تونس - الصباح: مع تزايد الرصيد العقاري للبلاد التونسية وامام التوجه نحو البناء العمودي والملكيات المشتركة،كان لا بد من تعاط ايجابي مع هذا النمط الجديد من الحياة الذي ادخل تغييرا على المشهد البيئي والصحي للمدن. وكان لا بد من ايجاد صيغ منظمة لهذا المشهد الجديد بهدف المحافظة على الأجزاء المشتركة بالمركبات العقارية والعمارات وتعميق وترسيخ لثقافة التعدد والعمل الجماعي التضامني وضمان حسن العيش فيها وتأمين جمالية ونظافة وسلامة هذه الأحياء من اجل عيش مشترك سليم وهانئ. ومن اجل هذا الهدف تمّ في السنوات الاخيرة سن عدة قوانين وتشريعات نظمت الملكية المشتركة وحددت حقوق وواجبات مالكي ومتساكني العمارات ونظمت العلاقات بين المالكين وضبطت التصرف في فضاء العمارة.ومن بين ما تم التنصيص عليه صلب فصول مجلة الحقوق العينية فرض مهنة الوكيل العقاري سواء كان محترفا أو متطوعا. وحددت مسؤولياته المتمثلة اساسا في ادارة الاجزاء المشتركة للمبنى او العمارة او مجموعة العمارات المتواجدة في حي واحد، وصيانة هذه الاجزاء والقيام بالاجراءات القانونية والادارية الخاصة بالمباني والعقارات والاهتمام بالواجهات الخارجية والداخلية للمباني والاضاءة والحدائق وغير ذلك. وقد صدر القانون عدد 78 لسنة 2005 المؤرخ في 4 أوت 2005 والمتعلق بتنقيح مجلة الحقوق العينية وذلك قصد تدعيم احكام مؤسسة النقيب العقاري واكساب هذه المؤسسة النجاعة الضرورية وذلك بتمكين الوكيل العقاري من ممارسة مهام النقيب العقاري المحترف الذي من مهامه استخلاص مساهمات المالكين بمختلف الطرق ومنها حتى القضائية وكذلك مباشرة بقية مهامه الاصلية المتمثلة اساسا في مباشرة عمليات التصرف العقاري وتنظيم العلاقات بين المالكين وتذليل الصعوبات والنزاعات بينهم وتحديد حقوق والتزامات كل واحد منهم. وقد حدّد القانون عدد 78 الذي أدخل تنقيحات على مجلة الحقوق العينية في فصلها 97 الإطار القانوني المنظم لمهنة النقيب العقاري المحترف واخضع هذه المهنة لكراس شروط تضبط مهامه وحقوقه وواجباته وطرق مباشرته لمهمته التي تحولت الى وظيفة فعلية بمقتضى القانون الصادر في 30 جانفي2006 . وبالتالي أصبح النقيب العقاري بمقتضى القانون المذكور محترفا لهذه المهنة الى جانب وجود نقباء متطوعين من بين السكان. النقيب المحترف وحسب مصادر من وزارة الداخلية والتنمية المحلية ،يوجد اليوم في تونس حوالي 6500 نقيب عقاري بينهم 862 محترفا وهو رقم يبقى دون المامول بالنظر الى عدد العمارات والاحياء السكنية المشتركة اليوم في تونس والذي يفوق ال 100 ألف. وقد تركزت مهمة النقيب المحترف في بادئ الامر على اصحاب الشهائد العليا الذين تم تشجيعهم على الانخراط في هذه المنظومة وقد استجاب عدد من الشباب لهذه المبادرة وعملوا على ان يكونوا اللبنة الاولى من النقباء المحترفين خاصة ان الوظيفة مضمونة ولا تتطلب مجهودا ماليا او اسثمارات معينة خاصة ان البلديات فرضت على كل المجمعات السكنية ذات الملكية المشتركة والمشاعة مثل العمارات والمجموعات السكنية ان يكون لها وبمقتضى القانون نقيبا عقاريا محترفا. صعوبات ومشاكل لكن هذا التمشي وهذا التشجيع جوبه بعدة صعوبات ومشاكل حالت دون نجاح الفكرة وتوسعها وظلت عديد الاحياء والعمارات دون نقيب تعاني الامرين من اوساخ وفوضى وانعدام انارة وتدهور للبنية التحتية للاجزاء المشتركة كما ان البعض ممن تجرأ في البداية وقبل الصعوبات وتجاوزها قابلته عدة عراقيل اخرى حالت دونه ودون مواصلة العمل فتخلّى عن المهمة.. ومن بين الصعوبات التي ساهمت في افشال خطة النقيب المحترف للمركبات العقارية والعمارات