تونس - الصباح حمّل الأستاذ عبد الباقي الهرماسي رئيس المجلس الأعلى للإتصال وسائل الإعلام وخاصة الإعلام الديني والفضائيات الخاصة التي تلتجئ للتيارات السلفية لغايات نفعية مسؤولية تعميق منطق الصدام وتأبيد الصراع بين الحضارات. كان ذلك خلال إلقائه مساء أول أمس لمحاضرة بعنوان "الإعلام وتحديث المجتمعات العربية والإسلامية" بدعوة من منتدى تونس للسلام. وكان السيد أبو بكر الخزوري وزير الشؤون الدينية قد مهّد للمحاضرة بكلمة ذكّر فيها بقيمة المحاضر العلمية والفكرية وخبرته في المجال السياسي بحكم تقلده لسنوات وزارة الثقافة بتونس قبل أن يمسك حقيبة الشؤون الخارجية ببلادنا. والمعروف أن للأستاذ عبد الباقي الهرماسي الحاصل على دكتوراه الدولة في علم الإجتماع من جامعة كاليفورنيا الأمريكية تجربة في التدريس بالجامعات التونسيةوالأمريكية وله عدة دراسات في سوسيولوجية السياسة والثقافة بالخصوص إلى جانب اهتمامه بالجمعيات العلمية والفكرية. وحضر جمع غفير من المهتمين الأمسية التي انتظمت بفندق أبو نواس تونس سابقا (لايكو حاليا) وكان من بينهم مفتي الجمهورية وعميد السلك الديبلوماسي وعدد كبير من الجامعيين وإطارات وزراة الشؤون الدينية إلخ... اختطاف الإسلام الحديث والحديث باسمه وتنبأ المحاضر بعد استعراض أسباب ظهور الحركات الدينية السلفية بالمنطقة العربية والإسلامية بزوال عهد هذه الحركات فقال أن التيارات السلفية قد تكون اليوم استنفدت الكثير من طاقاتها خاصة وأنه بدأت تظهر مؤلفات ودراسات تؤشر إلى نهاية التطرف ووصوله إلى ما أسماه بالطريق المسدود. وكان الأستاذ عبد الباقي الهرماسي قد ذكّر في مطلع كلمته بالطفرة الإعلامية التي تمخض عنها خلط بين ما هو ديني وما هو سياسي. كما أفاد أن عجز الدولة الحديثة عن مجابهة عديد الإشكاليات ساهم في ظهور ما أسماه بالحركات الإسلاموية. وقد عمقت هذه الأخيرة في نظره منطق الصدام وساهمت في تكريس فكرة تأبّد الصراع بين الحضارات وفق نظرية صامويل هانتنغتون مثلا. ووصل المتطرفون حسب رأيه إلى حد اختطاف الإسلام الحديث والحديث باسمه ولم يجدوا ردعا كافيا في رأيه من النخب فنتج عن ذلك ما أسماه بفوضى الإفتاء. لكنه اعتبر أن هذه الحركات تواجه اليوم فشلا ذريعا لأن أغلب المثقفين والديمقراطيين أصبحوا يتجنبونها بعد عجزها عن إنتاج ثقافة مطمئنة. ولم تنته مع ذلك الأسئلة حسب المحاضر حول دور الإعلام في تحديث المجتمعات. القضية في رأيه تتجاوز حجم الإعلام. الأمر يتعلق ببناء مجتمع حداثي. ويمثل التأسيس للمجتمع المنشود حسب تأكيده مرحلة طبيعية في مسار المجتمعات التاريخي. ويقول في هذا الصدد. إن المجتمع الحداثي مجتمع معرفة وعلم وثقافة وهو ينشأ عن تنمية شاملة تشعر المواطن بأنسنته وهو ينشأ كذلك عن وعي المواطن بموقعه ودوره في صياغة هذا المجتمع والكل يشارك في بنائه بدءا بالعائلة والمدرسة والمجتمع المدني إلخ... مذكرا بالسؤال الأساسي الذي يطرح اليوم : كيف يكون الإعلام ذا فاعلية في المجتمعات؟ ما يسمى بالإعلام السليم يحمل الإعلام الذي يتجشم عناء مسؤولية المساهمة في تحديث المجتمعات العربية والإسلامية صفة محددة عند المحاضر. صفة الإعلام السليم. أي ذلك الذي يتوخى الواقعية والوضوح ويلتزم الحقيقة والصدق. أما التحديث فهو يقصد به التنوير أي الإنفتاح على الثقافات والقطع التام مع ثقافة الإنغلاق. ودون أن يستسهل مسألة التعامل الإيجابي مع الثقافات الأخرى عند النخبة دعا الدكتور الهرماسي إلى ضرورة الإنتباه إلى أن التحديث لا يعني أن تصبح كل المجتمعات متشابهة مستشهدا بالحضارة الغربية التي لم تنقطع في يوم ما حسب تأكيده عن موروثها الحضاري. وأفرد الأستاذ عبد الباقي الهرماسي التجربة التونسية بحيز هام من محاضرته حيث وصفها بالإستثناء المثالي. وقال عن هذه التجربة أنها عرفت كيف تنصهر في الجهد الإنساني للتحرر من أسباب الإنعزال والإنغلاق. وعدد المحاضر الإنجازات التي تم اتخاذها لفائدة الإعلام في تونس من بينها دعم الإعلام القائم على الحوار والإعلام الجهوي والإعلام المسؤول الذي يبلغ صوت المواطن ويعلم المهارت التي تتطلبها عملية التحديث وينقد ويقبل النقد والذي يعتمد على التكنولوجيا الحديثة أي ذلك الإعلام الذي يسعى إلى تحديث ذاته وتحديث المجتمع ليتساءل في نهاية الأمر هل يمكن الحديث عن دور الإعلام بمعزل عن الحديث عن تحديث الإعلام في حد ذاته. وتجدر الإشارة إلى أن المنتدى الفكري تونس للسلام الذي تشرف عليه وزارة الشؤون الدينية ينتظم بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي. وقد انطلقت التجربة منذ سنة 2005. واستضاف المنتدى عددا من الشخصيات من بينها الأستاذ الشاذلي القليبي والأستاذ الشاذلي العياري. ولا تقتصر أنشطة الفضاء على المحاضرات. هناك أيضا عروض سينمائية هادفة إضافة إلى توثيق الأنشطة وترجمتها. ولخص وزير الشؤون الدينية بنفس المناسبة أهداف المنتدى فقال بالخصوص أنه يرصد ما يبذل من جهود لتكريس قيم السلام والتسامح وتقديم الصورة الصحيحة للإسلام ومبادئه.