التقاضي على درجتين مبدأ أقره المشرع لحماية الحقوق المتصلة بالذوات الطبيعية والمعنوية على حد سواء باعتباره سببا من أسباب قوة الدولة المعاصرة. ولا ريب في أنه في توفير الضمانات القانونية للمتقاضين تدعيم للحقوق وبعث الطمأنينة والاستقرار في النفوس. فمبدأ التقاضي على درجتين وجد صداه في أغلب الأنظمة القانونية والقضائية الحديثة من خلال آلية الطعن بالاستئناف وهو طعن يرفع أمام هيئة تعدّ في السلم القضائي هيئة أعلى درجة يعهد إليها بإعادة النّظر في الواقعة المعروضة عليها من وجهتيها الواقعية والقانونية تفاديا للخطإ الذي لا يخلو منه كل عمل إنساني. فالتقاضي على درجتين يمثل ضمانا شاملا للمتقاضين من خلال إعادة في الواقعة ومعالجتها بمزيد التمعن والتفحّص والتمحيص والبحث والاستقراء لاستخلاص النتيجة القانونية السليمة اعتمادا على ما يتضمنه ملف الدعوى من أوراق وأدلة وحجج دون تحريف أو تناقض ضمانا لحسن سير العدل فضلا عما يرتّبه من أثر وقف تنفيذ القرار المطعون فيه باعتبار أن الاستئناف وسيلة طعن عادية. المفعول الانتقالي للاستئناف إن هذا الأثر يخضع إلى نظام التقاضي على درجتين فهو الضامن الأساسي للقيام بوظيفته على الوجه الصحيح، فالتقاضي لدى الدرجة الثانية على غرار اللجنة الوطنية للاستئناف يتقيّد بموضوع الدعوتين الأصلية والمعارضة بما تحتوي عليه من طلبات نهائية وهي التي تم رفعها لدى الدرجة الأولى مثل الرابطات واللجان. إذ بالرجوع إلى قواعد القانون العام فإن الاستئناف ينقل الدعوى على حالتها التي كانت عليها قبل صدور القرار المستأنف في خصوص ما تسلط عليه الاستئناف. فالمشرع أكد على مبدإ استقرار النزاع وألزم الدرجة الثانية أن يكون نظرها مقتصرا على الدعوى الأصلية وطلباتها وعلى ما تسلط عليه النقض دون النظر إلى غيرها إذ لو باشر قرارها فيما لا تملك حق النظر فيه فإن ذلك حتما يعرض قرارها إلى البطلان. فالدعوى الواقع البت فيها ابتدائيا لا يمكن الزيادة فيها إلاّ متى كانت هذه الزيادة تشمل الملحقات التي لها علاقة بالدعوى الأصلية التي استحقت بعد صدور القرار المطعون فيه أو بغرم تفاقم أمره أو بطلب الضمانات المستوجبة بعد صدوره وإن تحجير تقديم طلبات جديدة لدى الطور الاستئنافي لا يحول دون تغيير سبب الدعوى ما لم يتأسس السبب الجديد على وقائع جديدة لم تعرض أمام الدرجة الأولى إذ يمكن تغيير السبب المبني عليه الطلب إذا كان موضوع الطلب الأصلي باقيا على حالة دون تغيير وكان السبب الجديد غير قائم على وقائع جديدة لم يقع طرحها لدى الدرجة الأولى غير أنه يمكن الاحتجاج بوسائل جديدة لدى الطور الاستئنافي لتدارك ما فات المستأنف من وسائل دفاع تعذر عليه تقديمها لدى الطور الأول من التقاضي. فهذه الدرجة الثانية غير مرتبطة بالتكييف القانوني للفعلة مثلما ذهبت إليه الدرجة الأولى من التقاضي بل لها أن تغيره وذلك بإضفاء الوصف القانوني السليم بما يتلاءم والنص القانوني الواجب التطبيق مع الواقعة التي لها أصل ثابت بأوراق الملف دون تحريف كما ليس لها أن تضيف ظروفا مشددة قد تظهر في الأثناء إذ بإضافتها يكون المتقاضي قد حرم من درجة من درجات التقاضي كما ليس لها أن تعكر من حالته احتراما للقاعدة الأصولية القائلة أنه لا يضار الطاعن بطعنه. المفعول التوقيفي للاستئناف: إن رفع الاستئناف من آثاره إيقاف تنفيذ القرار الابتدائي إلى حين صدور القرار الاستئنافي سواء كان ذلك بالإقرار أو النقض جزئيا كان أم كليا، فالمشرع التونسي كرّس هذا المبدأ باعتباره مبدأ عاما ذلك أن استئناف القرار الابتدائي يعطل تنفيذه الا فيما يستثنيه القانون حصريا لبعض القرارات التي لا يتعطل تنفيذها رغم الطعن فيها بالاستئناف لعدم مساسها