ماذا قال محامي المظنون فيها ووالدتها عن الحادثة وما حكاية «المربوع» وعلبة الكبريت؟ هذا ما جاء في شهادات أعوان الحماية المدنية وعوني الإطفاء وهذا ما دار بينهم وبين الهالك عدّة تحاليل مخبرية لم تحضر بعد... والأعمال القضائية متوقفة! الأسبوعي- القسم القضائي: مازال قاضي التحقيق بالمكتب الثاني بالمحكمة الابتدائية بأريانة يبحث في الظروف التي حامت حول هلاك المهندس المهدي بوعاشور (39 سنة) بغابة سيدي ثابت جرّاء الحروق البليغة والجروح الخطيرة التي طالت أنحاء عديدة من جسمه إثر تعرضه لحادث غامض مساء يوم 30 أفريل الفارط. ماذا قال محامي المظنون فيها؟ وكانت «الأسبوعي» انفردت بنشر التفاصيل الأولية للحادثة نقلا عن عائلة الضحية ودعّمنا ذلك بصور للهالك وزوجته المظنون فيها والسيارة بعد احتراقها مثلما هو معمول به في متابعة الأحداث وطنيا وعالميا غير أن محامي المشبوه فيها الأستاذ كريم بولعابي أرسل إلينا ردّا على ما كتبناه وذلك بعد أكثر من خمسة أشهر من نشر المقال رغم تجاوز الفترة القانونية التي يخول فيها بحق الرد. وجاء في نص الرد الذي حمل عنوان «حقيقة ما وقع بين الموظفة بالمستشفى وزوجها المهندس الذي مات حرقا»: «إن المقال المنشور في جريدتكم بتاريخ 5 ماي 2008 اقتصر في تحصيله للمعلومات الخاصة بماديات الحادث على تصريحات أهل الهالك دون البحث عن الحقيقة كسماع المنوبة (...) أو من يمثلها وأهلها... إن نشر صور فوتوغرافية للزوجين في أوقات خاصة وليست صورا للحادث إضافة إلى أن الصور المنشورة تركت وجه الهالك مكشوفا وعمدت إلى إخفاء جزئي لوجه المنوبة والحال أنه في الكشف عن هوية الهالك كشف لهوية المنوبة وفي ذلك أذى لها ولأبنائها ولعائلتها... إن المقال يحتوي على سلسلة من التخمينات إذ ادّعى عودة الزوجة إلى العمل صباح ارتكابها للجريمة والحال أن الهالك توفي يوم 30 أفريل 2008 واليوم الموالي يكون غرّة ماي 2008 وهو يوم عطلة كما ذكر أن الهالك قال في آخر حياته أن زوجته أحرقته والحال أن الهالك أكد للممرضة أن زوجته لم تتسبّب في وفاته وهو آخر ما قاله في حياته ومن التحريف أن يذكر أن زوجته دبّرت لحرقه والحال أن الهالك هو الذي استدعى الزوجة لامتطاء سيارته التي كان يقودها وتحوّل إلى بائع البنزين لشراء البنزين في حاوية وتوجه إلى غابة وهي وقائع ثابتة ولا يجوز تحريفها كما لا يجوز التخمين فيما تمّ بعد ذلك... ومن الثابت أيضا أن الزوجة كانت في حالة هلع خاصة بعد إصابتها بجروح في وجهها إثر اندلاع الحريق... إن حالتها الصحية لا تسمح لها بمواجهة القضاء ما دعا إلى تأجيل الأعمال القضائية والحقيقة المنتظرة والتي نسعى لها جميعا...». هذا أهمّ ما جاء في ردّ محامي المشبوه فيها على المقال المنشور بتاريخ 5 ماي ...2008 تركنا له فرصة النشر وقول ما يراه صالحا للدفاع عن منوبته التي تظلّ بريئة إلى حين ثبوت إدانتها... من جانبها وبحثا عن آخر المستجدات في هذه القضية التي شغلت الرأي العام في تونس حصلت «الأسبوعي» على نسخة من مظروفات القضية تتعلق بالتحريات المجراة وشهادات الشهود وأقوال المشبوه