لو كان بامكان شعوب العالم ان تشارك في اختيار الرئيس الامريكي المقبل لفعلوا دون تردد بل انه قد لايكون من المبالغة في شيء الاقرار بانه لو كان بامكان غير الشعب الامريكي المشاركة في انتخابات البيت الابيض لفعلت ولتجاوزت نسبة اقبالها على صناديق الاقتراع نسبة اقبال الناخبين الامريكيين انفسهم.. والسبب بسيط جدا وهو انه اذا كانت مختلف نتائج السباقات الانتخابية التي تجري في مختلف دول العالم لا تعني غير شعوبها فان نتيجة سباق الانتخابات الامريكية امر يتطلع اليه كل العالم من اسلام اباد الى جوهانسبورغ.... فليس سرا بالمرة ان سيد البيت الابيض الجديد سيقرر ما اذا كانت بلاده ستضع حدا لحربها في العراق وهو الذي سيقرر ما اذا سيتعين المضي قدما في الحوار مع طالبان وهو الذي سيقرر ما اذا سيعيد دفع عجلة السلام في الشرق الاوسط او ما اذا كان سيختار لغة الحوار مع سوريا.. او يتوخى لغة الديبلوماسية على لغة التصعيد واستعراض العضلات في الملف الايراني.. ومثلها في الحوار مع روسيا وغيرها من الملفات المفتوحة على كل الافتراضات والتي ستكون في انتظار الحكومة الامريكيةالجديدة بما يجعل اعين المتطلعين الى نتائج الانتخابات الامريكية خارج الولاياتالمتحدة اكثر بكثير من الأعين المتطلعة اليها في الداخل انها انتخابات العالم التي لا يحق لغير الامريكيين التصويت فيها... اكثر من سبب من شانه ان يمنح الانتخابات الامريكية هذا الحيز الكبير من اهتمامات الراي العام الدولي على المستويين الرسمي والشعبي. ورغم كل الانتقادات وكل مشاعر الغضب والاستياء التي توحد الاغلبية ازاء السياسة الامريكية التي لاتسر ولا ترضي غير الاقلية، فان درجة هذا الاهتمام بدورها تعكس الكثير بشان المخاوف والهواجس التي قد ترتبط بخيارات الرئيس الرابع والاربعين للاولايات المتحدة. واذا كان في هذا الاهتمام بعد خاص يحمل في طياته نوع من الاسقاط الذي يعيشه المتتبعون لسير الحملة الانتخابية ويعجبون في احيان كثيرة من حرص واصرار انصار المعسكرين الجمهوري والديموقراطي على حد سواء في الدفاع عن اراء ومواقف مرشحيهما، وتمسكهم بحق المشاركة في العملية الانتخابية عن قناعة باهمية اصواتهم في تحديد مستقبل القيادة الامريكيةالجديدة وبقدرتهم على احداث التغيير، وفقا للشعار الذي تنافس على رفعه كل من المرشح الديموقراطي اوباما ومنافسه الجمهوري ماك كين حتى الآن.. فان كل المؤشرات ظلت تغلب فوز المرشح الديموقراطي اوباما وهو الامر الذي سيحدث على الارجح اذا لم يحدث في الساعات الاخيرة ما يمكن ان يقلب كل الاوضاع، بما يعني ان يخرج الرئيس بوش الذي اختفى خلال الساعات الاخيرة من السباق الانتخابي ليعلن القبض على زعيم القاعدة او يكشف عن تمكن كومندوس خاص من اغتيال بن لادن بما سيمنح بالتاكيد الجمهوري ماكين دعما جديدا. لقد فرضت الانتخابات الامريكية هذا الموسم نفسها على العالم دون مقدمات حيث لم يخلو موقع الكتروني او صحيفة او قناة من اخبار الانتخابات بكل ما يعنيه ذلك من تفاصيل دقيقة مهمة او مملة حول ادق خصوصيات المترشحين الى البيت الابيض ونائبيهما.. بل الواقع ان هذه المعركة الانتخابية لم تعد في حاجة الى مقدمات او استئذان بعد ان غزت البيوت وتحولت الى موضوع للرهان بين ابناء العائلة الواحدة ممن باتوا يتسببون في احراج ابائهم ومدرسيهم باسئلتهم التي لا تنتهي بين سباق الانتخابات الامريكية وبين غيرها من السباقات التي يشهدها العالم من آسيا الى افريقيا.. متناسين ان عمر الديموقرطية الامريكية قد تجاوز المائتي سنة، وان واضعي الدستور الامريكي قد راهنوا على ضمان استمرار الخيار الديموقراطي قائما بين الامريكيين، بما يجعل ذلك الرهان الديموقراطي قابلا للتحول الى سوط مسلط على رقاب الاخرين اذا ما اقتضت المصالح الامريكية ذلك. ولعل في هذه الحقيقة ما يمنح الانتخابات الامريكية طعما خاصا، فهي في ظاهرها لا تخلو من الاثارة والتشويق وكل ما فيها من شانه ان يغذي مشاعر الغيرة والحسد لدى الكثيرين ممن يتطلعون الى ما يحظى به الناخبون الامريكيون من قدرة على لصناعة الحدث السياسي، انطلاقا من استطلاعات الراي وما تقدمه يوميا من رصد وتحليل، او قراءات لميولات وتوجهات الناخب الامريكي ومدى تاثره بالاحداث اليومية، من الازمة المالية وتداعياتها على البطالة والاسعار وصولا الى المشهد العراقي والافغاني الا ان كل ذلك لا يلغي الوجه الاخر لتلك الانتخابات وما يمكن ان تحمله في طياتها من خيارات وتوجهات للادارة الجديدة سيكون لها وقعها على الخارطة الدولية على مدى السنوات والعقود القادمة... ساعات اذن ويسدل الستارعلى الانتخابات الامريكية.. طبعا لا احد يتوقع ان يتغير وجه العالم صبيحة اليوم الموالي ليعلن فيه عن انتهاء عصر المجاعة والتخلف في افريقيا او زوال شبح الحرب عن منطقة الشرق الاوسط اواستعادة المصارف والبنوك الامريكية عافيتها بعد الازمة التي حلت بها.. ولكن الاكيد ان ستار اخر سيرفع بدوره ليعلن مرحلة جديدة مع انتخاب الرئيس الرابع والاربعين لولايات المتحدة. واذا اختار الامريكيون ماكين فان ذلك سيكون مؤشرا على رغبة في الاستمرار مع ثماني سنوات كارثية من حكم الرئيس بوش واذا ما اختاروا اوباما فان امريكا ستدخل عصرا جديدا يعلن انتهاء عقلية العنصرية البغيضة والترفع عن المثال الامريكي الشائع بانه عندما يصبح للدجاجة اسنان سيكون في البيت الابيض رئيس اسود...