ضمن فعاليات الدورة 27 لمعرض تونس للكتاب تم يوم الاربعاء 29 افريل تنظيم لقاء مع الروائي والسينمائي الأفغاني عتيق رحيمي لتقديم ومناقشة روايته «صخرة الصبر» التي حصل بها على أعرق وأهم جائزة فرنسية وهي «فونكور» لسنة 2008. ورواية «صخرة الصبر» هي أول عمل روائي يكتبه هذا الأديب باللغة الفرنسية لأن رواياته الثلاث الاولى: الأرض والرماد ألف بيت من الأحلام والرعب العودة الخيالية، كتبها بلغته الأم الفارسية. افتتح الجلسة السيد بوبكر بن فرج رئيس ديوان وزير الثقافة والمحافظة على التراث ومدير معرض تونس الدولي للكتاب فرحب بالضيف وعبر عن اعجابه برواية «صخرة الصبر» التي كتبت بأسلوب شيق يشد القارئ الى درجة أنه لا يتركها الا بعدما ينهي قراءتها، ولكثرة ما تثيره في قارئها من أشجان واحساس بالأسى والحيرة والتساؤل حول أهمية الكتابة ودرجة صدق المؤلف في عرض أحاسيس. أبطال الرواية ودرجة ارتباط المكتوب بالواقع المعاش في أفغانستان البلد الاصلي للمؤلف عتيق رحيمي، ثم أسند الكلمة للاعلامي سفيان بن فرحات ليدير الجلسة ويطرح العديد من الأسئلة على الضيف حول ظروف حصوله على الجائزة الفرنسية وطلب منه توضيحا حول ما قيل عنها، اذ اعتبر البعض انها جائزة سياسية تمنح لتشجيع الكتاب على الجرأة اكثر منها على القيمة الفعلية للأثر. فرد عتيق رحيمي بعد أن أكد على تفاجئه بكرم الضيافة وحسن الاستقبال في تونس والمكانة التي يحظى بها الأدب والمبدعون في بلادنا: «الملاحظة التي تفضلتم بها يمكن أن تقال على كل الجوائز العالمية، وهو ما قيل ايضا عن جائزة نوبل ثم أن هؤلاء الذين يحصلون على هذه الجوائز العالمية والتي توصف بأنها سياسية لهم نظرتهم الخاصة للعالم وقد حاربوا وناضلوا من أجلها ولهم سياسة يدافعون عنها وأنا ايضا لي نظرة خاصة لأنني قادم من بلد تعذب أهله وذاقوا ويلات الغزوات، سواء في الماضي أو في الحاضر (روسيا.. طالبان..) هذه الغزوات المتواصلة على بلدي وهذا النضال المتواصل لأهلي يجعلني بالضرورة مسيسا ويمكن أن ألخص الوضع بالقول انني لست ملتزما التزام سارتر ولكنني معني بالأمر تماما كألبار كامو، كما أنني اعتقد أن كل كتابة هي بالضرورة فعل مسيّس». وأضاف: عندما كنت لاجئا كانت اللغة الفارسية هي موطني كتبت بها رواياتي اما وقد عدت الى بلدي وأردت أن أكتب «صخرة الصبر» فقد اصطدمت بأن اللغة الأم هي التي نتعلم بها المحظورات وخاصة منها اللفظية، لذا حين أردت أن اكتب عن جسد المرأة والجنس وجدتني غير قادر على استعمال اللغة الفارسية فاستعرت اللغة الفرنسية فكتبت بها أول جملة وواصلت وتمكنت من خلالها الى التحدث بطلاقة وسهولة عن المحظورات. تداخل الكتابة السينمائية والأدبية اما في خصوص أسلوب كتابة الرواية الذي اعتمد فيه على لغة حادة وجمل قصيرة ومتوترة دون نعوت أو صفات وتأكيده على تسمية الأشياء بمسمياتها وتداخل الكتابتين الادبية والسينمائية في روايته، فقد عزاه الى أنه متأثر بلغة السينما اذ أنه مخرج سينمائي بالاساس ومسرحي ايضا ومولع الى حد الهوس