سعيّد يلتقي وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري    مليار دينار من المبادلات سنويا ...تونس تدعم علاقاتها التجارية مع كندا    الرابطة الأولى: تعيينات مواجهات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    الرّابطة الأولى : برنامج مباريات الجّولة التاسعة من مرحلة تفادي النزول    سوسة: بتر أصابع سائق تاكسي في ''براكاج''    تونس: الأدوية المفقودة ستعود الى السوق بفضل الزيادة في الأسعار    الاعلان عن موعد انطلاق الاستخراج الحيني لوثائق السفر    نشرة متابعة: أمطار غزيرة غدا الثلاثاء    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    العاصمة: وقفة احتجاجية أمام سفارة فرنسا دعما للقضية الفلسطينية    منوبة: تقدّم ّأشغال بناء المدرسة الإعدادية ببرج التومي بالبطان    وفاة 17 شخصا في ال24 ساعة الأخيرة    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    الدوري المصري: "معتز زدام" يرفع عداده .. ويقود فريقه إلى الوصافة    خطير/ منحرفون يثيرون الرعب ويهشمون سيارات المواطنين.. ما القصة..؟!    %9 حصّة السياحة البديلة.. اختراق ناعم للسوق    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    التونسيون يتساءلون ...هل تصل أَضحية العيد ل'' زوز ملايين'' هذه السنة ؟    كأس الكاف: حمزة المثلوثي يقود الزمالك المصري للدور النهائي    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    أخيرا: الطفل ''أحمد'' يعود إلى منزل والديه    عاجل/ ستشمل هذه المناطق: تقلبات جوية منتظرة..وهذا موعدها..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    تونس توقع على اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الصباح» تفتح ملف جودة الطرقات
خسائر بمئات الملايين بسبب رداءة الأشغال
نشر في الصباح يوم 22 - 11 - 2009


- معدل عمر الطريق لا يتجاوز 10 سنوات
- حفر ونتوءات تأكل عمر سياراتنا
- 350 ألف دينار كلفة الكلم الواحد
تحقيق: رفيق بن عبد الله
تونس الصباح: لا أحد ينكر قيمة المنجزات المحققة في مجال البنية التحتية في بلادنا، التي تطورت بشكل كمي، ونوعي منذ التغيير، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود بعض النقائص المرتبطة أساسا بضعف جودة الطرقات خاصة منها الواقعة بالمناطق البلدية.
فرداءة نوعية انجاز العديد من المشاريع الطرقية، والمرافق الأساسية المرتبطة بها حسب المختصين، سبب مباشر في تكاثر الحفر والنتوءات بالطرقات وتآكل طبقتها الاسفلتية، وقد يحدث ذلك في فترة وجيزة بعد عملية التعبيد.
«الصباح» تفتح ملف جودة الطرقات، والمشاكل المرتبطة بها، والنقائص التي تعاني منها شبكة الطرقات خاصة منها المحلية وأسباب رداءتها، اعتمادا على وجهات نظر عدة أطراف متدخلة في المجال..من خلال التحقيق التالي.
تحقيق: رفيق بن عبد الله
تمتد شبكة الطرقات الوطنية والجهوية والبلدية على طول أكثر من 12 ألف كيلومتر، منها حوالي 2500 طرقات محلية ترجع بالنظر إلى البلديات والجماعات المحلية، تضاف إليها حوالي 13 ألف كيلومتر أخرى من المسالك الريفية..
وإن كان عامل تدهور الطرقات يتسبّب بنسبة لا تتجاوز 1 بالمائة في حوادث المرور، فإنه يؤثر بنسبة 80 بالمائة على حالة السيارات، حسب ما أكده خبير في صيانة السيارات. فجل السيارات يتآكل فيها نظام موازنتها المخفّف للارتجاجات، بعد فترة معينة من حصولها على الإذن بالجولان بسبب حالة الطرقات المتردية، وهو ما يكلف أصحابها تخصيص ميزانية كبيرة لإصلاحها.
