مجموعة من عدول الاشهاد النساء يروين الصعوبات و«العقليات»! مفتي الجمهورية يجيب موضّحا: كتابة عقود الزواج على يد امرأة صحيحة شرعا تونس - الاسبوعي ارتبطت صورة عدل الإشهاد لدى عامة الناس بتلك الصورة النمطية لذلك الرجل الذي يرتدي جبة بيضاء وشاشية» حمراء ويحمل بيده دفترا يسجل فيه اسمي الزوجين والشاهدين على الزواج. هذه المهنة سميت على الرجال وظلت الى وقت غير بعيد حكرا عليهم. لكن منذ 1994 تاريخ صدور القانون الاساسي الذي نظم مهنة عدول الاشهاد اقتحمت المرأة هذا الميدان وتغير المسمى من «عدول» الى عدل إشهاد. اليوم يناهز عدد عدول الاشهاد في تونس ألف شخص نجد أن حوالي ربعهم من النساء (أكثر من 200 امرأة دون اعتبار المتخرجات مؤخرا من المعهد الأعلى للقضاء). ومن جملة المهام التي يقوم بها عدل الاشهاد تحرير عقود الزواج. وهذا هو بالضبط موضوع تحقيقنا الذي أردنا من خلاله أن نعرف ما هي الصعوبات التي تعترض عدل الاشهاد -المرأة- إذ يبدو أنها مازالت مرفوضة في بعض الأوساط الاجتماعية بسبب بعض العقليات التي لم تفهم دورها بالضبط وربطته باعتبارات دينية خاطئة. «الأسبوعي» قامت بجولة في ثنايا هذا الموضوع مهنيا واجتماعيا ودينيا من خلال رأي سماحة مفتحي الجمهورية الشيخ عثمان بطيخ. «لا فرق عندي بينهما» الآنسة «سهام» تستعد للزواج آخر هذه الصائفة. سألتها إن كانت تقبل أن تعقد قرانها امرأة فقالت: «بالنسبة لي لا مانع عندي مطلقا ولا أرى أي فرق بين أن يعقد قراني رجل أو أن تعقده امرأة . وخطيبي أظن أنه لا فرق عنده بين الإثنين. وتبقى المسألة متعلقة ربما باختيار أهله. والمهم عندنا أن يتم عقد القران وفق النواميس والتقاليد التونسية». لماذا نقبلها في البلدية ونرفضها خارجها؟ هذا الرأي المتعجب يحمل إمضاء الزميل صابر سميح بن عامر الذي يستعد للزواج بعد شهر رمضان . صابر أضاف بكل حزم قائلا: «عندما تزوج أخي عقدت قرانه ضابط حالة مدنية امرأة في البلدية. فلماذا نقبل المرأة التي تحرر العقد في البلدية ونرفض المرأة التي تقوم بنفس المهمة في منزل العروس أو العريس؟ بالنسبة إليّ لا أرى أي مانع مادام الامر صحيحا من الناحية القانونية ولا لبس فيه». ويضيف صابر مازحا: «مادام عدل الإشهاد الرجل يرتدي الجبة والطربوش فإني لن أقبل أن تعقد امرأة قراني الا اذا ارتدت الفوطة والبلوزة». مهنة الرجال؟ أهل مكة أدرى بشعابها بكل تأكيد. لذلك كان علينا أن نتحدث مع صاحبات المهنة وانطلقنا مع الأستاذة حياة عياد الكائن مكتبها بضاحية باردو. الاستاذة حياة قالت: «منذ صدور القانون الاساسي الذي ينظم مهنة عدول الإشهاد في 23 ماي 1994 دخلت المرأة هذا الميدان. الآن نحن في 2009 ولم يعد هذا القانون جديدا. لكن دخول المرأة هذا الميدان مازال في نظر البعض جديدا وغريبا. فهذه المهنة عريقة جدا وسميّت على الرجال. وحتى من حيث التسمية (عدل إشهاد) فهي مازالت غامضة لدى البعض . وقد اضطررنا في البداية الى تعليق لافتات كتب عليها «عدول» كي يعرف الناس طبيعة عملنا. فالكثير من الناس لم يستوعبوا بعد أن تقوم امرأة بتحرير عقد زواج لأنهم يأخذون