البيان الذي أصدره رئيس تحرير صحيفة «مواطنون» المعارضة وعضو المكتب السياسي للتكتّل من أجل العمل والحريات السيّد جلال الحبيب يعيد من جديد الى السطح نقاشا مركزيا مهما حول علاقة النضال الديمقراطي بقضايا السيادة الوطنيّة واشكالات الارتباط بين الشأن الوطني واستدراج التدخّل الأجنبي في سلوك بعض أطياف السياسة في تونس. والحقيقة فإن هذا النقاش بقي في موقع غامض، فضفاض وهامشي إذ كان يكفي أن يثار تنبيها لسلوكات بعض المعارضين حتى ترمى هذه الإثارة في خانة التشويه المتعمّد لشرعية النضال الديمقراطي في تونس وتُتَّهم السلطة بأنها المحرّضة على ذلك حتى أصبح الأمر شبهة تقليديّة نجحت الى حدّ ما في تهميش هذا النقاش عنوانها «مؤامرات السلطة لتشويه خصومها وتخوينهم» بما يستدعي تقليديّا التعاطف المطلوب مع الضحيّة فتضيع أصول الإشكال لتختلط الأوراق ويظل هذا النقاش أسير التراشق والإلتفاف البكائي على جوهر القضيّة المتعلّق بالسقف الوطني للعمل السياسي في البلاد. استسهل البعض سلوك الإتصال بالسفارات لعرض مطالبهم السياسيّة والتنقلّ الى الخارج لنقاش مطالبهم هذه مع هيئات رسميّة أجنبيّة في هدوء ووضوح تامين دون أدنى خجل أو تردد بل وبجرأة وحماس في الردّ على كل انتقاد لمثل هذه السلوكات واتهامها ببساطة أنها تشويه من السلطة إلى درجة أن أجواء من «الارهاب الديمقراطي» قد سيطرت على عديد العقول والأقلام والأفواه النزيهة التي ظلّت تعاين بألم هذه الإنحرافات الخطيرة لكنّها تفضّل الصمت حتى لا يتمّ اتهامها بأنها أداة في مشروع السلطة لتشويه خصومها المعارضين. ولكن من باب الانصاف الإشارة الى أن الرفض لهذه الإنحرافات من منطلق التمسك بالنضال من أجل الديمقراطية ضمن سقف صيانة السيادة الوطنيّة كخطّ أحمر لا يجوز تجاوزه كان موقفا واضحا لعديد الأطراف والتيارات السياسية حتى ضمن الفضاء المعارض الذي لا يقيم علاقات وديّة مع السلطة سواء عبر مواقف بعض شخصيّاته أو حتى تيّاراته التي لا تخفي احترازها ورفضها لكل أشكال المسّ بالسيادة الوطنية باسم شرعية النضال من أجل الديمقراطية، وهنا نستحضر للذكر لا للحصر مواقف تيارات مثل مكونات المبادرة الديمقراطية (التي تضم حركة التجديد وحزب العمل الوطني الديمقراطي والحزب الإشتراكي اليساري ولفيفا من المستقلين) التي عرضت في مناسبات عديدة ليس آخرها اضراب 18 أكتوبر تناقضها مع سلوكات استجداء الدعم من السفارات والهيئات الرسميّة الأجنبية باسم قضية النضال من أجل الديمقراطية في تونس. بيان رئيس تحرير صحيفة «مواطنون» السيد جلال الحبيب قطع مع قانون الصمت داخل الطّيف المعارض التونسي وأخرج الى السطح بكل شجاعة ما كان محلّ همس خجول في الكواليس، إذ بأيّ معنى كما يقول البيان يفضل أمين عام حزب تونسي ان يناقش مسألة ترشحه للرئاسة مع أطراف أجنبيّة قبل ان يناقشها مع مناضلي حزبه؟؟! السيّد بن جعفر وفي تصريح غريب لصحيفة «Le Temps» السويسرية بتاريخ 16 03 2009 أثناء جولته السياسية الأوروبية توجه الى الحكومات الأوروبية بهذا الطلب حرفيا: «كفوا عن التعامل مع الضفة الجنوبية للمتوسط كخزّان مطافئ للأزمات وفكروا في التعامل مع بلد مثل تونس كمخبر تجارب مثالي». كم هو مؤسف ان تنحرف المواقف الى درجة يقترح فيها أمين عام حزب ويقدم النصائح والمطالب للحكومات الأوروبية لكي تعامل بلده كمخبر تجارب!! لقد استبشرنا خيرا لفائدة الإصلاح الديمقراطي في تونس وتوسيع قاعدة المشاركة حين رأينا السيد بن جعفر على منصة الاستشارة الوطنية حول التشغيل معبّرا عن مواقفه بكل حريّة من قضية حيويّة وحسّاسة تهمّ مستقبل البلد مثل التشغيل لكن الاستبشار سرعان ما تعوّضه المرارة حين يعتقد البعض وهما أن طريق مشاركتهم وأدوارهم يمر عبر منصّات جينيف وبروكسيل وسترازبورغ لامنصّات تونس والقصرين وقفصة ورمادة.. أذكر أن صديقا كان حاضرا بإحدى الندوات التي يحاضر فيها المعارض المصري سعد الدين ابراهيم نقل لي أن جامعية أمريكية تدخّلت مستوقفة الضيف المصري موجهة له الكلام: «عليكم اثبات وزنكم داخل بلدكم وليس لدى العواصم الكبرى!!». نصيحة ثمينة حتى لا يضيع العنوان مرّة أخرى.