تونس-الصباح سنويا مئات القتلى والجرحى تسجل على طرقاتنا وبنسب أرفع خلال فترة الصيف ورغم الإجراءات الصارمة في بعض الأحيان من قبل أعوان الامن وبالرغم من الإجراءات الرئاسية والمجالس الوزارية المخصصة لموضوع حوادث الطرقات ورغم الحملات التحسيسية بمناسبة العطلة الآمنة والعودة المدرسية والأعياد الدينية... الخ لم ننجح في التقليص الملموس والواضح من عدد حوادث المرور ومن نزيف الدماء على أغلب الطرقات دون استثناء ولا نزال نحتل المراتب الأولى في الدول التي تسجل بها أعلى نسبة من حوادث المرور والسؤال المطروح لماذا؟ لماذا تتواصل المآسي على طرقاتنا مع ما تخلفه لدى العائلات من فواجع نفسية وآثار اجتماعية واقتصادية؟ ولماذا يتواصل تحمل المجموعة الوطنية أعباء وتكاليف حوادث الطرقات البشرية والمادية؟ والسؤال الأهم هل نحن قادرون على إيقاف نزيف الدماء على طرقاتنا؟ وإن كانت الإجابة نعم ما يجب علينا القيام به لبلوغ هذا الهدف والحفاظ على الأرواح والممتلكات؟ هذه النقاط كانت محور لقائنا بالسيد رياض دبو المدير التنفيذي بالجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات الذي بادرناه بالسؤال عن التقييم المبدئي إلى حد الآن لثمار برنامج العطلة الآمنة للحد من الحوادث خلال موسم الصيف المعروف عادة بنسب مرتفعة .وأشار محدثنا في هذا السياق إلى أن الإحصائيات الدقيقة ليست متوفرة إلا أن ما يكمن ملاحظته أن السمة الطاغية على الحوادث المسجلة خلال هذه الصائفة هو عدم خطورة الحوادث من حيث نوعية المخالفات المؤدية إلى وقوع الحادث إلا أن حصيلة الحادث الواحد من حيث القتلى والجرحى تكون مرتفعة وتصل إلى 5 و6 قتلى إلى جانب الجرحى على غرار ما تم تسجيله مؤخرا في المهدية... الإشكال الآخر المطروح بحدة في الحوادث المسجلة وفق ما أفاد به المدير التنفيذي للجمعية التونسية للوقاية من حودث الطرقات يتمثل في أن أغلب الضحايا من المترجلين ومستعملي الدراجات النارية وهي السمة الطاغية غالبا على الحوادث التي لم يتم السيطرة عليها إلى حد الآن وبلغة الأرقام نتبين أن مابين النصف وثلثي ضحايا حوادث المرور من صفوف المترجلين ومستعملي الدراجات النارية وأحيانا تكون النسبة أكبر من ذلك بكثير. وأضاف محدثنا أن مجهود كبير يقوم به أعوان الحرس الوطني والشرطة المتعلق خاصة باجبار السواق على تحديد السرعة عن طريق تكثيف دوريات الرادار وقد أثمرت هذه المجهودات التنقيص في عدد الحوادث في بعض المحاور على غرار الطريق السيارة وطريق المرسى... لكن لا تزال بعض الأماكن تحتاج لمجهود أكبر وإجراءات أخرى يجب القيام بها بمساهمة جميع الأطراف للحد من حوادث المرور في مختلف المناطق والمدن سواء الكبرى أو الصغرى لأن هذه الأخيرة التي قد لا تجلب الإنتباه وقد لا يتوقع أحد أن تسجل بها حوادث تسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح على غرار ما سجل في المهدية مؤخرا تؤكد ضرورة التعمق في الأسباب المؤدية لهذه الحوادث والعمل على تجاوزها. قوانين تحتاج إلى مراجعة إذا ماهي هذه الاسباب الكامنة وراء تواصل ارتفاع عدد الحوادث؟ وبصيغة أخرى ماهي النقائص التي ربما يجب العمل على تجاوزها للحد من معضلة حوادث المرور؟ يشير السيد رياض دبو في الهذا السياق إلى أن من بين المواضيع المقلقة والتي تحتاج إلى مراجعة موضوع السياقة تحت تأثير الحالة الكحولية وفي هذا الإطار يؤكد محدثنا وجود مسائل تشريعية يجب أن تتغير لأن وسيلة الإثبات عن طرق تحليل الدم للتأكد من تجاوز نسبة الكحول المسموح بها في الدم بالنسبة للسائق،في صيغتها الحالية لا تمكن من تأمين المراقبة الجيدة لهذه الظاهرة وذلك بسبب غياب المخابر المختصة في كافة الولايات. ويضيف محدثنا أن من يتم ضبطه في حالة سكر في القيروان وللتثبت من نسبة تعاطيه للكحول يتم إرساله إلى سوسة ومن يتم ضبطه في باجة يحول إلى تونس مع ما يتطلبه ذلك من تسخير وسيلة نقل وإجراءات أخرى... هذه الإشكاليات تؤكد ضرورة مراجعة القانون المتعلق باثبات حالة السكر والعمل على اقتناء أجهزة إثبات متطورة كتلك المعتمدة في الدول الأوروبية وهي عبارة عن جهاز قيس إلكتروني لنسبة الكحول في الدم لا يتجاوز سعره 120 أورو. في المقابل يجب العمل على إعادة النظر في الإجراء الذي تم اتخاذه في وقت سابق وإلغاء المراقبة على تناول المشروبات الكحولية داخل السيارات وهي ظاهرة تفاقمت على الطرقات وتكاد تشاهد بصفة يومية لا سيما خلال الصيف. أشار محدثنا كذلك إلى ضرورة الرجوع على الزامية حزام الأمان داخل وخارج المناطق البلدية اعتبارا للنجاعة القصوى لحزام الأمان عند التعرض لحادث داخل مناطق العمران فضلا عن كون تعميم استعماله من شأنه أن يجعل منه ردة فعل طبيعية بقطع النظر عن الجولان داخل المناطق البلدية أو خارجها. مزيد العناية بتكوين السواق المحترفين من المقترحات العملية الأخرى التي أكد محدثنا أنها ناجعة في الحد من حوادث الطرقات نذكر تأكيده على ضرورة مزيد العناية بتكوين السواق المحترفين وخاصة سواق النقل العمومي وتساءل محدثنا في هذا السياق أين المراقبة على سلوك بعض السواق وخاصة عند رجوعهم إلى المستودعات ليلا وماذا عن تطبيق إجراءات فترات الراحة ومراقبة تحديد السرعة بالنسبة للحافلات؟ أضاف السيد رباض دبو في مجال التكوين أن تمرير مفاهيم السلامة في تكوين السواق بصفة عامة لا يزال منقوصا بل أن تكوين المكونين (أصحاب مدارس تعليم السياقة) أنفسهم في هذا المجال يحتاج إلى مراجعة. من جهة أخرى أشار المدير التنفيذي للجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات إلى أن الحديث عن موضوع حوادث الطرقات في بلادنا يتم بشكل يجعل وزارة الداخلية وجمعيات الوقاية من حوادث الطرقات وحدها المسؤولة على هذا الموضوع في حين أن جميع الأطراف مسؤولة. فأين دور وزارة التربية في دعم برامج التربية المرورية؟ وأين المختصون في وضع العلامات المرورية في وزراة التجهيز عند تركيز العلامات المرورية والمحددة للسرعة التي تركز أحيانا بصفة عشوائية دون ضوابط وفي غياب أهل الإختصاص بل يتم أحيانا تغيير بعض العلامات دون اسباب موضوعية؟ وماذا عن دور البلديات في تهيئة الأرصفة والحد من الإستغلال العشوائي لها في الوقت الذي يضطر فيه المترجل إلى السير على المعبد ويكون عرضة للحوادث؟... الممرات العلوية للمترجلين في سياق الحديث عن ارتفاع نسبة الحوادث في صفوف المترجلين بين محدثنا أن المجهودات المبذولة في تشييد الممرات العلوية للمترجلين لا يمكن انكارها وقد صرفت أموال طائلة لتركيزها إلا أن تركيز هذه الممرات لا يزال منقوصا وهو ما نادت به جمعية الوقاية من حوادث الطرقات في أكثر من مناسبة- ولم تجد آذانا صاغية- التي دعت إلى جانب تركيز ممرات المترجلين إلى العمل على تركيز حواجز مادية في الطريق الأوسط لإجبار المترجل على استعمال الممرات المخصصة له وذلك في إطار تكييف المشروع مع سلوك وعقلية المواطن التونسي وحفاظا على سلامته. كما أن نقائص عديدة تسجل على مستوى العناية بممرات المترجلين عند انجاز بعض المشاريع والمحولات. الدراجات النارية وحوادث المرور تطرق السيد رياض دبو أيضا في حديثه معنا على موضوع الدراجات النارية صغيرة الحجم ومساهمتها الكبيرة في الحوادث ذلك أن الإحصائيات المسجلة السنة الفارطة تشير إلى تسبب هذا الصنف من الدراجات في 2761 حادثا و272 قتيلا و3300 جريح. وأشار في هذا السياق إلى أن الإشكال المتعلق بتأمين هذا الصنف من وسائل النقل وجد طريقه إلى الحل بعد الإجراء الرئاسي الأخير بشأن التخفيض في تعريفة التأمين الذي سيساهم في الحد من جولان مابين 90 و95 بالمائة من الدراجات النارية حاليا بدون تأمين وما يمكن أن ينتج عنه من ضياع لحقوق المتضررين وتنامي ظاهرة الفرار بالنسبة للدراجات المتسببة في حوادث... وأضاف محدثنا أن العمل للحد من مساهمة الدراجات النارية في الحوادث لا يزال متواصلا صلب وزارة الداخلية وزارة النقل للنظر في صيغ لتفعيل باقى الإجراءات المتخذة سابقا خلال مجلس وزاري والمتمثلة في تفعيل الحصول على رخصة السياقة الخاصة بالدراجات النارية الصغيرة (300 فقط من السواق متحصلون على رخصة سياقة حاليا من بين مليون و500 دراجة نارية) وتسجيل هذا الصنف من المتحركات إلى جانب تحديد مواصفاتها الفنية... وأكد السيد رياض دبو على ضرورة الإسراع في تفعيل هذه الإجراءات للحد من الحوادث. ماذا عن العمل التحسيسي؟ في إطار تقييم العمل التحسيسي والتوعوي أشار المدير التنفيذي للجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات إلى أن مبدأ الاستثمار في تمويل مشاريع وبرامج الوقاية من حوادث الطرقات الذي تم الشروع فيه مؤخرا من خلال حصول الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات على أول تمويل من صندوق الوقاية من حوادث الطرقات وابرامها عقد برنامج مع الصندوق لتخصيص هذا التمويل للحملة التحسيسية الخاصة بالدراجات النارية التي تعتزم الجمعية القيام بها خلال الفترة القليلة القادمة، سيساهم في تطوير العمل التحسيسي وتطوير مضامين الخطاب التوعوي ونوعية العمل الذي تقوم به الجمعية في اتجاه التأثير أكثر في سلوك مستعملي الطريق والحد من تفاقم ظاهرة حوادث المرور في بلادنا.