تونس الصباح للسنة الثالثة او الرابعة على التوالي ... تتوالى ظاهرة النقص الكبير المسجل في السمك في الاسواق ... ويقابلها ترفيع مشط في الاسعار... ولعل من يجرى جملة مقارنات في هذا المجال يدرك ان اسعار السمك بكل انواعه اذا استثنينا منها بعض انواع السمك الازرق قد تضاعفت مرتين او ثلاث، هذا دون الحديث عن اسعار بعض الانواع منها التي بتنا نسمع عنها ولا نشاهدها في السوق... فما هي الحقيقة الكامنة وراء غياب السمك التونسي؟ فهل يمر القطاع بأزمة هيكلية حقيقية وجبت مراجعتها أم ان عدم التحكم في مسالك توزيع هذه المادة والتفريط في بيع المحصول خارج هذه المسالك وظاهرة التكالب على التصدير تمثل الازمة الحقيقية التي تعيشها السوق المحلية بخصوص هذه المادة؟ وبعد هذا لماذا تبلغ عمليات التوريد ذروتها هذا العام ويحرم المواطن من السمك التونسي ؟ فأين يذهب المحصول اليومي منه ونحن نملك اسطولا بمقدوره تغطية حاجياتنا من هذه المادة؟ الأزمة تتواصل لسنوات وحلول التوريد غير مقنعة منذ بعض السنوات تدخلت الدولة وأولت القطاع اهمية كبرى ، حيث تم استصلاح العديد من الموانىء الصغيرة وتجهيزها وكذلك تطوير الاسطول، ولم يقع الاكتفاء بهذا فقط بل توجهت العناية لتفسح المجال من خلال عمل عميق في تمكين صغار البحارة والعمال في القطاع من التغطية الاجتماعية ... وكان التعويل على عودة القطاع الى الانتاج الوافر منتظرا لكن ماراعنا الا والوضع يبقى على حاله ويتعلل فلاحو الصيد البحرى بتعلات اخرى... وتأتي سنة اخرى لتلقي المسؤولية على الصيد بالكركارة واستنزاف المحصول البحري... لكن السؤال الذي يطرح كيف وقع هذا الاستنزاف وأين ذهب المحصول الذي لم نره في الأسواق لموسم آخر؟ وخلال السنة الفارطة بدأت أزمة السمك تتعمق وتتطور لتغيب انواع عديدة منها على السوق ولتحلق الاسعار عاليا حتى مع بعض الانواع العادية فيصل سعر نوع «الصبارص» الى 15 و20 وحتى 30 دينارا، بينما كان سعره المعتاد خلال السنوات الماضية لا يتجاوز 1.5 دينار وفي اقصى الحالات 3 دينارات... اما اذا تحدثنا عن انواع اخرى من السمك مثل البوري والميلة والقاروص والدوراد وغيرها فإن اسعارها اما تكون خيالية او هي غير موجودة بتاتا في السوق.. فأين يذهب المحصول اليومي من هذه الانواع التي بات التونسي يتمناها ولا يطال شرائها بالمرة... وهل ستصبح من الذكريات لديه ويكتفي بتعليق صورة لها في اطار لكي ينظر اليها ولا يمسها؟ ماهي الاسباب الحقيقية لتواصل غياب السمك وارتفاع اسعاره؟ ان من ينظر الى أزمة قطاع السمك والصيد البحري في تونس بشكل عام يجدها في الحقيقة قد طالت وتعقدت، ولعل الخاسر الاول في هذه الازمة هو المواطن الذي اما انه حرم من هذه المادة بسبب غيابها أو غلائها، كما انه يدرك ان أزمة السمك قد طالت بلادنا دون سواها من البلدان الاخرى المتوسطية المجاورة، التي يتوفر بها الانتاج وتعمل اساطيل الصيد فيها بشكل عادي. فنحن لم نسمع عن ازمة في هذا القطاع مثلا في ايطاليا أو فرنسا او اسبانيا أو المغرب او الجزائر او ليبيا. والسؤال المطروح هو لماذا هذه الازمة في تونس فقط؟ وهل هي من نوع الازمات الهيكلية التي يمر بها القطاع أم ان المشكلة تكمن في عدم احكام سير مسالك التوزيع ، بل في تجاوزات لها عبر تعاملات موازية للتفريط في السمك بأساليب مختلفة وغير منظمة، الامر الذي انعكس على مسالك التوزيع وقنواتها الرسمية وعلى السوق في حد ذاتها؟ ان مشكلة القطاع على ما يبدو قد بدأت منذ ان تم حل الديوان الوطني للصيد والبحري خلال العشرية الماضية ... ولعلنا نحس بتوالي الازمات منذ ذلك الحين وبتراجع الانتاج وتشتته وبعدم استقرار نشاط السوق وبتذبذب الاسعار وبتوجهها نحو الارتفاع من سنة الى اخرى ومن موسم الى آخر ... ورغم العمل على تطوير المنظومة والاهتمام بها في كل الجوانب ، فإن الوضع بقي على حاله، بل تأزم من سنة الى اخرى... وهذا البعد في الازمة قد يكون سببه هيكلة القطاع الحالية بعد ان شملها التفويت ولم يعد القطاع العمومي متحكما وفاعلا فيها بالشكل الذي كان عليه في السابق. في مجال توزيع السمك ودور المسالك اننا لو ننظر بعين الواقع لنجد ان دور المسالك هو توزيع المحصول اليومي من مادة السمك، وبهذا فان هذه المسالك لا تمثل الا دور الاداة في احكام ما يصلهامن انتاج، وندرك ايضا جملة المساعي والبرامج التي تمت خلال السنتين الاخيرتين في مجال تحسين آداء المسالك وتطوريرها كان هاما، لكن على ما يبدو ُإن المحصول اليومي من السمك لا يمر من هذه المسالك في نسبة هامة منه، فالبعض من المحصول يوجه للسياحة والبعض الاخر للمطاعم وكميات هامة تذهب مباشرة للتصدير، وما يبقى للمسلك والسوق المحلية سوى القليل. وهذا ليس في الحقيقة خارج عن نطاق نشاط المسالك أن ما يوزع من سمك خارج قناواتها لا يحسب عليها. وهو في الحقيقة نوع من النشاط الموازي غير القانوني. ولعلنا نسمع اكثر من هذا على هذا النشاط الموازي حيث يتردد ان كميات هامة من محاصيل المراكب ووحدات الصيد التونسي يفرط فيها بالبيع في عرض البحر. وبقدر ما نستبعد هذه الاحاديث والاخبار فإننا لا نملك سوى الاشارة اليها على اعتبار انها تمثل ربما سببا يراه البعض في تراجع اداء القطاع وغياب السمك وارتفاع اسعاره في السوق. تعديل السوق عبر توريد انواع السمك منذ الصائفة الماضية لجأت وزارة التجارة والصناعات التقليدية الى تغطية النقص المسجل في مادة السمك عبر التوريد وذلك لتعديل السوق. وتشير مصادرها الى ان توريد هذه المادة يتم من عديد البلدان الشقيقة والصديقة بكميات هامة. ولعل تدني الانتاج الوطني من السمك الذي بلغ حد 18 طنا قد دعا الى تعديل السوق لتلبية حاجيات المواطن وهو من الامور الطبيعية جدا والمعمول به كلما تعلق الامر بمادة استهلاكية. وحل التوريد في الحقيقة يبقى مهما كانت اسبابه ظرفيا ولتجاوز وضع ما . فماذا عنه في هذا المجال، وبماذا سيقع تعليل مواصلة توريد السمك، هل بالنقص المسجل في اعماق البحر التونسي من السمك؟، هل بمحدودية اداء الاسطول؟ هل بضبابية هيكلة القطاع؟ كلها اسئلة لا نملك الا ان نطرحها على اهل القطاع والمشرفين عنه املا في الخروج بالقطاع من ازمته وتوفر هذه المادة بالسوق وعقلنة اسعارها