الانتقادات الكثيرة والاصوات التي ارتفعت مستنكرة على بعض القنوات الفضائية او الاوساط الصحفية العربية او غيرها عرض صور المجازر الاسرائيلية اليومية المرتكبة في غزة بدعوى احترام مشاعر المشاهدين ليست اكثر من محاولة اخرى من محاولات كثيرة مدروسة لتوفير غطاء مجاني لقوات الاحتلال وهي تطلق الة الدمار والخراب لتعبث بالاهالي وتستهدفهم حيثما كانوا في الشوارع والمساجد ودور العبادة وحتى في المستشفيات ومقرات الاممالمتحدة وهي بالتاكيد بداية لحملة دعائية ظاهرها اخلاقي وباطنها لا اخلاقي... ولا شك انه عندما تستكثر مثل هذه الاصوات التي كانت وزيرة الخارجية الاسرائيلية ابنة زعيم عصابة الهاجاناه سباقة في اطلاقها على الضحايا والمنكوبين من النساء والاطفال ان يرى العالم ويقف على ما ألحقته بهم الحرب الهمجية الاسرائيلية فان ذلك لا يمكن ان يكون بدافع الشفقة على المشاهد او بدافع احترام مشاعرالاخرين وربما كان احرى بالذين يقودون الحملات المفتوحة ويطالبون المشرفين على تلك القنوات بتشديد المراقبة على نوعية الصور التي يمكن بثها عن الحرب ان يقفوا لمنع حدوث تلك الفظاعات التي كانت متوقعة وليس للدفاع عن الذين لم يترددوا في ارتكابها تحت انظار العالم واسماعه وفي تحد صارخ واستهزاء بابسط قواعد ومعاهدات حقوق الانسان... نعم الحرب كارثة من صنع الانسان ولا يمكن باي حال من الاحوال ان تكون كلينيكية نظيفة او من دون خسائر ولكن ما يحدث في غزة ليست حربا بالمعنى التقليدي بل عدوانا اجراميا كيفما قلبته فموازين القوى غير متكافئة بل ولا تقبل المقارنة... ولعل ما نشهده اليوم مع استمرار الحملة المسعورة على غزة ان لهذه الحرب غير المتكافئة وجها اخر اذ خلف المعركة العسكرية الدائرة تبقى المعركة الاعلامية بدورها قائمة ومستمرة والطرف الاسرائيلي حريص على ان يكسب المعركة الاعلامية سواء لدى الراي العام الاسرائيلي او الراي العام الدولي وقد بدا واضحا وامام تجاوز اسرائيل في هذا العدوان كل الخطوط والتوقعات ان المعركة الاعلامية ليست من التحصيل الحاصل او بالمكسب المضمون بالنسبة الى اسرائيل. واذا كانت القيادات العسكرية والسياسية الاسرائيلية تحظى بدعم وتاييد بل وتنعم بمظلة الامريكيين وكل الغرب داخل اروقة مجلس الامن الدولي الذي يحرص على تاخير استصدار قرار لوقف اطلاق النار ليمنح بذلك جنرالات اسرائيل الوقت الكافي لتنفيذ بقية المخططات الموضوعة للقضاء على بذور المقاومة الفلسطينية وفرض الامر الواقع الذي يسمح لاسرائيل وعبر مطية الشرعية الدولية فرض شروطها الضيقة للسلام الذي يمنح اسرائيل الارض والامن معا. واذا كان الطرف اوالاطراف العربية عجزت حتى الان في كسب المعركة السياسية والمعركة الديبلوماسية ناهيك عن المعركة العسكرية وهي غير مطروحة اصلا فان المعركة الاعلامية تبقى السلاح الذي لا يجب على الطرف الاضعف في المعادلة المفقودة ان يخسره او يفشل في ادائه ذلك ان احداث غزة بكل ما فرضته من صور الحرب ولكن ايضا من حرب الصور يجب الا تغيب عن الاذهان بل ويجب ان يستمر وقعها ليحرك مختلف المجتمعات الغربية وغيرها ايضا التي تعودت على قبول رؤية الغرب وتقبلها دون تشكيك بما منح اسرائيل دوما المجال لترتدي ثوب الضحية المستضعفة وتجعل من جرائمها المتكررة في حق المدنيين ومنذ مجازر دير ياسين وقبية والخليل والقدس وصبرا وشاتيلا وقانا وجنين وشاطئ غزة وغيرها موقعا دفاعيا عن وجودها وامنها ومصالحها... ولعل العالم يذكر بعد جريمة الطفل محمد الدرة تلك المطالب الاسرائيلية والغربية المتكررة بوقف بث تلك الصور بدعوى انها تتسبب في تغذية بذور الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام ونشر العنف في منطقة الشرق الاوسط وهو ما تكرر ايضا مع جريمة شاطئ غزة واستفاقة العالم على صرخة طفلة خرجت للنزهة مع عائلتها فاستهدفتها قاذفات اسرائيلية وابادتها بدم بارد كما تبيد اليوم اطفال غزة ولاشك ان مع تعدد واتساع رقعة الحملات الاحتجاجية في الشوارع الاوروبية والامريكية قبل حتى العربية والاسلامية وهي ترفع صورالاطفال الفلسطينيين والرضع الذين قضوا وهم نيام من شانها ان تزعج اسرائيل وتتسبب في احراجها واحراج انصارها من اصحاب القرار ورافعي راية الديموقراطية والعدالة الدولية... وهو ما يفترض ان تكثف اسرائيل في المرحلة القادمة حملتها الاعلامية بما يلجم الفضائيات في الغرب بالدرجة الاولى ويجعلها تحجم اكثر واكثر عن نقل فظاعات غزة وتتردد في نشر صورها الغارقة في الدماء وهي التي بقيت مترددة اصلا منذ بداية العدوان في تغطية تطورات الاحداث بموضوعية ومسؤولية بعيدا عن الانحياز المفضوح... قد لا يملك الاعلاميون العرب في احلك الحالات اكثر من اقلامهم يخطون بها كلمات ومواقف لا مجال معها للحياد وفي افضل الحالات قد لا يملكون اكثر من عدسة ترصد مشهدا اوتسجل حدثا ولكنها لقطات وكلمات هي ابعد ما تكون عن تغيير الواقع او التاثيرعلى صناع القرار السياسي خلف كواليس اروقة مجلس الامن الدولي ولكنها تبقى وثيقة ادانة وشهادة قد يكون لها موقعها يوما... نعم مؤلمة هي الصور القادمة من غزة وفظيعة ولا انسانية ومحطمة للنفوس والقلوب ولكن لا مجال لاسقاطها اوالتعتيم عليها فذلك هو ما يسعى اليه جنرالات الحرب على غزة....