إطارات وعمال يفضلون التغيب عن العمل لفترات قد تطول أو تقصر على أمل أن تهدأ تلك الحملات ومقاه فقدت الكثير من روادها حسب القائمين عليها. لماذا يظل موضوع الخدمة الوطنية في أذهان الشباب "كابوسا" مزعجا يقض مضجعهم في كل مرة يتم فيها القيام بحملات تجبر من وقع في قبضة الامن على أداء الخدمة وكأنه يقاد إلى جهنم.؟ "الصباح" رصدت آراء بعض الشباب عن سبب تهربهم من أداء الخدمة الوطنية. لقد طرح موضوع "الرافل" والحملات الامنية مخاوف لدى الشباب مرد بعضها الجهل بظروف تأدية الخدمة الوطنية وشروط الاعفاء منها او تأجيلها والامتيازات التي يمكن أن يجنيها الشاب المتطوع من أداء الخدمة، كما أن العوامل الاجتماعية والمادية تشكل سببا قويا لدى معظم الشباب المتهربين من أداء الخدمة الوطنية. تونس الصباح سمير صاحب شهادة عليا تخرج منذ أكثر من سنتين ويبحث عن عمل قار، خير هذه الايام ملازمة المنزل وعدم المجازفة بالخروج خوفا من إجباره على أداء الخدمة، رغم أنه دعي للمشاركة في مناظرة انتداب؟ ومن خلال رصدنا لاراء بعض الشباب عبر بعضهم خاصة الذين تمكنوا من الظفر بعمل قار، عن تخوفهم من تأثير المبالغ المقتطعة من الدخل الشهري في صورة ما إذا اختار المعني التجنيد عبر آلية التعيينات الفردية على واقعه الاجتماعي والمادي واستقراره النفسي.؟ هذه الهواجس عبر عنها منير (إطار في إحدى المؤسسات ويستعد هذه الصائفة للزواج) يقول "أعيش في رعب كبير منذ أن بدأت الحملات الامنية، وسبب تخوفي ليس في مبدإ القيام بالخدمة بقدر الضغوطات المادية التي تحاصرني من كل مكان بسبب استعدادي للزواج". قبل ان يضيف:" لست مستعدا لاداء الخدمة حتى عبر آلية التعيينات الفردية فزوجة المستقبل في حالة بطالة ولا أظنني قادرا على التوفيق بين الزواج وأداء الخدمة". نفس الموقف تقريبا لمسناه لدى علي (عامل يومي) الذي يستعد هو أيضا للزواج أكد أنه ومنذ أسابيع اتخذ الاحتياطات اللازمة لما رأى بنفسه "اولاد حومتو" يمسكون بهم الواحد تلك الاخر ويرسلونهم إلى مراكز التجنيد. وقال " تصوروا استعنت بكتب صداقي حتى أظهره لاعوان الامن في صورة الامساك بي، لعلهم يرأفون لحالي". قبل ان يضيف بنبرة لا تخلو من القلق "أعرف أنه واجب وطني، لكن ما باليد حيلة، ظروفي الاجتماعية والمادية تمنعني من ذلك، فقد أخسر عملي، وحتى لو خيروني التجنيد عبر التعيينات الفردية انا متأكد أني ليس فقط سأخسر وظيفتي لكن أيضا سيفشل زواجي الذي أجلته لسنوات بسبب قلة ذات اليد". وإن كان لمنير مبرراته في التهرب من الخدمة الوطنية، فإن محمدا (عاطل عن العمل) اختار الانزواء بأحد أركان مقهى شعبي وكانت بادية على وجهه علامات الحذر والتوجس، والاستعداد.. قبل أن يطمئن لهويتنا ويكشف عن سبب تهربه من "الرافل" إذ أرجع ذلك إلى "أسباب نفسية" لكنه أكد في المقابل "لست ضد أداء الواجب الوطني، لكني أخير أن أقبل على التجنيد بنفسي بشكل تطوعي وأنا مقتنع بقراري". الطريف في الامر أن محمدا أفلت أكثر من مرة من الوقوع في قبضة الحملات الامنية، وأصبح يغير مكانه كل يوم، ويتجنب المقاهي المزدحمة، او ركوب الحافلات والمناطق التي قد تشكل هدفا لتلك الحملات. تشير تقديرات وزارة الدفاع الوطني الى ان الجيش لا يستقبل حاليا سوى 25 الى 30% من الشبان الذين هم في سن الخدمة. غير أن فكرة التجنيد ليست دائما مرفوضة من الشباب، بل يراها البعض من زاوية أخرى، فالتجنيد آلية سانحة ليس فقط لاثبات الذات ونحت الشخصية، لكن أيضا طريق لضمان المستقبل المادي والوظيفة المحترمة، هكذا رآها الشاب ناصف (21 سنة، تلميذ وعامل موسمي) الذي ظفر بعمل موسمي بإحدى شركات المناولة رغم أنه ما يزال تلميذا، لكن موقفه من التجنيد ايجابي " قد تستغرب لو قلت لك أني أرغب بشدة في التطوع لاداء الخدمة، وهدفي هو البقاء في المؤسسة العسكرية والاختصاص في إحدى المهن التي توفرها في مراكز التكوين التابعة لوزارة الدفاع، لقد سمعت الكثير عنها واعرف عددا من أصدقائي نجحوا في حياتهم المهنية بعد التحاقهم بالجيش". نفس الفكرة تقريبا لمسناها لدى صابر (تلميذ 20 سنة) ولو أنه استغرب من تهرب بعض الشباب من أداء الخدمة العسكرية رغم أنه لا توجد لديهم أسباب مقنعة. لكن زميله محمد، يرى ضرورة التمييز بين من له الامكانيات المادية ومن لا يملك إلا دخله الشهري المتواضع، وقال "اعرف البعض ممن ينتمون لعائلات ميسورة تجنبوا أداء الخدمة الوطنية عبر آلية التعيينات الفردية بعد ان دفع عنهم آباؤهم المبلغ السنوي المطلوب دفعة واحدة، إلا أن بعض الشبان قد تتأثر أحوالهم المادية إذا تم اقتطاع نسبة من دخلهم الشهري، وهذا الجانب يجب مراعاته بشكل عميق". "يا حسرة على أيام زمان" هكذا علق عبد العزيز (40 سنة) مقارنا بين "رافل" اليوم و"رافل" الامس، وقال" لقد أديت واجبي الوطني منذ عقدين من الزمن، في السابق كان كل الشبان تقريبا ملزمون بأداء الخدمة حتى أن مراكز التجنيد كانت تغص بهم، اما شباب اليوم وبعد ان انتهى عهد "الرافل" القديم، أصبحوا مدللين أكثر من اللازم على حد تعبيره".