فالطرقات سيئة الإنجاز والسريعة التدهور تتسبب ليس فقط في حوادث المرور، ولكن أيضا في خسائر مادية فادحة في العربات، كما تكلف الدولة أموالا طائلة نتيجة الصيانة الدورية والمتكررة ففرحة المواطنين بمشاريع تهيئة وتعبيد طرقات لا تدوم كثيرا، نتيجة عدة عوامل، منها ما يتعلق بكيفية تنفيذ المشروع، ومنها ما يهم الصيانة، ومنها أيضا ما يهم التدخلات العرضية على الطريق من قبل عدة أطراف أخرى تتعلق أساسا بخدمات المرافق الأساسية، كل تلك العوامل مجتمعة تساهم بشكل مباشر في تآكل الطبقة الاسفلتية، وظهور العديد من الحفر والتشققات عليها، بمجرد سقوط قطرات من المطر.
غياب الدراسات التقنية أو التهاون
في تطبيقها يفتح الباب لتبذير الملايين
أفاد السيد علي بودريقة رئيس قسم المنشآت الفنية بمركز التجارب وتقنيات البناء، أن نوعية المواد الأولية المستعملة في تونس في مجال الهندسة المدنية للطرقات تعتبر من النوع المتوسط، إذا ما طبقت عليها المواصفات الفنية، لكن الأطراف المتدخلة مجبرة على التعامل مع تلك المواد خاصة منه الحصى أهم مكون في عملية تعبيد الطرقات، في هذه الحالة يتم تغيير بعض العناصر وتعديل التركيبة حتى تستجيب للمواصفات.
وبين محدثنا إلى أن مركز التجارب وتقنيات البناء التابع لوزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية يقوم بتجارب وتحاليل على مواد البناء ومراقبة نوعية المواد والانجاز للمشاريع التي تشرف عليها وزارة التجهيز وحتى المجالس الجهوية، والبلديات وذلك بطلب من مكاتب الدراسات الفنية والاستشارية، ومن الإدارات المشرفة على انجاز تلك المشاريع. علما أنه توجد أيضا مخابر خاصة تعمل في ذات المجال.
نقائص
وكشف بودريقة أن وجود بعض النقائص في مجال تنفيذ مشاريع الطرقات ليست ناتجة عن نقص في جدية الدراسات الفنية، أو في نتائج تحليل المواد، بل في نوعية المواد التي لا توفر نسبة عالية من السلامة حسب اعتقاده. مضيفا بأن عدة مقاولين تنقصهم الخبرة والدراية الكافية في مجال اختصاصاهم بسبب عدم استقرار المهندسين والفنيين وحتى العملة المختصين للعمل مع مقاول معين وهو ما ينعكس سلبا على كفاءة بعض شركات المقاولات ويؤدي إلى ضعف نسبة التأطير وتلاقح الخبرات لديها.
كثافة حركة المرور وثقل العربات يقلصان من عمر الطريق
وأفاد الخبير الهندسي أن معدل العمر الافتراضي لطريق معين لا يتجاوز في أحسن الحالات 10 سنوات، وهو يخضع إلى عدة عوامل منها كثافة ومعدل حركة المرور، ونوعية وثقل المركبات المسموح لها بعبور كل طريق. مشيرا إلى أن نسبة من العربات الثقيلة خاصة منها التي تدخل بلادنا من دول شقيقة أو أجنبية لا تتم مراقبة حمولتها القانونية، وهذه الشاحنات الثقيلة لها ضرر بالغ ومؤكد على الطرقات وتساهم بشكل مباشر في تقليص جودتها بل أيضا في عمرها الافتراضي، وفي ظهور عيوب على الطريق، الذي تتكاثر فيه النتوءات في ظرف وجيز. فعلى سبيل المثال يمثل مرور شاحنة ثقيلة تفوق حمولتها الحمولة القانونية على الطريق ما يعادل 500 عربة خفيفة..