الاجراءات الادارية والشرط المالي المنصوص عليه في كراس الشروط.. فهذا الكراس تفرض على كل من يرغب في ممارسة خطة نقيب عقاري محترف توفير ضمان مالي يقدر ب5 الاف دينار على الأقل لتغطية كل ضرر يلحق بنقابة المالكين (الفصل 17 من كراس الشروط).. هذا الضمان هو عبارة عن ضمان للمسؤولية المدنية تم فرضه تحسبا الى اي تجاوز للقانون من قبل النقيب او الى اية اختلاسات مالية خاصة ان من بين مهام النقيب جمع الأموال من المالكين واستخلاص مساهماتهم.. ويبقى المبلغ مودعا كضمان لدى المصالح البلدية.. ورغم ان هذا المبلغ يمكن توفيره من قبل البنك التونسي للتضمان في اطار قروض مشاريع اصحاب الشهائد العليا فان ضخامة المبلغ واجراءات القرض لم تشجع كل من فكّر في ممارسة مهمة النقيب العقاري على المغامرة وخوض التجربة. جانب آخر مهم مثّل عقبة امام نجاح تجربة النقيب العقاري وهو عزوف اغلب سكان العمارات والمجموعات العقارية المشتركة عن الوفاء بالتزاماتهم والقيام بواجباتهم تجاه النقابة وأهم شيء هو دفع المساهمات المالية بصفة منتظمة وآلية والتمييز بين المصاريف المشتركة التي تكون من المساهمات والمصاريف المتعلقة بصيانة واصلاح الاجزاء المفرزة والتي يجب ان يتحملها المالك او المتصرف في الجزء المعني والمصاريف المتعلقة بصيانة واصلاح الحواجز المشتركة بين جزئين مفرزين والتي يجب ان يتحملها الشريك مع جاره. فأغلب السكان لا يميزون بين ما يجب ان ينفق من المساهمات المشتركة وما لا يجب .. فالمصاريف المشتركة تتمثل فقط في المصاريف الناجمة عن صيانة وادارة الاجزاء المشتركة والمعاليم والاتاوات المحمولة قانونا على النقابة ومصاريف التنظيف واستهلاك الماء والكهرباء للأجزاء المشتركة والمشاعة (سلم العمارة، الساحات، الحديقة)..، مصاريف الحراس والتأمين، المنح المخولة سنويا لرئيس النقابة طبق ماتقرره الجلسة العامة والمصاريف الضرورية لتسيير النقابة. وكمثال على ما يتعرض له النقيب العقاري من صعوبات في آداء مهامه ما رصدته بلدية تونس في تقرير لها صدر سنة 2008 يفيد أن عدم استكمال البلدية لعملية تركيز النقابات يعزى إلى تحريض بعض المتساكنين على رفض النقيب العقاري المحترف وعدم التعامل معه والاعتراض على خدماته. واشار التقرير كذلك الى تعرض بعض النقباء إلى العنف اللفظي والجسدي ومنعهم من أداء مهامهم بالإضافة إلى سرقة المعدات وتكسير التجهيزات وإلى وجود صعوبات في تنفيذ الأمر بالدفع وكثيرا ما تثقل إجراءات ومصاريف مطالب الأمر بالدفع كاهل النقيب العقاري وتؤثر على وضعه الاقتصادي وعلى أداء مهامه.. ومن الإشكاليات الأخرى التي كشف عنها هذا التقرير نجد تباطؤ عدول التنفيذ في تنفيذ الأوامر بالدفع بالسرعة والنجاعة المطلوبتين. تطبيق القانون ومراجعة كراس الشروط والمطلوب حاليا لتفعيل القانون المؤسس لمهنة النقيب المحترف قيام كل بلدية بجرد العمارات التي لم يستجب أصحابها لمقتضيات مجلة الحقوق العينية والتنبيه على متساكنيها بضرورة تعيين نقيب محترف أو على الأقل نقيب متطوع يسير شؤون العمارة والفضاءات المشتركة. الى جانب مراجعة كراس الشروط وخاصة شرط الضمان المالي الذي لا يقدر عليه بعض الشبان.مع ضرورة فرض الاجراءات القانونية ضد كل من يتلدد او يتخلف عن دفع ما هو مطالب به من مساهمات مالية للتصرف وتيسير الملكية المشتركة خاصة ان اغلب التجارب التي لم تعتمد النقيب المحترف اقتصرت على نقابة متطوعة ومنتخبة فشلت في القيام بمهامها وهو ما عاد بالسلب على حسن عيش هذه المجموعات السكنية وتسبب في تدهور الملكيات المشتركة مما انجر عنه تدهور القيمة العقارية لهذه الاحياء.