنها فاتحة سلسلة من الأغاني التي يعرفها ويطرب لها إلا أن أنغام اختارت منهجا آخر ومضت تقدم أغانيها غير المتداولة. حتى أن أغنية " مباتعلمش" من ألبومها الجديد " كل ما تقرب " التي صورتها ولاقت رواجا بالتلفزيونات لم تثر حماسة الحضور . وظل الجمهور في حالة انتظار إلى حدود الأغنية التي تحمل رقم 11 تقريبا ليتخلص من حالة البرود التي خيمت على المسرح. قدمت أنغام أغنية " شنطة سفر" وهي أغنية من بين أنجح الأغاني التي يحبذها الجمهور التونسي. وتفاعل الحضور مع هذه الأغنية. وهناك من الجمهور من نهض أخيرا من مكانه وارتفعت بعض الأصوات لتحية الفنانة وصفق الجمهور طويلا بمجرد أن انتهت أنغام من آداء مطلع الأغنية. وأمام إلحاح الجمهور ومطالبته بأغنية "ياطيب" نزلت المطربة أنغام عند هذه الرغبة وقدمت الأغنية على إيقاع فرحة الجمهور الذي لاحظنا أن أعداده تناقصت كثيرا مع نهاية العرض كما قدمت أيضا "سيدي وصالك" نزولا أيضا عند الرغبة الملحة وبهذه الأغنية ودعت الجمهور معلنة أنها قضت أحلى سهرة في حياتها معهم. حلاوة الصوت ونعومته ضاعت في النمطية والتكرار لم يطل العرض كثيرا، أقل من ساعتين، وكان المرور بين أغنية وأغنية يتطلب وقتا لتسوية النوتة ولكي تضبط الفرقة الموسيقية التي رافقت الفنانة أمورها خاصة وأنها كانت كبيرة العدد كما أن النسمات القوية ليلتها لم تكن لتجعل مهمة العازفين سهلة رغم جهود قائد الفرقة ومحاولته مسك الأمور بحزم والإحاطة بكل التفاصيل خاصة وأن هذه النسمات عبثت ليلتها كما يحلو لها بأوراق النوتة. أنغام بنفسها كانت معنية بالأمر وكانت مشغولة في بعض الأوقات بتسوية فستانها. تبقى هذه المطربة تملك موهبة حقيقية وهي فنانة حساسة ورقيقة. كل ما في الأمر أنها مدعوة لمراجعة نوعية الأغاني خاصة من ناحية الألحان التي جعلت صوتها حبيسا لطبقة معينة في حين أنها تملك امكانيات واسعة وإلى حد الآن فإن جل الأغاني الجديدة قد كتمت على أنفاس هذا الصوت وجعلت هذه المطربة تكرر وتكرر في حين أن لديها قدرات كبيرة على تنويع رصيدها واستغلال كامل مساحات هذا الصوت. وربما لولا مجموعة الأغاني القديمة لهذه الفنانة التي حققت نجاحا منذ بدايتها في أواخر الثمانينات واعتبرت وقتها تلك الدرة النادرة التي تبحث عنها الساحة الفنية المصرية في ظل مزاحمة الأصوات القادمة إلى مصر من مختلف البلدان العربية، لولا تلك الأغاني لما تمكن الجمهور من ادراك نوعية ذلك الصوت وما يتمتع به من خصال أبرزها الحلاوة والعذوبة. جماهير قرطاج الذي تابعت حفل أنغام ليلة 15 أوت الجاري أتى بها الحنين في أغلبها لأغنية رومانسية ولكن حتى تلك الجماهير لم تستطع تحمل إيقاع هذا الحفل الكلاسيكي و الكلاسيكي جدا وقد كان خال من أي مفاجأة. اللحظات القليلة التي تحمس فيها الجمهور كانت تلك التي أدت فيها الأغنيات الثلاث التالية : يا طيب وشنطة سفر وسيدي وصالك. الأمر الذي يدفعنا للقول أنه من الظلم أن لا تحقق أنغام ولو جزءا قليلا من النجاح الجماهيري الذي حققه أغلب من سبقوها على ركح مسرح قرطاج الأثري من فنانين من الشرق والغرب والشمال والجنوب ممن حفل بهم مهرجان قرطاج الدولي في دورته الرابعة والأربعين رغم حلاوة صوتها وحضورها الناعم.