وبين بودريقة، أن المركز يقوم بالتحديد بدارسات للطرقات الجديدة المبرمجة عبر تحليل المواد المعدة للاستعمال، وتجربتها ان اقتضى الأمر على عين المكان. ومن مهام المركز أيضا القيام بدراسات تهيئة الطرقات وصيانتها، من خلال تشديد هيكل الطرقات اعتمادا على معدات مخبرية تتولى تحديد ثغرات الطريق والنقائص التي يجب معالجتها قبل تنفيذ عملية الصيانة والإصلاح.
ويعمل المركز كذلك بالتعاون مع مختلف المتدخلين في متابعة إنجاز مشاريع الأشغال العامة، وتقديم خدمات فنية تطلبها عادة الهياكل الإدارية المشرفة على الانجاز والمراقبة، وحتى من المقاولين..مبرزا الكفاءة العالية للموارد البشرية والإطارات الهندسية العاملة بالمركز وهو ما يفسر لجوء معظم المقاولين إلى خدماته، اعترافا بمصداقية الدراسات والتحاليل التي يقوم بها. مشددا على أن المركز لم يعجز عن ايجاد الحلول المناسبة لجل المسائل الفنية المستعصية في مجالات اختصاصه.
دور الدراسات الفنية
حسب خبير في مجال الهندسة المدنية فإن بعض مشاريع تهيئة الطرقات خاصة بالبلديات النائية، فقيرة الموارد المالية تتم دون احترام الدراسات التقنية وأهمها دراسة الأرضية الضرورية لتحديد طبيعة الأرض بالمنطقة. فصلابة الأرضية هي التي تحدد بدقة السمك الواجب احترامه في تعبيد الطريق المتكونة من مختلف الطبقات، ومن بينها الحصى والزفت، وهي عوامل تتدخل حتى في تقدير مسبق لتكاليف شق الطرقات وتعبيدها.
إن تكاليف الأشغال بمناطق عمرانية واقعة بأراضي طينية ليست نفسها في بلديات أخرى واقعة على أراضي صخرية، فالأولى تحتاج إلى تعبيد وتزفيت الطرق بسمك أكبر. وعليه تكون تكاليفها أعلى، كما أن منح المشاريع دون إجراء أو اشتراط دراسة مسبقة للأرضيات، ولا موقع الطريق المقرّر إنجازه وارتباطه بكثافة وحركة المرور المستقبلية. يعرضها إلى الإتلاف في وقت قصير ويعطيها عمرا أقل من معدل العمر المطلوب.
فعدم التقيد بالدراسات الفنية يهدد أموال الدولة بالتبذير، خاصة أن كلفة المتر المربع من تعبيد الطريق بالخرسانة الاسفلتية يكلف ما بين 45 و55 دينارا حسب ما أكده لنا خبير هندسي، ما يعني أن طريقا طولها 1 كيلومتر وعرضها 7 أمتار تستهلك نحو 350 ألف دينار تونسي.
التسرع في الإنجاز والتخريب والحفر المتكرر من أبرز الأسباب..
أرجع بعض الخبراء في الأشغال العمومية أسباب انتشار ظاهرة اهتراء الطرق بمختلف المناطق إلى التسرع في انجاز هذه المشاريع. والأمثلة على الطرقات رديئة الإنجاز عديدة، ففي العاصمة وحدها توجد عدة طرقات في حال سيئة جدا في حاجة الى صيانة مؤكدة، فما بالك بالطرقات الواقعة ببلديات صغرى.
إن عملية تخريب الطرقات، والترقيع المتكرر الذي غالبا ما يتم بصفة عشوائية دون أن يخضع هو الآخر لدراسات فنية، وضعف التنسيق بين مختلف المتدخلين في إنجاز الطريق تجعل من الصعب المحافظة على جودة الطريق عند انجازه في صورة تخلف أحد تلك الأطراف المعنية عن توفير المرافق الأساسية على غرار مصالح «الصوناد» أو «الستاغ» أو مصالح ديوان التطهير، أو شركات الاتصالات وغيرها.
