هل يتخلى الغرب عن وعوده لدول الربيع العربية؟ أمام تفاقم اليورو في أكثر من بلد أوروبي وغياب الحلول العاجلة لتفادي السقوط الى هاوية الافلاس بات السؤال الغائب الحاضر في عديد الاوساط السياسية والاعلامية، ماذا كانت الاطراف الاجنبية التي ما انفكت تتنافس في اعلان وعودها السخية لمساعدة اقتصاديات دول الثورات العربية على شق طريقها الى الديموقراطية وتقديم ما تحتاجه من مساعدات مالية وإستثمارات ستتذكر تلك الوعود وغيرها لدفع عجلة الاقتصاد والمساعدة على الفرص الاستثمارية القادرة على فتح الافاق أمام الالاف المؤلفة من العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات الجامعية أوغيرهم ممن كانوا وراء اندلاع ثورة الكرامة.. حتى الآن تبدو مسألة إلتزام الغرب بتلك الوعود التي فتحت المجال للكثيرين ليحلموا بمستقبل أفضل مغيبة عن مختلف الندوات واللقاءات والمؤتمرات ذات الصبغة الاقتصادية وما كانت قمة مجموعة الثمانية قدمته من وعود لدعم الشعب التونسي الذي كان وراء أول موجات الربيع العربي تبدو الان وكأنها في حالة تجميد قسري الى أن يأتي ما يخالف ذلك, أما قمة العشرين المنعقدة قبل أيام في مدينة كان السينمائية فقد طغت عليها الازمة اليونانية منذ افتتاحها الى حين اختتام أشغالها فكانت دول الربيع العربي الغائب الابرز خلال تلك القمة.. والواقع أن إمتداد الازمة اليونانية الى إيطاليا لتطيح وفي غضون مدة زمنية قياسية بكل من رئيس الوزراء البريطاني باباندريوالذي أعلن تراجعه عن إجراء إستفتاء حول اليورو ويكشف بذلك الضريبة التي يتعين على الشعوب دفعها مقابل الحصول على إمتيازات الانتماء الى الفضاء الاوروبي قبل أن يلحق به نظيره الايطالي برلسكوني الذي فرض بصماته على الساحة السياسية الايطالية على مدى سبعة عشرعاما, والواقع أن تصريحات برلسكوني المنهار وهو يعلن أمام الصحافيين إعتزامه الاستقالة ويردد بأنه بات يشعر بأنه أصبح حرا»لم ينجح في اخفاء خيبة أمله وإحساسه بالمرارة بعد الصفعة التي تلقاها من حلفائه والتي عجلت دون شك في سقوطه.. على أن الواضح أن أزمة اليورو وتداعيات خطط التقشف وخفض النفقات لم تتوقف على أبواب أثينا مركزالكنوز التاريخية والحضارات المتعاقبة ولكنها إمتدت الى البرتغال ومن بعدها إسبانيا التي كانت أكثر سرعة في إتخاذ الاجراءات التي جنبت رئيس الحكومة زاباتيرو صفعة شبيهة بصفعة برلسكوني.. وبعد أن تعاملت السلطات الاسبانية في مرحلة أولى مع المظاهرات الطلابية الاحتجاجية بكثير من الاستخفاف حيث اعتبرتها في البداية حماسة شباب يحاول تكرار المظاهرات الشعبية الشبابية في دول الربيع العربية وجدت الحكومة الاسبانية نفسها أمام تحديات لا سابق لها وهو ما دفعها الى مراجعة حساباتها والقبول بانتخابات مبكرة تفاديا للاسوأ. والواضح أن فرنسا باتت حريصة بدورها على إستباق الاحداث تجنبا لتكرار سيناريو بات معروفا فجاء اعلان الحكومة الفرنسية عن خطة تقشف تقضي بتجميد رواتب الرئيس الفرنسي وكل الوزراء لحماية التصنيف الائتماني وتجنب الوقوع في الافلاس وهي خطوة تأتي قبل ستة أشهر على الانتخابات الرئاسية الفرنسية, وبدورها لم تتأخر المستشارة الالمانية ميركل عن الاعتراف بحجم الازمة الاوروبية التي توقعت لها أن تستمر نحوعشر سنوات كل ذلك طبعا بعد تحذيرات صندوق النقد الدولي من مرحلة خطيرة وغامضة تعني في لغة الاقتصاديين مزيد تراجع النمو وارتفاع معدلات البطالة.. وخارج منطقة اليورو فقد جائت موجة المظاهرات الاحتجاجية في وول ستريت ضد جشع الشركات لتعري نقائص واخلالات النظام الاقتصادي وعيوبه ولكن لتؤكد أيضا أن العملاق الامريكي ليس بمنأى عن الازمة الاقتصادية تماما كما هو الحال بالنسبة لبريطانيا التي اجتاحت جيوش الطلبة شوارعها احتجاجا على ارتفاع رسوم الدراسة... ولعل في مختلف هذه الازمات بمستوياتها المختلفة أيضا ما يدعو الى تغييرالكثير من المفاهيم التي كانت سائدة على اعتبار أنه اذا عطس وول ستريت أصيبت بقية الاسواق المالية العالمية بالزكام لتعترف في خضم التغييرات المتسارعة أنه اذا هب موسم الربيع العربي فان الاسواق الاوروبية لن تكون محصنة من نسماته ولكن الاهم من كل ذلك أن تكون شعوب الربيع العربي على موعد مع الحدث وألا تنتظر الفرج من أي كان فلن يصنع مستقبلها ومصيرها غير أبنائها ولا شك أن في التجربة الالمانية بعد الحرب العالمية الثانية كما في التجربة اليابانية بعد قصف هيروشيما ونكازاكي وفي التجربة الصينية الحديثة بعد أحداث تيان أن من ما يحمله في طياته أكثر من درس للجالسين على الربوة في انتظار عصا سحرية أواكداس من المساعدات المالية تصلح كل المشاكل.. وعلى شعوب الربيع العربي أن تتذكر أن عمالقة أوروبا لن يتخلوا عن مساعدة الدول الاوروبية التي تواجه الانهيار ولن يتخلوا عن الحلم الاوروبي ومنطقة اليورو التي رسموها للاجيال القادمة بما يعني بكل بساطة أن من يعول على مجموعة الثمانية أومجموعة العشرين أوغيرها سيطول به الانتظار... آسيا العتروس