هناك اصوات ومبدعون لا يفتقدهم المرء الا في ساعات الجدّ، اي في ساعات الضرورة الابداعية القصوى.. لانها كالبدْر تماما الذي قال عنه الشاعر: سيذكرني قومي حين يجدّ جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر واذا ما كان الفن والابداع عامة هو شكل من اشكال الاحتفال بالحياة والانسان فانه ايضا يعد في احد جوانبه شكلا من اشكال الدفاع عن الحياة والانسان والوقوف ابداعيا وفنيا في وجه اعدائهما. ولأن تاريخ الفن والابداع حافل بالشواهد الابداعية التي صاغها النبوغ الانساني في مختلف ميادين الفن والخلق والابتكار والابداع والتي ظلت ترمز الى ذلك الحضور الانساني الازلي في ساحة النضال بالفن والابداع من اجل الدفاع عن الانسان وعن الحياة فانه يبقى مطلوبا دائما من المبدعين خاصة منهم اولئك الذين يستشعرون بحق عمق الرسالة الانسانية للفن الاّ يتوانوْا والا يتأخروا في تسجيل «شهادتهم» على الاحداث من جهة والاّ يدخروا جهدا ابداعيا في سبيل اعلان موقف الانتصار لأشرف ظاهرة بشرية عرفها التاريخ الانساني الا وهي ظاهرة الدفاع عن الارض والعرض والاوطان والموت في سبيلها من جهة اخرى. ولان الثنائي لطفي بوشناق بوصفه احد كبار الفنانين العرب على الساحة اليوم وآدم فتحي بوصفه احد انبغ الشعراء الغنائيين واوسعهم ثقافة وموهنبة قد عودا الجمهور في تونس على الاقل بانتاجاتهما الغنائية ذات الصلة بقضايا الدفاع عن حق الانسان في المطلق في ان يحيا موفور الكرامة وفي مأمن من كل اعتداء على ذاته البشرية او حقوقه المعنوية (اغنية «سراييفو» التي ادان فيها هذا الثنائي الحرب العنصرية الصربية البغيضة على الشعب البوسني في البلقان) فان نفس هذا الجمهور لا يزال ينتظر منهما ان «يتحركا» ويخرجا على الساحة الفنية باغنية او بنشيد ملحمي يكون في مستوى «اللحظة» وفي حرارة «الدم» وفي عمق «الجرح» النازف هذه الايام في غزة الشهيدة.. غزة النضال والصمود والاباء.. لقد سبق للفنان لطفي بوشناق ان غنى للعراق مثلا نشيد «يا عراق المجد» من كلمات الشاعر الدكتور جعفر ماجد.. فالفنان لطفي بوشناق الذي رأيناه يحضر تظاهرة التضامن مع الشعب الفلسطيني التي دعا اليها اتحاد الكتاب التونسيين لا نظنه «يصمت» هذه المرة ولا نخاله الا محتضنا عوده و«مدندنا» باغنية مؤثرة وحماسية وعميقة فنيا وانسانيا.. اغنية عن غزة وعن شهداء غزة.. اغنية لا يمكن ان ينحت «صورها» ولا يقول «كلماتها» الا شاعر غنائي في قيمة وموهبة وثقافة الشاعر آدم فتحي.. لقد كان دائما للاغنية الوطنية فعلها القوي في نفوس الناس خاصة منها تلك الاغنية التي تكون وليدة «اللحظة التاريخية» الحقيقية.. فنشيد «بني وطني» مثلا الذي صدحت به الراحلة علية في اوج معركة بنزرت التاريخية لا يزال صداه يتردد الى اليوم في آذان الاجيال.. هذا «النشيد» الذي صاغ كلماته المرحوم عبد المجيد بن جدّو ولحنه المويسقار التونسي الكبير الشاذلي انور بقي خالدا وسيبقى لانه جاء في وقته تماما ولم يتأخر.. لذلك نحن سنقول هذه المرة وهذه مفارقة للمغني .. غنّ! وسنطلب من الثنائي لطفي بوشناق وآدم فتحي الا يتأخرا اكثر في ان «يغنيا» لغزة ولشهداء غزة ولبطولات الفلسطنيين في غزة..