وكثيرا ما يلاحظ أن عدة طرقات أعيد حفر أجزاء منها بسبب القيام بأشغال مد أنابيب، أو كابلات، أو قنوات صرف مياه الأمطار، أو مياه الشرب..علما أنه عادة ما يقوم بتلك الأشغال مقاولون في عدة اختصاصات. لكن اللافت للنظر، هو أنه في أغلب الحالات لا يقوم المقاول المكلف بتلك الأشغال بإعادة الطريق إلى ما كان عليه، بل أن بعضهم يتعمد ترك الطريق بعد شقه وحفره ويذهب في حال سبيله دون رقيب أو حسيب، وهو ما يكون سببا في رداءة الطريق المنجز، وتآكله شيئا فشيئا بسبب تلك الأشغال الجانبية غير المدروسة..
وتقدر تكلفة الخسائر التي تتكبدها المجموعة الوطنية سنويا جراء رداءة نوعية الأشغال بمئات الملايين، وبعملية حسابية بسيطة يمكن تقدير الحجم التقريبي لهذه الخسائر، فإذا أخذنا العدد الإجمالي للبلديات الموجودة والمقدرة ب 264 بلدية، دون اعتبار الدوائر البلدية، فلو تم مثلا تسجيل تدهور في نوعية إنجاز كيلومتر فقط، في كل بلدية فإننا نحصل على المستوى الوطني على أكثر من 300 كلم رديء الإنجاز، وهكذا يمكن تقدير الخسائر بأكثر من 100 مليون دينار، على اعتبار أن الكلفة التقديرية للكيلومتر الواحد تصل إلى 350 ألف دينار..
مقاولون تعوزهم الكفاءة
يحرزون مشاريع بالملايين
أكد مهندسون، وبعض المسؤولين عن شركات أشغال عمومية كبرى أن صغار المقاولين تعوزهم الكفاءة والخبرة المهنية، ولا يملكون أي اختصاص في الميدان، حتى أن أغلبهم نادرا ما يوظف كفاءات هندسية، أو من الفنيين السامين لهم الخبرة الكافية، بل يكتفي بانتداب إطار يكون في أغلب الأحيان من بين الخريجين الجدد والذي عادة ما يبحث عن تربص عرضي بدافع تحصيل الخبرة.
ورغم ذلك ينجح هؤلاء الذين يخيرون العمل مع البلديات في الفوز بصفقات مشاريع مهمة تقدر بالملايين، علما أن كراس الشروط يفرض على أي مقاول ان يشغل اطارا هندسيا على الأقل في مجال اختصاصه، مع توفر التجهيزات الضرورية. لكن في هذه الحالة يصعب التأكد من حقيقة انتداب المقاول لإطار أو أكثر على اعتبار أن عملية التصريح بهذا الشرط تتم عند تقديم طلب التسجيل بقائمة المقاولين..
كما أن بعض شركات المقاولات ما تزال تعمل بوسائل وتجهيزات قديمة، وهو ما ينعكس سلبا على نوعية الأشغال التي ينجزونها، بسبب عدم تحكمهم في التقنيات الحديثة المستعملة في هذا المجال، لكن رغم كل ذلك فإن الهياكل المعنية مجبرة كما تقول، على التعامل مع كل هذه المقاولات الموجودة بالنظر إلى الحركية الكبيرة التي يعرفها قطاع الأشغال العمومية ببلادنا.
والنتيجة هي أن أغلبية المشاريع المنجزة من قبل هذا الصنف من المقاولات تفتقد للمواصفات التقنية المطلوبة، علما أن المقاولات الكبرى كثيرا ما ترفض التعامل مع البلديات بالنظر إلى المشاكل الكبيرة التي تجدها لتسوية مستحقاتها المالية.
صعوبات التنسيق بين المتدخلين
في الطريق العام
أكدت السيدة سيدة العلاقي مديرة الطرقات والمرور ببلدية تونس في لقاء مع «الصباح» حضره أيضا السيد عيسى بوهجة كاهية مدير الطرقات ببلدية تونس، بشأن موضوع أسباب تردي حالة بعض الطرقات البلدية، إلى أن بلدية تونس عملت منذ 1995 على تطوير طرق عملها وتدخلاتها في ما يهم دراسة وتنفيذ مشاريع الأشغال العامة بما فيها الطرقات، عبر دعم امكانياتها الذاتية ورصد ميزانية خاصة بها لمتابعة انجاز وصيانة مشاريع الأشغال العامة في مناطق تدخلها.