المسألة من زاوية دينية خاطئة إذ يرى البعض أن تلاوة القرآن أثناء عقد القران اختصاص رجالي بحت، فالدين الاسلامي لم يتحدث عن تحرير عقد الزواج أو الجهة التي تقوم بذلك بل تحدث عن إشهار الزواج وتوفر شاهدين من أهل الثقة والمهر. وللأسف فإن الكثير من الناس مازالوا يعتقدون أن عدل الإشهاد شاهد على الزواج والحال أننا محررو عقود الزواج بدليل أننا نطلب الشهود خلال تحرير العقود. المسألة تتعلق إذن بنوع من الالتباس بين الشهادة والإشهاد». مازالت مرفوضة! الأستاذة إيناس لحمر تعمل باحدى جهات الساحل. ورغم أن المنطق يفرض أن الناس هناك متفتحون في هذا الموضوع بالذات فهي مازالت تواجه صعوبات تقول عنها: «هناك من يرفض الحكاية بصفة مبدئية ولا يقبل أن تعقد قرانه امرأة فالمشكل الاساسي هو في أن الناس مازالوا يربطون بين الشهادة حيث يقتضي الامر شهادة امرأتين التي تساوي شهادة رجل وبين تحرير عقد الزواج الذي يقوم به عدل إشهاد بقطع النظر عن جنسه. كما أن البعض مازال يناقش أهلية المرأة في تلاوة القرآن (الفاتحة مثلا) وتفاديا لبعض المشاكل المرتبطة بهذه العقليات فإني أصطحب عادة زميلا ليكون جليسي»! للضرورة فقط؟ أما الأستاذة ليلى علوي، وهي عدل إشهاد تعمل بسوسة، فلم تكن بعيدة في رأيها عن رأي زميلتها إيناس وأضافت: هناك من يقبل أن تعقد قرانه امرأة والعديد يستغرب ويرفض حتى لو كان الجليس رجلا. هناك من يتجاهلني أحيانا ويتحدث الى الجليس قائلا: «علاش جايب معاك امرأة»؟ وهناك من يقبل على مضض وتراه خلال اجراءات عقد القران لا يتحدث اليّ بل الى جليسي الرجل. لذلك نحن عدول الاشهاد النساء نعمل أقل بكثير من زملائنا الرجال فيما يتعلق بتحرير عقود الزواج حتى لو كنا في سوسة وبعض المدن الكبرى الاخرى.. فعقليات الناس (أغلبهم) مازالت ترفضنا. والبعض من هؤلاء يقبلنا عند الضرورة أي عندما لا يكون أمامه خيار آخر. أما اذا كان له متسع من الوقت للاختيار فإنه سيختار عدل الإشهاد الرجل. ورغم ذلك فالأمل قائم طالما أن بعض الناس لا يرون أي فرق بيننا لأنهم يؤمنون بأن عقد الزواج عقد مدني ويخرجونه من بوتقة الاجتهادات الدينية الخاطئة. هل من حق امرأة أن تزوّج؟ الأستاذة فاتن عيسى تعمل بجهة الكرم منذ عشر سنوات. وفي هذا الموضوع لها موقف مغاير حيث تقول: «بالتأكيد فإن لكل شخص تجربته. وأنا -شخصيا- كانت المواقف لصالحي لانني من جهة أعمل في منطقة متفتحة جدا ولأن الشخص الذي عملت معه (وكان متقدما في السن) كان يقدمني للناس على أساس أنني سأعوضه وبذلك مهدّ لي الطريق. لقد حررت الكثير من عقود الزواج ولم أتعرض الى أي موقف محرج. صحيح أن بعض العقليات كانت صعبة قبل عشر سنوات لكن الآن كل شيء تغير». الاستاذة نور الهدى العجمي تعمل بالمدينة الجديدة منذ حوالي عامين. ولئن لم تتعرض الى صعوبات حسب تأكيدها فقد قالت: «الكثير من زميلاتي يعانين بسبب رفض جزء من المجتمع لهن. وفي مهنتنا مازال عدل الاشهاد الرجل يعمل أكثر من عدل الاشهاد المرأة فيما يخص عقود الزواج. وهذا راجع الى عقلية بالية تستند خطأ الى الدين. فبعد عقد القران ترى البعض يتساءل: هل المرأة تزوّج؟ أي هل انها مؤهلة لتزويج شخصين بصفة صحيحة؟ والمسألة عندي في النهاية أن عدل الاشهاد المرأة إما أن تكون لها القدرة على السيطرة على الوضع منذ البداية والا تعرضت الى الاحراج أو الى الرفض أصلا». عقد مدني أجمعت الأستاذات المستجوبات (ومن ورائهن طبعا كافة عدول الاشهاد) على أن عقد الزواج عقد مدني وليس عقدا دينيا. وهذا العقد لا يختلف عن عقود البيع أو الشراء وغيرها من العقود. كما أن تحرير عقود الزواج لا فرق فيها بين رجل وامرأة وأن المسألة تبقى في النهاية مسألة عقلية أجمعت الاستاذات على أنها تتطور مع جيل الشباب نحو الأفضل». مجرد سؤال نعود الآن الى حيث بدأنا لنلقي بعض الاسئلة على البعض من أصحاب العقول المتحجرة. إذا ذهب أحدكم الى بلدية ووجد أن ضابط الحالة المدنية المكلف بعقد قران قريبه مثلا امرأة فهل يرفض ويهرب من البلدية؟ إذ صعد أحدكم طائرة وفي الهواء وجد أن «القائد» امرأة هل يرمي بنفسه من نافذة الطائرة؟ اذا كانت لأحدكم قضية ويوم الجلسة وجد أمامه قاضية فهل يطالب بتعيين قاض ليحكم في قضيته؟ لو كان أحدكم مريضا «يطلّع في الروح» وجاءته طبيبة لتنقذ حياته هل يقول لها «خليني نموت خاطر إنت امرأة»؟ إنها مجرد أسئلة لأشخاص مازالوا للأسف «كشطة واربط» ولم يدركوا أن العالم كله من حولنا قد تغير وأن أحد أسباب تخلفنا أننا نضيّع وقتا طويلا في مناقشة مواضيع ما كان يجب أن تناقش أصلا». جمال المالكي مفتي الجمهورية يجيب موضّحا: كتابة عقود الزواج على يد امرأة صحيحة شرعا توجهت «الأسبوعي» الى سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عثمان بطيخ بالسؤال الآتي: خلال السنوات الاخيرة تعزز قطاع عدول الاشهاد بالعنصر النسائي الذي بات يمثل نسبة محترمة.. لكن ما لاحظناه أن أغلب أفراد المجتمع مازالوا يرفضون أن تعقد قرانهم امرأة لاعتقادهم أنها غير مؤهلة لذلك شرعا... فهل صحيح هذا الاعتقاد وماذا يقول الشرع صراحة في عقد القران على يد امرأة؟ فكان جوابه كالآتي: «جوابا عن سؤالكم حول صحة كتابة عقود الزواج على يد امرأة من الناحية الشرعية فإن كتابة عقود الزواج أو غيرها من العقود على يد امرأة صحيحة شرعا، ولا حرج في ذلك ولا مانع شرعا وعقلا. وما تقوم به المرأة هو توثيق لذلك العقد سواء في البلديات باعتبارها ضابط الحالة المدنية، أو شاهد عدل. ولا فرق في ذلك بينها وبين الذكر مادامت رشيدة ومن أهل الثقة لقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه.. الى أن يقول المولى جل ذكره: واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى» (البقرة 282). وبقطع النظر عن مفهوم «أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى»، وهل الشاهدة امرأة واحدة أو كلتاهما فإنه فيما يتعلق بموضوع السؤال، فهي تعتبر موثقة للعقد مع وجود أركانه وشروطه ومن بينها حضور شاهدين من أهل الثقة. وإن الحرج في ذلك لا داعي له وهو راجع الى مفهوم خاطئ لا أساس له من الصحة بل هو مجرد وهم، ولعله راجع الى العادة القديمة في أن يكون العدول رجالا». للتعليق على هذا الموضوع: