لم يشأ أن يرحل عنا الشاعر والأديب الكبير الطاهر الهمامي قبل أن يودّع الجميع وخاصة ابنته فلذة كبده التي تقيم باسبانيا لذلك شاءت الأقدار أن يلفظ آخر أنفاسه بجانبها يوم الاثنين الفارط بعد أن ساءت حالته الصحية... لم يشأ أن يرحل قبل أن يطمئن على ابنته وصدق من قال «البنت ابنة ابيها» فها هو حبه لها كلفه مشاق السفر الى حد عندها بالاندلس حتى ينام مطمئنا ومرتاح البال. وقد وصل جثمان الراحل الطاهر الهمامي إلى تونس مساء الجمعة الفارط ودفن أول أمس السبت بمسقط رأسه بالعروسة (بوعرادة) بالشمال الغربي. وكنت قد التقيت الأستاذ الطاهر الهمامي منذ شهر بالمدينة العتيقة بتونس العاصمة حيث أخبرني أنه احيل هذه السنة على التقاعد من كلية الاداب بمنوبة أين كان يدرس بها طلبته في اختصاص الآدب. ومن انجازات هذا الرجل في هذه الكلية هو تأسيسه صحبة بعض أصدقائه للايام الشعرية وهي المناسبة التي عرّفتني به وظلّت علاقتنا مستمرة وكان رحمه الله قد استضاف في هذه التظاهرة الشعرية الجامعية الشاعر الكبير محمود درويش حيث جمعنا ثلاثتنا لقاء صحفي أجريته بمناسبة قدوم درويش مجانا أخذا بخاطرصديقه الشاعر الكبير الطاهر الهمامي. وقد كان حضور درويش بمناسبة الدورة التاسعة من الايام الشعرية التي تناسبت وقتها مع مرور 100 سنة على الشعر التونسي. ويزخر تاريخ الطاهر الهمامي الثقافي بانجازات عظيمة من أبرزها تأسيسه لحركة الطليعة الأدبية التونسية وإصداره لبياناتها في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وقد ذكر لي الأستاذ الطاهر الهمامي منذ مدة قصيرة أن تقاعده سيكون فرصة له للتأليف وأخبرني بأن له كتابا قيد الإعداد وعنوانه «بعل ولو كان بغلا» وفيه يتحدث عن العائلة التونسية وخاصة مؤسسة الزواج من منظور اجتماعي وقد التقيته بالصدفة مرة ثانية صحبة صديقه ومازحته عن الكتاب فقال لي بان المرض أتعبه ولا علم لي بمصير هذا الكتاب إن كان نشر أو لم ينشر. ويذكر إن إنتاج الطاهر الهمامي وإصداراته كانت غزيرة ولعل ما يميزها أنها كانت على نفقته الخاصة ودون دعم من أحد لا ناشر ولا وزارة الثقافة وأول هذه الإصدارات هي «الحصار» سنة 1972 وآخرها «اسكني يا جراح»... ويحظى أدبه باهتمام الباحثين العرب والأجانب نقدا وترجمة. بينما لم يحظ شعره إلا بأغنية واحدة وهي «أرى النخل يمشي» التي لحنها وغناها محمد بحر بطريقة ساخرة. ومن كتبه المعدّة للنشر حسب بعض المصادر نذكر ضد التيار (سجال في قضايا الأدب والفن)، مرثية البقر الضحوك (شعر 28)، قرنفلة (شعر) حفيف الكتابة، فحيح القراءة (بحوث ودراسات)، جمرة الصقيع، صقيع الجمرة (نصوص) قصار الصور (شعر) تجربتي الشعرية (سيرة أدبية).. وباعتبار ان الانسان يحمل شيئا من اسمه فقد كان الطاهر الهمامي رجل مبادئ وليس دسائس وكان مثالا لرفعة الأخلاق وحب الناس. فما أقصر العمر حتى نضيعه في المكائد. وحيد عبد الله