وأفادت بأن بلدية تونس الوحيدة التي تملك مركزا للخرسانة الاسفلتية الساخنة يقع بجهة الوردية، وعلى تجهيزات صغيرة ومتوسطة، وعملة مختصين، وفنيين ومهندسين تمكنها من التدخل ذاتيا بنسبة تفوق 50 بالمائة من مشاريع الأشغال العامة خاصة منها المشاريع الصغرى والمتوسطة بجميع دوائرها البلدية (15 دائرة بلدية). وهو ما ساهم ليس فقط في تقليص كلفة تلك التدخلات، ولكن أيضا في سرعة الإنجاز، وفي تأمين مراقبة إنجاز المشاريع ومتابعة تنفيذها..
ومكن المركز المذكور أيضا من تيسير عمليات الصيانة الدورية للطرقات، علما وان معدل مدة صلوحية الطبقات الاسفلتية للطرقات تقارب 7 سنوات، قبل أن تبدأ في فقدان صلابتها. وتقوم بلدية تونس منذ اقتنائها للتجهيزات المعدة لصنع الاسفلت الساخن بإعادة تعبيد طبقات عشرات الكيلومترات في حدودها البلدية. خاصة منها التي أنجزت بتقنية طبقتين من الزفت bicouche)) ذات الكلفة المنخفضة التي سرعان ما تفقد صلوحيتها في ظرف لا يتجاوز عامين. على غرار ما تم في منطقة المروج، وحي ابن سينا مثلا من خلال إعادة تعبيد حوالي 48 ألف متر مربع من شبكة الطرقات بالخرسانة الاسفلتية(enrobé) ، بالتعاون مع الشركة العقارية للبلاد التونسية «السنيت».
ودائما حسب السيدة العلاقي، فإن بلدية تونس تعتبر البلدية الوحيدة التي وضعت خطة للتنسيق بين جميع المتدخلين في الطريق العام. من مقاولين، وهياكل المرافق الأساسية. يتم بموجبها إن يعلم المتدخل، بصفة مسبقة عن أي تدخل عاجل في الطريق لإصلاح عطب ما، حتى تكون مصالح البلدية على علم بذلك وتتخذ الإجراءات اللازمة لحماية الطريق.
أما في ما يهم الأشغال غير العاجلة، فيتم ارسال طلبات ترخيص للإذن بالقيام بعملية الأشغال، كما يتم عقد اجتماعات عند الضرورة بين البلدية والمتدخلين حسب أهمية المشاريع المبرمجة ونوعية التدخلات على غرار القيام بأشغال مراجعة شبكة التطهير في شارع أو حي سكني معين. وعموما أنفقت بلدية تونس بين 1994 و2009 ما يقارب مليون دينار في مشاريع التهيئة والصيانة.
ويبلغ عدد التراخيص السنوية التي تسندها بلدية تونس لوحدها للقيام بعملية أشغال ما يقارب ألفي رخصة. لكن ورغم جهود التنسيق والحرص على سلامة الطريق من الحفر والردم العشوائي، فإن ذلك لم يمنع من وجود صعوبات عديدة تجابهها المصالح البلدية، وتكون في كل مرة موضع اتهام من قبل المواطنين رغم أنها ليست مسؤولة عن تخريب الطريق العام، أو حدوث أشغال دون تنسيق واضح بين مختلف الهياكل المتدخلة.. فمثلا كل متدخل على الطريق العام يريد إنجاز عمله في وقت محدد، قد لا يكون ملائما لهيكل آخر يعمد إلى تأجيل مشروع تدخل آخر بدافع توفر الامكانيات المادية من عدمها، وحسب أولويات كل متدخل على حدة..