بأصل الحق مع توفر عنصر التأكد على غرار القرار الاستعجالي في مادة القانون المدني. فهذه الحالات الخاصة التي حددها القانون لا يجوز التوسع فيها مطلقا تفاديا لمبدإ التعسّف في استعمال حق التقاضي وحفاظا على حقوق المتقاضين من الإهدار والتلاشي. وتكريسا لمبدإ التقاضي على درجتين وانسجاما مع ما قررته العهود والمواثيق الدولية ارتأت الجامعة التونسية لكرة القدم من جهتها بعث لجنة وطنية للاستئناف بوصفها هيكل تقاض أعضاؤها معينون في جلسة عامة بناء على اقتراح من المكتب الجامعي وهو ما نص على ذلك الفصل 49 من النظام الأساسي للجامعة التونسية لكرة القدم واقتضى الفصل 56 من ذات القانون أن هذه اللجنة تختص بالنظر في جميع القرارات الصادرة عن الرابطات واللجان المنبثقة عن الجامعة المطعون فيها بوجه الاستئناف وتصدر قراراتها نهائيا بصرف النظر عن إجراءات التحكيم المنصوص عليها بالفصل 56 من النظام الأساسي التي هي من خصائص الللجنة الوطنية للتحكيم الرياضي. غير أنه بالاطلاع على أحكام الفصل 35 جديد من النظام الأساسي والتأمل في منطوقه نرى أنّ النظام الأساسي قد أجاز للمكتب الجامعي النظر من تلقاء نفسه في كل القرارات الصادرة عن الرابطات واللجان الفيدرالية ومراقبتها والبت في الحالات التي لم يتخذ بشأنها قرار والنتائج الخاصة بالمباريات المصادق عليها غير قابلة للطعن. فبمراجعة ما ورد بهذا الفصل يستشف من عباراته الصريحة والواضحة أنّ النص الجديد أجاز للمكتب الجامعي التصدّي للمتقاضي حارما إياه من ممارسة حق الطعن بوجه الاستذناف في القرارات المتظلم منها الصادرة عن الرابطات واللجان بما يصير تلك القرارات غير قابلة للطعن بالاستئناف بصريح العبارة الواردة بالفصل 35 جديد من النظام الأساسي خلافا لما أقره الفصل 53 من ذات النظام الذي خص اللجنة الوطنية للاستئناف بالنظر استئنافيا في جميع القرارات الصادرة عن الرابطات واللجان وهي قرارات ابتدائية الدرجة قابلة للطعن فيها بالاستئناف من له الصفة والمصلحة وخلال الأجل القانوني. إن مثل هذا التداخل على النحو المبين بأحكام الفصل 35 من النظام الأساسي ينتهك مبدأ التقاضي على درجتين ويخالف منطوق الفصل 53 من ذات النظام الذي خص اللجنة الوطنية للاستئناف باختصاص مطلق وهو النظر في جميع القرارات الصادرة عن الرابطات واللجان المنبثقة عن المكتب الجامعي الواقع الطعن فيها بوجه الاستئناف. وأنه احتراما لمبدإ التقاضي على درجتين والسعي لتكريسه ضمانا لحقوق المتقاضين وجب التوفيق بين الفصلين 35 و49 من النظام الأساسي وذلك بالحد من تداخل المكتب الجامعي وجعل التصدي منحصرا في حالات خاصة ومحددة حتى نرفع اللبس والغموض عن النصوص القانونية لتكون متناغمة منسجمة فيما بينها تكمّل بعضها البعض فتطبق على الواقعة تطبيقا سليما لا يرتقي اليها الاختلاف في تفسيرها وتأويلها فتتضارب الآراء والمواقف فينقلب الأمر إلى حد إساءة الظنّ عند اعمال هذا النص القانوني أو ذاك إذ بتعديل أحكام الفصل 35 المذكور بما لا يتعارض وأحكام الفصل 49 من النظام الأساسي تأكيد على تثبيت مبدإ التقاضي على درجتين من جهة ومن جهة أخرى يجد التعهد الآلي الممنوح للمكتب الجامعي أساسا ومبررا مع الإبقاء على أحكام الفصل 49 ومحافظا على جدواه وقيمته القانونية وذلك بتفعيله في غير الحالات الخاصة المتعهد بها من قبل المكتب الجامعي. وتفاديا لهذا الجدل القانوني ودرءا لتداخل الاختصاصات بين الهياكل وتجنّبا لما عسى أن ترتكب من أخطاء قانونية كان بامكان تلافيها فإن المقترح الذي قد يجد صداه يتمثل في تخصيص المكتب الجامعي بامتياز التعهد الآلي بالواقعة مباشرة قبل تعهيد الرابطات واللجان بها وهو الحل الذي أراه شخصيا أسلم.