تونس- الأسبوعي أشار المدير العام لإدارة الرعاية الصحية الأساسية في عددنا الفارط إلى أن الاجراءات الوقائية المتّخذة داخل المحلات المفتوحة للعموم والتقيّد بالشروط الصحية ستنجح في الحدّ من سرعة انتشار العدوى بالفريب وبقية الأمراض الأخرى التي وصفها بأنها أشد فتكا بصحة مرتادي تلك الفضاءات من فيروس أنفلونزا الخنازير. ومن بين الشروط والإجراءات التي أتى على ذكرها ضرورة توفّر مبسّط بالمقاهي يحتوي على ثلاثة أحواض واحدة للغسيل بالماء الجاري الساخن وثانيها لتنظيف الأواني والأدوات المستخدمة والمقدمة للحرفاء والتي يجب ألا تكون من البلاستيك غير الغذائي ويستعمل فيها الماء الساخن وبعض مواد التنظيف أما الحوض الثالث فيتم استغلاله للتطهير والتعقيم بعد وضع الأواني التي وقع تنظيفها حيزا من الزمن في حوض يحتوي على ماء بارد ومادة معقّمة... فضلا عن تخصيص مكان محدّد بالفضاءات للشيشة مجهّز بحوض ساخن لغسل وتطهير الشيشة. «الأسبوعي» طلبت بعد أيام من هذه الإفادات مرافقة أعوان المراقبة الصحية في عمليات المراقبة... وقد شملت هذه الجولة عددا من المقاهي للوقوف على مدى احترام تلك الشروط الصحية ومدى التزام أصحاب تلك المحلات بما تمّ ذكره من إجراءات وقائية وقد عملنا على إقناع الأعوان المرافقين لنا بضرورة التوجّه إلى الأحياء الشعبية حيث تكثر المقاهي وتكتظّ بروّادها عوض معاينة مقاهي الضواحي الشمالية (المرسى وسيدي بوسعيد) مثلما كان مبرمجا في البداية لجولتنا الميدانية. ولقد أمكن لنا من خلال هذه الجولة التأكد من أنّ «صفرا من النقائص» هو أمر لا وجود له على الاطلاق أو لنقل أنه من قبيل الأشياء النادرة أو المستحيلة... حيث لم يقم السواد الأعظم من المقاهي التي زرناها بتخصيص مكان للشيشة... واقتصر وجود الأحواض الثلاثة شكلا إذ أنها لا تستخدم للتنظيف أو التطهير والتعقيم مثلما هو مسطر لها بل أغلبها لا تعمل سوى لمجرّد «تشليل» الكؤوس... والغريب أن البعض استخدمها كمصبّ لفواضل الشيشة ورمادها... كما أن تنظيف الأواني والكؤوس يتم بطريقة غير صحية... وبعض المقاهي لا تعترف بمواد التعقيم وبالجفال وكل الوحدات الصحية بلا استثناء لا تتوفر بها وسائل التنظيف وورق التجفيف. لا مقهى بدون نقائص بداية الجولة الميدانية حملتنا إلى محل يمكن أن نطلق عليه أي اسم ما عدا مقهى... حيث غابت كل المرافق وتكدّست الفضلات بحاوية يبدو أنها لم تتحرّك من مكانها منذ أيام فضلا عن عدم تنظيف الكؤوس المستعملة من قبل الحرفاء... وهو ما حدا بالطبيبة المرافقة إلى أخذ عيّنة من الكؤوس وأشارت بيدها إلى بقع الوسخ التي لا تزال عالقة بها وهي ظاهرة للعيان قائلة للعامل وراء ''الكونتوار'': «انظر إلى بقع التلوّث البادية على البلور... لو أخذنا هذه الكأس للتحليل لوجدناها تغلي بالجراثيم». «كل يوم يقول غدوة» وأغرب ما سجّل بهذا الفضاء هو تعمّد العاملين به سكب فواضل الشيشة من معسّل ورماد ومكوّنات زال استعمالها بالحوض المخصّص للغسيل وتركها مكدّسة هناك... أما الشيشة فلا أثر يدل على أنه قد تم غسلها أو مرّت بجوار حوض المياه فما بالك بالتعقيم... والملاحظة البارزة في هذا المقهى هي مخالفة الإجراءات والشروط الصحية على طول حيث لم تتوفر بها أدنى الشروط والمقاييس الصحية وحتى عندما سأل الأعوان المرافقون عن مكان وضع الجفال