مشكل آخر لا يقل أهمية، وهو مشاريع التقاسيم الجديدة التي باتت تؤرق المصالح البلدية، فضعف التنسيق بين جميع المتدخلين في تنفيذ المشاريع العقارية، من تهيئة البنية التحتية، والمرافق الأساسية، والبنايات، يخلق نوعا من الهشاشة في عملية التنفيذ. وخاصة من ناحية عدم أخذ المتدخل العقاري في الحسبان لعامل حماية التقسيم الذي يشرف على إنجازه من سيلان مياه الأمطار، وصرفها.
تصريف مياه الأمطار ..أو المياه المستعملة؟؟
وما يزيد الطين بلة، غياب أمثلة مرورية في التقاسيم الجديدة (جهة مونبليزير مثلا)، وهو ما يؤدي إلى تهرب المقاول العقاري، أو شركات المقاولات، من مسؤولية القيام بدارسة فنية معمقة لإنجاز شبكة لتصريف مياه الأمطار، ويتم الاكتفاء بربط سطحي مع القنوات الموجودة المعدة أصلا للتطهير، وهو السبب في حصول مشاكل أخرى مثل انسداد قنوات صرف مياه الأمطار، وتداخلها مع شبكة التطهير..
هذا الأمر بات من أبرز الاشكاليات المطروحة أمام بلدية تونس، وربما أيضا لدى معظم البلديات الأخرى. فخدمات تصريف مياه الأمطار كانت في سنوات سابقة موكولة إلى البلديات، قبل أن يتم بعث الديوان الوطني للتطهير منذ سنة 1994، لكن اللافت للنظر أن القانون الذي يوضح مشمولات وتدخلات كل من الديوان، والبلديات اوكل مهمة صيانة شبكة المياه المستعملة على عاتق البلديات، لكن هذه الأخيرة تعوزها الامكانيات والمعدات.
فتطبيق مقتضيات القانون حسب محدثينا صعبة، نظرا لاستحالة الفصل فعليا بين مياه الأمطار، ومياه التطهير. وهو ما يفسر قلق البلديات لأن المواطن عادة ما يلجأ في كل مرة تنسد فيها قنوات تصريف المياه، إلى البلدية. كما أن اختناق شبكات تصريف المياه المستعملة، خاصة بالمناطق السفلى مثل جهة العمران، والزهراء، بفعل ضغط مياه الأمطار ينجر عنه انشقاق الطرقات وتآكلها..
واقترحت السيدة العلاقي، بعث هيكل مركزي يعنى بشبكة تصريف مياه الأمطار على مستوى الجمهورية ويتولى التنسيق مع البلديات لتجاوز الاشكاليات الحاصلة في هذا المجال. هذه حال بلدية تونس العاصمة، والصعوبات التي تواجهها رغم الامكانيات الواسعة من حيث الميزانية المخصصة لمتابعة مشاريع الأشغال العامة، وصيانة الطرقات، والمعدات، والموارد البشرية..فما بالك ببقية البلديات وخاصة منها الصغيرة ومحدودة الموارد.؟
تضاعف اعتمادات الصيانة
تشير مصادر من وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية أن الاعتمادات المخصصة للصيانة والتعهد ارتفعت عشر مرات تقريبا من 5 مليون دينار سنة 1987 إلى 53 مليون دينار سنة 2009 علما أن هذه الزيادات تأخذ بعين الاعتبار الاعتمادات المخصصة للتغليف السطحي للطرقات والاعتمادات الخاصة بعلامات الطريق. كما تم الارتقاء بعرض 60 بالمائة من شبكة الطرقات إلى ما فوق 7 أمتار معظمها مدرج ضمن المخطط 11 للتنمية. فضلا عن تعبيد 40 بالمائة من الطرقات بالخرسانة الاسفلتية، وتحسين مسارات عدد من الطرقات الوطنية والجهوية.
