تونس الصباح: «الازمة المالية الراهنة فريدة من نوعها وهي من اشد واخطر الازمات التي شهدها العالم منذ ستة عقود»، هذا ما اكده السيد توفيق بكار محافظ البنك المركزي لدى افتتاحه الندوة الوطنية التي نظمتها يوم امس جمعية البرلمانيين التونسيين بعنوان «الازمة المالية العالمية وتداعياتها الى أين؟». اشار السيد توفيق بكار الى ان العالم قد شهد عديد الازمات المالية كانت حدتها متفاوتة الاهمية حيث رصد صندوق النقد الدولي خلال الستة عقود الاخيرة اكثر من مائة ازمة شملت انظمة بنكية لبلدان محددة او لمجموعات اقليمية او اكتست صبغة الازمة العالمية من اهمها ازمة 1929 وازمة تداين بلدان امريكا اللاتينية في منتصف الثمانينات والازمة اليابانية في بداية التسعينات والازمة المالية ببلدان جنوب شرق اسيا منذ 10 سنوات. وبرز التعمق في الاسباب الرئيسية التي ادت في كل مرة الى بروز ازمات مالية خطرة ان كل هذه الازمات كانت مسبوقة بفترات اتسمت بوفرة السيولة والتساهل في الاقراض الذي ساهم في تكوين وتضخيم الطفرات الاحتكارية والتي كان لابد لها من الانفجار باعتبارها لا تعكس بالمرة التطور الذي يشهده الاقتصاد الحقيقي. الازمة الحالية فريدة من نوعها في سياق حديثه اكد محافظ البنك المركزي ان الازمة المالية الراهنة فريدة من نوعها تختلف عن ازمة 97-1998 التي انطلقت من منطقة جنوب شرقي اسيا والتي مردها بالاساس عدم تلاؤم سياسة سعر الصرف والسياسات النقدية مع درجة تحرير عمليات رأس المال كما تختلف عن ازمة المديونية وهي فريدة من نوعها نظرا لتوسعا الجغرافي السريع وتداعياتها الهامة على الاقتصاد العالمي وباعتبار ان البلدان الصاعدة ستتحمل تداعيات هذه الازمة دون ان تكون قد تسببت في اندلاعها. ويعد السبب الرئيسي لاندلاع الازمة الحالية توسع البنوك الامريكية بصفة مبالغ فيها في منح القروض العقارية لفائدة الحرفاء ذوي القدرة التسديدية الضعيفة او ما يسمى بالقروض ذات المخاطر العالية «Subprime»، فهذه القروض اسدتها البنوك الى فئات ضعيفة الدخل بنسبة فائدة متغيرة في فترة كانت فيها نسبة الفائدة الرئيسية في مستوى 1% وهي من اضعف النسب التي شهدها الاقتصاد الامريكي منذ 50 سنة ولما ارتفعت نسبة الفائدة المرجعية من 1% في 2003 الى 5,25% في 2006 ازدادت نسبة الفائدة المطبقة على الحرفاء باكثر من 4 نقاط مائوية وهو ما ادى الى عجز جانب كبير من المنتفعين بهذه القروض عن تسديد ديونهم. وبالاضافة الى ذلك فان هذه القروض فاق مبلغها ثمن العقار المقتني تبعا لظاهرة تواصل ارتفاع اسعار العقارات وبانخفاض سعر هذه العقارات تقلصت قدرة الحريف على التسديد وتراكمت الديون المتخلدة بمحافظ البنوك. وتشير اخر المعطيات ان الخسائر قد تبلغ ما قدره 2200 مليار دولار وان استصلاح اوضاع المصارف مازال يتطلب ضخ اموال هامة بالنسبة لسنتي 2009 و2010 وقد انتشرت الازمة الى جميع البلدان بما فيها البلدان الصاعدة وتوسعت تحت تفاعل التأثير المزدوج في القطاعين المالي والحقيقي بحيث اصبحت الصعوبات في احدهما تؤثر مباشرة في اداء القطاع الاخر بما عمق آثار الازمة التي امتدت الى مجال التشغيل في ظل الارتفاع السريع لنسب البطالة وتكمن المخاطر اليوم في احتمال دخول الاقتصاد العالمي في فترة طويلة من تراجع موازي في النمو والاسعار او ما يعرف بالانكماش النقدي «dèflation». إجراءات استباقية واضاف محافظ البنك انه رغم اهمية برامج الانقاذ والدفع الاقتصادي التي فاق مبلغها 3000 مليار دولار لم يتسن الى حد الان السيطرة على هذه الازمة والحيلولة دون ازدياد تعمقها وتطويق اثارها الاجتماعية لما لذلك من خطر على الاستقرار والنماء في العالم. وامام صعوبة الوضع المالي والاقتصادي الراهن تعاملت تونس مع الازمة بصفة استباقية منذ البوادر الاولى وبالتحديد في اوت 2007 اين تولى البنك المركزي التونسي بتعليمات رئاسية تكوين خلية يقظة واتخاذ عدد من الاجراءات ذات الطابع الوقائي تتمثل في تأمين الاحتياطي من العملة بتخفيض حصة التوظيفات المالية لدى البنوك العالمية التي كانت عرضة للازمة وتوجيهها نحو الرقاع السيادية ذات الدرجة العالية من السلامة ومساعدة البنوك الوطنية على النسج على منوال البنك المركزي لتأمين توظيفها بالخارج والعدول عن تعبئة موارد بالعملة على الاسواق العالمية والاعتماد على السوق الداخلية لتوفير التمويلات الضرورية وضبط الصيغ التي يمكن اللجوء اليها في