بالموسيقى الكلاسيكية وقد تمكن من توظيف لغة هذه الفنون مجمعة في خدمة كتابة فصول ومشاهد روايته. وعن سؤال: هل تناضل من أجل تحسين موقف المجتمع الأفغاني من المرأة ومن أجل تغيير العقليات فيه، قال الروائي أن فعل الكتابة تجربة خاصة جدا وأن احداث روايته «صخرة الصبر» حقيقية مستمدة من الواقع حيث تجلس البطلة أمام جسد زوجها الغائب عن الوعي تماما فتحدثه بما لم تجرؤ على قوله من قبل عن وحدتها ورغباتها المكبوتة وعن معاناتها كامرأة.. فينطلق لسانها بالحديث عن المحظورات الاجتماعية والجنسية بشكل فج ومكشوف متجاوزة بذلك أساليب التورية المعتادة في أفغانستان.. ويواصل الروائي «لقد تأثرت بموت شاعرة مقتولة على يدي زوجها الذي كان يحبها كثيرا وفجعت من نظرة المجتمع لهذه الجريمة النكراء فكتبت الرواية لا من أجل المرأة الأفغانية وانما من أجل كل المجتمع ومن أجل الاطفال وخاصة منهم الذكور.. لقد تحدثت عن الانسان بصفة عامة عن سيدة عمرها 25 سنة شاعرة ارادت أن تثبت ذاتها فاغتيلت ظلما». اللغة هي الرابط الوحيد بين اللاجئ وموطنه أما عن سبب كتابة هذه الرواية باللغة الفرنسية فقد قال عتيق رحيمي أنه عاش لاجئا في فرنسا منذ سنة 1984 وقضى 24 من سنوات عمره ال47 في باريس، ثم عاد الى بلده سنة 2002 لاعداد فيلم توثيقي عن حلم الحرية الافغاني فكتب رواياته الثلاث الاولى، أما رواية «صخرة الصبر» فقد استوحاها من فيلم أعده عن مقتل الشاعرة ناديا انجومان على يدي زوجها سنة 2005. لم أشأ أن أتورط في حكم أسئلة الحضور تمحورت حول كيفية تقبل المجتمع الافغاني للكتاب المليء بالحديث عن المحظورات والجنس وعن عدم الحديث عن الحرب في أفغانستان لا من قريب ولا من بعيد، مما جعل الرواية خارج الاطار الزماني والمكاني وفند قوله بأنه كاتب معني بأمر ما يحدث في بلده، كما سئل عن عنوان الرواية وعن امكانية الابداع في أفغانستان وسط الحروب وويلاتها والانشقاقات التي يتصف بها المجتمع فقال: «منذ 30 سنة وبلدي يعاني من ويلات الحروب والغزوات، هذه الحروب تعنيني بلا شك، ولكني لم أشأ أن أتورط في حكم معين أو أتحيز مع هذا الشق دون ذاك.. ما يهمني في بلدي هو الانسان الذي يعاني ويلات الحرب اينما كانت.. وأنا لا أريد أن أعرض المنزل الذي ينفجر وينهار، وانما أرغب في أن أنقل واعرض عذاب الانسان من خلال ملامحه وهو يرى منزله ينهار..». روايتي تجد إقبالا وتشجيعا ويبدو لي أن روايتي تجد اقبالا وتشجيعا في بلدي، اذ انني أتلقى الكثير من المراسلات والارساليات الالكترونية المشجعة والمعجبة وخاصة من لدن الشباب، اما عن امكانية الابداع فأنا أرى أن بلدي فقير وامكانياته محدودة جدا، ولكننا نحاول أن ننهض بالابداع في كل المجالات، علما بأن ثمن الكتاب ليس مرتفعا وبأنه في كل يوم لنا اصدار جديد يحاول فيه صاحبه أن يتخلص من الرقابة سواء كانت سياسية أو دينية، لأن دولتنا متأثرة جدا بالاتجاهات السياسية والدينية الفاعلة في أفغانستان. صحيح أن بلدي امكانياته محدودة ولكن محاولات تطويره والنهوض به جادة».