ومكنت زيادة اعتمادات الصيانة من إنجاز برنامج تحسين السلامة على الطرقات الذي شمل التغليف السطحي (تحريش سطح المعبد وتحسين عامل احتكاكه وزيادة التحام عجلة العربة والمعبد للتقليص من عملية الانزلاق)، لشبكة الطرقات المعبدة التي يبلغ طولها حوالي 14560 كلم، وشبكة المسالك الريفية المعبدة. إضافة إلى ردم الحواشي الذي تطور من 380 كلم سنة 1987 إلى 912 كلم سنة 2009.
شح الموارد المالية وعدم كفاءة المقاولين سبب انعدام الجودة
وصف بعض المقاولين، ومهندسون مستشارون رفضوا الكشف عن أسمائهم ما يجري على مستوى إنجاز مشاريع الطرقات البلدية سواء منها التي تنجز لأول مرة، أو التي يتم تعهدها بالصيانة ب «المصيبة الكبرى». وذلك بسبب عدم تقيد بعض المقاولين الصغار بمضمون الدراسات الفنية (إن وجدت). كما أن بعض البلديات تلجأ إلى استعمال التقنية القديمة الأقل كلفة لتزفيت الطريق لكنه لا يطيل عمر تلك الطريق فيصيبها التلف في ظرف وجيز.
وحسب مسؤول بشركة مقاولات معروفة، فإن المقاولات الكبيرة قليلا ما تجازف بالمشاركة في صفقات إنجاز مشاريع الطرقات البلدية على اعتبار أن التجربة أثبتت أن حجم الميزانيات المخصصة خاصة بالبلديات الصغيرة لإنجاز المناقصة لا يمكن أن يغري كبرى شركات المقاولات التي تلتزم بعنصر الجودة والصرامة في تطبيق المواصفات الفنية، اعتمادا على الدراسات الفنية اللازمة لكل منطقة برمج فيها انجاز طريق.
ويفسر المهندس انسحاب المقاولات الكبرى من صفقات الطرقات البلدية بسبب ارتفاع كلفة تنفيذ طريق يخضع للمواصفات الفنية وهو ما لا تقدر عليه خاصة البلديات محدودة الموارد. وبالتالي فإن أغلب صفقات المشاريع الطرقية التي تنجز بالمناطق البلدية يشارك فيها صغار المقاولين..
وكشف لنا في هذا السياق خبير هندسي في مجال الطرقات بأن ما يجري في بعض البلديات من عدم احترام لعنصر المراقبة، أو التقيد بالدراسات الفنية، أو التهاون في انجازها يعتبر حسب وصفه «كارثة حقيقية»، فعدم الاهتمام بالنوعية في الإنجاز يتعزز من خلال «المعاملات المشبوهة» حسب قوله والتي تساهم في تعامل بعض البلديات مع نفس المقاولين في كل مرة يتم فيها اطلاق الصفقة. رغم أن المشاريع المنجزة من قبل ذات المقاول لم تخضع للجودة المطلوبة وثبتت رداءتها..
وبين أن بعض المقاولين الصغار الذين لا تتوفر لديهم أدنى التجهيزات الضرورية الحديثة، أو الإطارات الهندسية والتقنية، يسعون للتقليل أكثر ما يمكن من تكاليف إنجاز المشاريع الطرقية، وذلك على حساب عنصر الجودة، وهو ما يدفع هؤلاء إلى عدم احترام المواصفات التقنية المطلوبة.
هذا دون الإغفال عن الإشارة إلى مخفضات السرعة التي ترّكز بشكل عشوائي في أغلب جهات البلاد، وتشرف البلديات في معظمها على مهمة تحديد مكان وإنجاز تلك المخفضات، لكن ما يعاب عليها هو أن نسبة كبيرة من المخفضات الموجودة بالطرقات لا تطابق المواصفات، بل تساهم في تخريب الطريق وحفره والإضرار بالعربات على اعتبار أن البلديات تسند مهمة انجاز المخفضات إلى مقاولين صغار غير مؤهلين، كما تتعلل البلديات بنقص الموارد المالية، وارتفاع كلفة المخفضات التي تستجيب للمواصفات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.