فقد جاء الجواب بالنفي ممّا يعني أن مادة الجفال غير متوفرة بالمحل... وهو ما دعا الجميع إلى التوجه بسؤال محيّر للعامل وراء ''الكونتوار'' لماذا كل هذه التجاوزات فأجاب: «الله غالب عرفي كل يوم نقلو وكل يوم يقلي غدوة نعملهم». اتفق الجميع على المخالفة ومن خلال معاينة عدة مقاهي تبيّن لنا أن العديد منها اتفقت بشكل غير مباشر على مخالفة بعض الشروط الصحية مثل عدم احترام شروط حفظ الصحة بالمحل وعدم احترام العملة لحفظ صحة الجسم والهندام وعدم غسل الكؤوس بطريقة صحية وخاصة خلط المنظّف مع مادة الجفال بنفس الحوض وعدم استغلال الأحواض الثلاثة على الوجه الأمثل رغم توفرها وعدم تخصيص مكان منعزل للشيشة وغسل الكؤوس ومستلزمات ومكوّنات الشيشة معا بنفس الأحواض. عدم تنظيف الشيشة والشيء الثابت والأكيد والذي انتهى إليه كل الفريق الصحي الذي قام بعمليات التفقّد أن كل من تمّ تفقّدهم لم يولوا تنظيف الشيشة الأهمية اللازمة فما بالك بعمليات التعقيم المطالبين بها... حيث يتم «تعمير» الشيشة دون تنظيف ولا حتى تغيير ل«الجبّاد» علما أن في جلّ ما تم مراقبته فإن عملية تجهيز واستبدال الشيشة تتمّ مباشرة على ''الكونتوار» وعلى مرأى من الجميع. جفال في قوارير للمياه المعدنية ومن أبرز ما لاحظناه خلال هذه الحملة التي قام بها أعوان المراقبة الصحية هو وضع بعض المقاهي لمادّة الجفال في قوارير بلاستيكية تحمل أسماء لعدة أنواع من المياه المعدنية وهو ما يعني فقدان هذه المادة لفاعليتها المعهودة وعدم قدرتها على التطهير... كما انعدم استخدام الأحواض الثلاثة بالكونتوار للغرض الذي أحدثت من أجله أي التنظيف والتطهير والتعقيم ولاحظنا بمعظم المقاهي أن تلك الأحواض تكاد لا تستخدم كليّا بالطريقة التي تم التأكيد عليها صحيا. توجيه تنبيه كتابي والملاحظ أن أعوان المراقبة الصحية قد قاموا بتوجيه تنبيه كتابي لكل المقاهي التي زرناها وقد تراوحت المخالفات بين مستويات معقولة وأخرى لا حصر لها... وتراوحت المهلة التي تم تمكين أصحاب المحلات منها بين ثلاثة أيام و15 يوما حسب نوعية المخالفة لدفعهم إلى تدارك تلك النقائص... علما وأن زيارة أخرى ستعقب الزيارة الأولى بعد فوات الأجل المضروب لمعاينة مدى استجابة المخالفين لمتطلبات التنبيه الكتابي وتداركهم لما تمّت الإشارة إليه من نقائص خلال الزيارة الأولى. تساؤل ما تجدر الإشارة إليه هو أن أغلب المحلات التي تمّت زيارتها سجل بها المراقبون مخالفات عديدة تراوحت بين مخالفات خطيرة وأخرى أقل خطورة... وهو ما يعني أن القطاع على ما يبدو يسير في اتجاه مناقض تماما لماهو مطلوب للتوقّي من انتقال الفيروسات عبر الأواني المستخدمة في المحلات وهو ما يعني أن جهدا كبيرا ينبغي أن يُبذل في هذا الاتجاه... لتحسيس كافة الأطراف بأهمية تلك الإجراءات الوقائية واحترام الشروط الصحية الكفيلة بتجنيبنا ماهو أسوأ لأن فضاءات مثل التي قمنا بزيارتها تشكّل في واقع الأمر خطرا محدقا بكل المقاييس باعتبار أن ما توفّره من امكانيات وتجهيزات لمباشرة تقديم خدماتها للعموم لا يؤهلها إلا لأمر واحد وهو أن تتحوّل إلى خزّان لا ينضب لنشر الأمراض والأوبئة والفيروسات وكل ذلك والحريف خالي الذهن همّه الوحيد تدخين الشيشة أو ترشّف قهوة كلّفه ذلك ما كلّفه. خير الدين العماري للتعليق على هذا الموضوع: