اسباب كثيرة من شانها ان تدعو الى عدم الافراط في التفاؤل وتوخي الحذر في التعامل مع اعلان الامين العام للامم المتحدة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في الحرب على غزة واماطة اللثام عن الكثير من الانتهاكات والتجاوزات والخروقات التي ارتبطت بالعدوان الاسرائيلي على القطاع تمهيدا لمحاسبة المسؤولين عن مختلف الجرائم المرتكبة في حق ابناء الشعب الفلسطيني . نظريا كان يمكن ان يشكل الاعلان القادم من اروقة الاممالمتحدة مكسبا معنويا لمختلف فئات الشعب الفلسطيني وان يساهم في اعادة الامل الى الكثير من النفوس المحبطة جراء تلك الحرب الهمجية وما الت اليه من خسائر في الارواح والممتلكات وكان يمكن ايضا لهكذا خطوة ان تشكل تحولا حاسما في مسيرة المنظمة وتعيد اليها اعتبارها المفقود ومصداقيتها الغائبة لدى الراي العام الدولي والعربي لولا ان الاعلان جاء مشوبا بالثغرات والنقائص بما يؤشر الى ان كسب الرهان المطروح لن يكون بالامر الحاصل سلفا وبان الاعلان قد لا يزيد على اكثر من انه ذر للرماد على العيون واسترضاء لبعض الاصوات التي اطلقتها منظمات حقوقية عربية ودولية واوروبية للتحقيق بشان كل المجازر التي تابع العالم اطوارها على وقع الاسلحة المحظورة والقنابل الفوسفورية الحارقة... ولاشك ان ما آل اليه مصير قرار لجنة التحقيق الدولية في مجزرة جنين سنة 2002 التي يبدو ان المطاف انتهى بها الى ارشيف الاممالمتحدة اوكذلك ما آل اليه تقرير ميتشل المبعوث الامريكي الجديد الى المنطقة ليس السببين الوحيدين في اثارة الشكوك حول دعوة الامين العام للتحقيق في غزة والامر يتجاوز دائرة السجل الفاشل للمنظمة في انهاء ما تبدأه من تحقيقات في شان مختلف الجرائم الاسرائيلية المرتكبة في حق ابناء الشعب الفلسطيني ليمتد الى نص الاعلان عن التحقيق الراهن. لقد اختار الامين العام الانتظار اكثر من ثلاثة اسابيع قبل الاعلان عن موافقته على تشكيل هذه اللجنة التي ستكون مكلفة حسب الاعلان بالتحقيق في عدد من الحوادث المرتبطة باستهداف مواقع تابعة للامم المتحدة بما يجعلها محدودة في اهتماماتها وفي ابعادها واهدافها.كما لا يبدو من خلال انطلاق أعمال اللجنة خلف ابواب مكاتبها الفاخرة في نيويورك ما يمكن بدوره ان يعكس ارادة دولية حقيقية مستعدة لمواجهة الامر الواقع في غزة وتجاهل الضغوطات وعدم الرضوخ الى المطالب والشروط والقيود الاسرائيلية التي كانت وراء تحويل وجهة لجنة التحقيق في جرائم جنين وتعديل مسؤولياتها لتتحول الى مجرد لجنة تقص للحقائق قبل ان تدخل تلك اللجنة طي النسيان وتتلاشى جهود افرادها (لارسون وماري روبنسون واهتيساري وساداغو اوغاتا )و جميعهم من الخبراء الدوليين وكبار الديبلوماسيين الذين قبلوا تلك المسؤولية قبل ان يتخلوا عنها... ولعل المستقبل وحده سيكون كفيلا بازالة الغموض والرد على مختلف نقاط الاستفهام العالقة حتى لا تتحول جهود اللجنة الى مراة لتجميل صورة اسرائيل وتبرئة ذمتها...