صورة تأكد الحاجة الى تمويلات خارجية كاحكام خطوط التمويلات الخارجية او تعزيز التعاون المالي الثنائي والمتعدد الاطراف بالاضافة الى تأمين السوق النقدية الوطنية ضد تداعيات هذه الازمة وحمل القطاع المصرفي على تطوير تدخلاته في مجال البورصة من خلال احداث صندوق يهدف الى الاسهام في تفعيل دور البورصة وتجنيبها المضاربات والتطورات التي ليس لها اية علاقة بالمعطيات الموضوعية المتعلقة بالمؤسسات المسعرة بالبورصة. ونظرا لتفتح الاقتصاد التونسي واندماجه في الاقتصاد العالمي من الطبيعي ان تفرز هذه التطورات انعكاسات على الاقتصاد الوطني وخاصة على القطاعات التصديرية كالصناعات الميكانيكية والكهربائية والنسيج والملابس وكذلك على قطاع السياحة فكان لابد من توخي الحذر وقد تم احداث لجنة وطنية كلفت برصد تطور الظرف الاقتصادي الوطني والعالمي واقتراح التدابير الضرورية لمساندة المؤسسات والقطاعات التي قد تتأثر من جراء تداعيات الازمة المالية العالمية وعلى ضوء اعمال هذه اللجنة تم اقرار خطة ترتكز على محورين اساسيين يتعلق الاول بمساندة المؤسسات التي تشهد تقلصا في نشاطها ويخص الثاني دعم القدرة التنافسية ودفع التصدير وتعزيز الحركة الاقتصادية وذلك من خلال جملة من الاجراءات التي تستهدف عدة قطاعات وانشطة. وفي نهاية كلمته اضاف محافظ البنك ان خطورة الوضع اليوم تستدعي وقفة حازمة كل من موقعه حتى يتم تطويق اثار هذه الازمة على الاقتصاد الوطني والمحافظة على المكاسب الوطنية. مواجهة آثار الازمة ومن جهته تحدث الاستاذ فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب في كلمته التي القاها نيابة عن السيد عبد الرحمان بوحريزي رئيس لجنة المالية والتخطيط والتنمية الجهوية عن تداعيات الازمة التي برزت ملامحها الاولى في الولاياتالمتحدةالامريكية، قبل ان تنتشر لتشمل دول اوروبا وآسيا وسائر دول العالم بدرجات متفاوتة ولتخيم بظلالها منذ الخريف الماضي على المنظومة المالية العالمية في المقام الاول وتهدد في المقام الثاني بزعزعة اركان النظام الاقتصادي العالمي. ومن الطبيعي في ظل هذا الوضع العالمي التساؤل عن مآل هذه الازمة لاسيما ان ابرز الفاعلين الدوليين يعدون في هذه المرحلة لاتخاذ موقف موحد لمجابهتها سواء على الصعيد الاوروبي (مارس الجاري) او على صعيد مجموعة العشرين (افريل القادم) في اتجاه بحث ما يمكن اتخاذه من اصلاحات على درب اعادة هيكلة النظام المالي العالمي وان كانت تونس قد توفقت في توقي الاثار السلبية المباشرة للازمة المالية العالمية فانها تبقى امام حتمية التحسب لمواجهة اثارها في مستوى علاقاتها الاقتصادية الدولية خاصة مع الاتحاد الاوروبي كما عليها ان تبحث عن سبل الاستفادة مما قد يتيحه هذا الوضع من فرص لجلب الاستثمارات الاجنبية. أسس السوق المالية سليمة لقد تراوحت مداخلات كل من السيدين احمد كرم المدير العام لبنك الامان ورضا شلغوم رئيس هيئة السوق المالية بتونس حول بوادر الازمة ونشأتها وانتشارها في بقية دول العالم وضرورة اخذ الاحتياطات اللازمة لمجابهة وضع اكدت وتؤكد كل المؤشرات انه يتسم بالصعوبة والتأزم وان القلق يحيط بكل الجوانب التي تنذر ببوادر اندلاع ازمة قد تؤثر سلبا على اقتصادنا المحلي وبالتالي فان تونس قد عملت على اتخاذ عدة اجراءات هامة لتلافي النتائج السلبية لهذه الازمة وقد تحدث السيد رضا شلغوم عن الوضع في تونس مستعرضا كل الخطوط العريضة لمجابهة ما قد يفاجئ استقرار بلادنا التي تتأثر مباشرة بالوضع حيث انه وبعد النسق التصاعدي الذي سجله مؤشر بورصة تونس منذ بداية 2008 الى حدود النصف الاول من شهر سبتمبر فقد تراجع بداية من شهر اكتوبر تفاعلا مع الانخفاضات الحادة بالاسواق العالمية باعتبار خاصة البيوعات التي تمت من قبل بعض المستثمرين الاجانب وكذلك لاهمية العامل البسيكولوجي في هذا المجال فقد امكن التقليص من حدة ذلك الانخفاض والمحافظة على التطور الايجابي لبورصة تونس التي انهت سنة 2008 على ارتفاع في مؤشرها المرجعي ب10,7 بالمائة لاسباب موضوعية ووجيهة. وفي جانب اخر من مداخلته اشار السيد احمد كرم ان هذه الازمة التي تخيم بظلالها على العالم يجب استغلالها لفائدة بلادنا واعتماد الاستثمارات للانتفاع من الوضع وقد تقدم في مداخلته باقتراح يتمثل في انتصاب لجنة تفكر فيما بعد الازمة لان الاقتصاد الوطني لن يكون متشابها بعد وقبل الازمة التي يخشى كل العالم من تبعاتها.