ساركوزي وصفه ب"الصديق الكبير الوفي لفرنسا".. وشيراك رأى فيه "حكيما" أما وزير الخارجية كوشنار فاكتفى بكونه "صديقا".. هكذا تحدث هؤلاء عن الرئيس الغابوني الراحل عمر بانغو عميد الرؤساء الأفارقة بعد أن قضى قرابة 41 عاما في الحكم اعتنق خلالها الإسلام عام 1973 بعد أن أصبح كاثوليكيا في 1965 من أجل أن يحظى بمقابلة بابا الفاتيكان آنذاك بولس السادس. وبقطع النظر عن هذه التحولات في حياته الشخصية فإن مواقفه السياسية اتسمت بالثبات وخصوصا فيما يتعلق بالعلاقات مع فرنسا حيث ظل يشكل إلى حد وفاته أحد أركان ما يعرف ب"Françafrique" وهو المصطلح الذي صبغ علاقات فرنسا مع البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى وساس هذه العلاقات منذ استقلال تلك البلدان. وبوفاة بانغو تكون فرنسا قد خسرت إحدى أبرز الحلقات في سياستها تجاه إفريقيا وهي سياسية اتسمت بالاستمرارية رغم تداول رؤساء من اليمين واليسار على الإيليزي ولا شك أن مفهوم "فرنساإفريقيا" سيكون محل تساؤل خصوصا أن عديد الرؤساء الأفارقة فارقوا الحياة وكانوا محاور أساسية في ترسيخ هذا المفهوم على مدى العقود الماضية مثل الرئيس السنغالي السابق سنغور والإيفواري بوانيي. لقد كان رئيس ساحل العاج الراحل بوانيي أول من استعمل بل استحدث مفهوم "فرنساإفريقيا" عام 1955- أي قبل سنوات عديدة من تولي بانغو الحكم في بلاده - لوصف العلاقات الجيدة والوثيقة بين القوة الاستعمارية السابقة والبلدان الإفريقية المستقلة منذ ستينات القرن الماضي ولعل من طرائف هذه الخصوصية أن بوانيي - مثلا" كان نائبا في البرلمان الفرنسي ويناضل من أجل استقلال بلاده. ربما تكون فرنسا قد خسرت صديقا تقليديا آخر لكن عدة تساؤلات تطرح بخصوص مستقبل "فرنساإفريقيا". انها علاقات كثيرا ما تثير جدلا في القارة الإفريقية وحتى في فرنسا نفسها بلد حقوق الإنسان والمناصر لقضايا التحرر والمحتفظ أيضا بأقدم المستعمرات وآخرها في المحيطين الهادي والأطلسي. ويتجسد واقع العلاقات الحالي في ثلاثة عناصر: - جيواستراتيجي حيث تحتفظ فرنسا بخمس قواعد عسكرية في كل من السنغال وتشاد والكوت ديفوار والغابون وجيبوتي إضافة إلى قواعد في جزيرة مايوت (في أرخبيل جزر القمور) وجزيرة رينيون؟ - اقتصادي بما تمثله إفريقيا من سوق للبضائع الفرنسية ومن مصدر للمواد الأولية إضافة إلى كون تلك البلدان تمثل موطئ قدم "قارا" لكبرى الشركات الفرنسية العاملة في قطاع النفط وغيره. - التداخل بين السياسة والمال وهو ما تكشف عنه بين الفينة والأخرى الفضائح المالية لدى الجانبين ولعل أحدثها الفضيحة التي قال كتاب صدر في فرنسا قبل أشهر ويحمل عنوان "Le Monde selon K". أن برنار كوشنار وزير الخارجية الحالي مورط في قضايا استغلال نفوذ بين 2002 و2007- أي قبل توليه الوزارة- من خلال شركة للاستشارات أنشأها اثنان من مساعديه وقد ذكر اسم الغابون في هذا الكتاب. ولقد اعتقد البعض أن انتخاب ساركوزي رئيسا لفرنسا سيغير نوعية العلاقة بين فرنسا وتلك البلدان الإفريقية خاصة بعد محاولته إعطاء توجهات جديدة لتلك العلاقات في خطاب ألقاه بالكاب في جنوب إفريقيا ثم مطالبة كاتب الدولة الفرنسي للتعاون والفرنكفونية جان ماري بوكال علنا يوم 15 جانفي 2008 بوضع حد ل"فرنساإفريقيا" وهو ما أثار غضبا شديدا لدى عمر بانغو ليصبح بوكال كاتب دولة للدفاع مكلفا بالمحاربين القدامى ويغلق القوس نهائيا وتستمر الأمور كما أرادها السابقون في فرنسا وفي إفريقيا..