فيها: بداية الحادثة تعود - مثلما هو معلوم - بداية الحادثة إلى يوم 30 أفريل الفارط عندما تلقى أعوان فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بأريانة إعلاما من قبل الحماية المدنية بأريانة عن تعرّض سيارة نوع «كنغو» للحرق أثناء تواجد سائقها بداخلها رفقة امرأة بمكان منزو بأرض تابعة لإدارة الغابات كائنة بسيدي ثابت فتحوّل المحققون على عين المكان فلم يجدوا المرأة فظنوا أنها تحولت إلى المستشفى لتلقّي الاسعافات ولكنّهم لم يعثروا عنها فيما علموا أن الهالك دخل في غيبوبة نتيجة الحروق التي لحقت بكامل جسمه قبل أن يتمّ إعلامهم بوفاته. إيقاف الزوجة حينها قام الأعوان بإيقاف الزوجة بينما كانت بمنزل والديها واقتادوها إلى المقر الأمني وبالتحري معها أنكرت أن تكون رافقت زوجها إلى غابة بسيدي ثابت وأكدت على أنها لم تغادر منزل عائلتها في مساء ذلك اليوم وبمزيد التحرير عليها أفادت بأن زوجها حلّ بمنزل والديها في حدود الساعة الرابعة مساء من يوم 30 أفريل ودار نقاش بينهما حول عدم إنفاقه على العائلة قام أثناءه بخدشها في وجهها على مرأى ومسمع من والدتها وشقيقتيها ثم غادر المكان بمفرده. شهادات الشهود وفي إطار سماع شهادات الشهود استدعى أعوان فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بأريانة عون إطفاء بإدارة الغابات ذكر أثناء سماع أقواله أنه في حدود الساعة الثامنة والربع مساء كان رفقة زميل له على متن دراجة نارية عندما تفطنا لاشتعال نار داخل الغابة فنزلا لاستجلاء الحقيقة وعندما كان العون المذكور في طريقه نحو موقع النار شاهد امرأة تجري فاعترضها وسألها عن سبب اندلاع الحريق فأجابته بأن انفجارا وقع وواصلت الجري فالتحق بها وطلب منها الاستظهار بهويتها فأعلمته بأنها عون أمن واستظهرت له ببطاقة مهنية قبل أن يطلب من مرافقه إيصالها إلى أقرب مركز أمن وأشار عون الإطفاء بإدارة الغابات المذكور إلى أنه عثر إثر وصوله إلى موقع الحريق على سيارة تحترق وشخص ملقى على الأرض والنار تشتعل في جسمه. وذكر الشاهد أنه أطفأ النار المشتعلة في جسم الرجل الذي أعلمه - حسب ما ورد بشهادته - أن زوجته كانت معه في السيارة وأنها تعمل عون أمن فتأكد من أنها هي نفسها المرأة التي شاهدها تجري وتحدث إليها، وأفاد أيضا بأن زميله الذي تولى مهمّة إيصال المرأة إلى أقرب مركز أمن طلبت منه انزالها قرب مسجد سبالة بن عمار لغسل وجهها الملوّث بالدماء ولكن بدخولها الجامع ظلت هناك إلى حين مغادرته المكان وقد تطابقت أقوال هذا العون مع أقوال زميله الذي كان معه على متن الدراجة النارية. ماذا قالت والدة المظنون فيها؟ ودائما مع الشهادات فقد استجوب أعوان فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بأريانة والدة المظنون فيها التي أفادت أن صهرها حل مساء ذلك اليوم بالمنزل وتجاذب أطراف الحديث مع ابنتها قبل أن تغادر المنزل لجلب حفيدها وأضافت أنه بعودتها لم تجد صهرها فقط عثرت على ابنتها تبكي وباستفسارها عن سبب بكائها أعلمتها أنها تشاجرت مع مهدي فاعتدى عليها بالعنف وذكرت الأم أنها لاحظت عليها آثار عنف بأحد خدّيها كما أشارت في شهادتها إلى أن ابنتيها الأخريين عادتا لاحقا إلى البيت وعاينتا آثار العنف على وجه أختهما المظنون فيها التي لم تغادر المنزل - حسب إفادتها - منذ عودتها من العمل. تراجع أول وأمام تضارب الأقوال بين المظنون فيها وعوني الإطفاء حول مرافقتها لزوجها يوم الواقعة إلى غابة بسيدي ثابت من عدمه تولى أعوان الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية مواصلة التحريات وباستنطاقهم للمنظون فيها تراجعت عن أقوالها السابقة واعترفت بمرافقتها لزوجها في ذلك اليوم إلى سيدي ثابت حيث أفادت بأن خلافا نشب بينها وبين المهدي بمنزل والديها تولى أثناءه لكمها وخدشها ثم مسكها بقوة من شعرها وجرّها نحو السيارة ثم توجه إلى الحي الأولمبي حيث اشترى أربع لترات بنزين وضعها في وعاء بلاستيكي و«وقيدة» رغم أنه لا يدخن قبل أن يسلك طريق سيدي ثابت. وذكرت المظنون فيها أن بعلها تعمّد شتمها أثناء الطريق وبوصولهما إلى ضيعة فلاحية أوقف السيارة وشرع مجدّدا في شتمها واتهمها بربط علاقات مشبوهة قبل أن يسكب البنزين بكامل أركان السيارة وأضافت أن زوجها هدّدها لاحقا ب«مربوع» ثم أخرج علبة كبريت ومسك بعود ثقاب وراح يهدّدها بإضرام النار رغم توسلاتها إليه بالعدول عن ذلك في الاثناء انطلقت شرارة من عود الثقاب مما تسبب في وقع انفجار داخل السيارة واشتعلت فيها النار فألقت بنفسها بعد أن تمكنت من فتح الباب وكذلك الشأن بالنسبة لزوجها الذي شاهدت النيران تشتعل في ملابسه. وأمام هذه التطورات لاذت بالفرار غير أنه على بعد عشرين مترا اعترضها شخص يعمل بمنبت الغابات (من قام بالاطفاء) واستفسرها عن سبب اندلاع الحريق وطلب منها الاستظهار ببطاقتها المهنية بعد أن أعلمته بأنها عون أمن ففعلت ثم طلبت منه مساعدتها على الوصول إلى مركز الأمن فسخّر لها مرافقه ودراجته النارية إلى حين وصولها إلى جامع سبالة بن عمار حيث اختفت وعند انصرافه غادرت الجامع واستقلت «تاكسي» باتجاه منزل عائلتها حيث ظلّت إلى حين اتصال أعوان الحرس الوطني بها. وأشارت المظنون فيها لدى التحري معها من طرف الإدارة الفرعية للقضايا الاجرامية بالقرجاني إلى أنها لم تقم بالابلاغ عن الحادثة كما لم تقدم لزوجها أية إسعافات ونفت في ذات السياق حرق بعلها بينما اعترفت بأنها نفت لأعوان فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بأريانة مرافقتها لزوجها قبيل الحادثة وأرجعت ذلك إلى حالة الارتباك التي كانت عليها. تراجع ثان كلّ هذه الاعترافات المدقّقة أحيانا نفت المظنون فيها الجزء الأهم منها وهو المتعلق بمرافقتها لزوجها إلى غابة سيدي ثابت حيث وقعت الحادثة وقبلها إلى الحي الأولمبي من أين اقتنى البنزين وعلبة الكبريت وقالت أمام قلم التحقيق أنها تعمّدت اختلاق تلك الرواية نتيجة التهديدات التي طالتها أثناء التحري معها كما طعنت في شهادة الشهود ونفت أن تكون هي نفسها المرأة التي شاهدها عونا الإطفاء ... مستغربة في الوقت ذاته توجيه الشكوك نحوها. تهمة مجرّدة وقد ساندها محاميها في تصريحاتها موضحا بأنه لا شيء في الأبحاث يفيد ارتكاب منوبته الجريمة وأن ما جاء بمحاضر باحث البداية يؤكد براءتها باعتبار أن الهالك أكد لاحدى الممرضات ساعة وصوله للمستشفى بأن زوجته لا تتحمل مسؤولية حرقه، مشيرا إلى أن ما أفرزته التحريات الأمنية لا يستساغ واقعا فلو كانت فعلا رافقت الهالك لتمكنت من اكتشاف ما اتجهت إليه نيته ساعة اقتنائه البنزين وعلبة الكبريت ولتمكنت من الهروب منه دفاعا عن نفسها وطالب على هذا الأساس بحفظ التهمة في حق منوبته لتجرّدها. آخر الكلمات التي نطق بها الهالك في محاولة من عون الإطفاء وأعوان الحماية المدنية وممرضة وطبيبة بمستشفى عزيزة عثمانة لتحديد هوية من تعمد إضرام النار في الهالك والسيارة قاموا كل على حدة باستفسار الضحية وفي هذا الصدد أكد عون الإطفاء بإدارة الغابات لدى سماع أقواله أنه أثناء إطفاء النار المندلعة بجسم المهدي سمع الأخير يقول «المرا... المرا» دون إيضاحات أخرى فظن أن زوجته ظلت داخل السيارة ولكنه لم يجدها، وأفاد بأن الضحية لم يعلمه بالظروف التي حامت حول تعرضه للحرق ولم يدل له بهوية الفاعل. أما أعوان الحماية المدنية فأشاروا في إفاداتهم أن أحدهم استفسر المهدي عن هويته بحضور زميليه أثناء نقل الضحية إلى المستشفى فأعلمه بأنه يدعى المهدي بوعاشور وأنه مهندس فلاحي بشركة دليس دانون وظل يكرّرها في عدة مناسبات قبل أن يضيف: «مرتي» فسأله عون الحماية: «آش بيها» فقال له: «حرقتني» فاستفسره قائلا: «باش حرقتك» فأجابه: «ما نعرفش» فسأله العون مجددا «منين بدات النار» فقال له: «من وسط الكرهبة» فاستفسره عن السبب الذي جعلها تحرقه فأجابه: «عندنا برشة مشاكل بيناتنا»... ثم استفسره مجددا «آش تعمل في البلاصة هاذيكة» فأجابه: «عيّطلها باش نتصالحوا» فسأله: «وين تسكن؟» فأجابه: «نسكن في حي الصحافة أريانة». وأضاف عون الحماية المذكور أنه بوصولهم إلى المستشفى استفسرته احدى الممرضات بالقول «مرتك حرقاتك» فأجابها: «لا موش مرتي... لا موش مرتي» ثم سألته: وين تسكن» فقال لها:«بماطر» والحال أنه يقطن بولاية أريانة حينها تم إدخاله إلى قسم الانعاش حيث قام الإطار الطبي أيضا بطرح بعض الأسئلة عليه ومنها: «كم عمرك» فأجاب: «48 سنة» والحال أن عمره 39 سنة فقط ثم سئل: «هل لك سوابق؟» فأجاب بالنفي ثم سئل: «كيف احترقت؟» فأجاب: «أثناء عودتي من العمل على متن السيارة» فسئل: «هل احترقت السيارة أثناء تشغيلها؟» فأجاب بنعم ثم سئل: «هل كان معك مرافق؟» فقال: «كانت معي امرأة» دون أن يحدّد هويتها. فسئل «لماذا لم تظهر معك؟» فأجاب: «لقد هربت أثناء الحادث» ثم سئل: «هل هي زوجتك؟» ولكنه لم يجب عن السؤال بعد تدهور حالته الصحية. اللّغز وأمام هذا التضارب في أقوال الضحية الذي لم يعرف إن كان نتيجة تدهور لحالته الصحية والنفسية وأيضا أمام التضارب في أقوال المظنون فيها الوحيدة التي لم تمثل أمام قلم التحقيق بالمحكمة الابتدائية بأريانة سوى مرّة واحدة يظلّ لغز هلاك المهندس المهدي بوعاشور قائما في انتظار ما ستفرز عنه التحقيقات القضائية وبعض التحاليل المخبرية. صابر المكشر للتعليق على هذا الموضوع: