توفي الاسبوع الفارط السيد محمد النافع احد القيادات الحزبية الوطنية البارزة وأحد المؤسّسين التارخيين للحزب الشيوعي التونسي. يعيد هذا الحدث الى الذاكرة بعض المعاني الاساسية التي تفرض نفسها للاستحضار والاعتبار. تونس التعددية عنوان متجذّر ضارب في اصول تاريخنا الوطني الذي صاغته نخب تونسية متعددة المدارس الفكرية والانتماءات العقائية، صحيح ان الحزب الدستوري كان الحزب القائد في معركة التحرير تم بناء الدولة لكن احزابا وتيارات اخرى مثل اليسار التونسي بمختلف اتجاهاته او الحركة القومية والاتجاهات العروبية او الزيتونيين، كلها تيارات وطنية تونسية قد لعبت دورا مهما في صياغة التاريخ المعاصر للبلد. حين يصعد الرأي القائل ان التعددية في تونس قدر متجذر لا رجعة عنه فان هذا الايمان لاينبع من دائرة سطحية للدعاية السياسية بل من موقع استلهام عميث للارث المدني والسياسي الذي شكلته تجربة المجتمع التونسي منذ مرحلة الكفاح الوطني الى حدود الراهن بتقلبات مختلفة وفترات من المد والجزر حافظت رغم اختلاف الوتيرة والنسق من مرحلة الي أخرى على الجوهر التعددي السياسي للمجتمع التونسي. لا أعتقد ان وفاة محمد النافع رحيل أبدي لأحد الشيوعيين التونسيين بل هي حدث يهم رحيل أحد رموز القيادات الوطنية من الذين شاركوا رفاقهم الدستوريين مسيرة النضال الوطني سواء زمن الاستعمار او زمن بناء الدولة لكن رغم ذلك يسحب الحدث وراءه أسئلة لا تريد مغادرة الوان الحزب والمدرسة الفكرية التي انتمى اليها الراحل محمد النافع. هل لازال اليسار التونسي حيّا؟!! أعتقد ان موسم التأبين الذي خيّم على مدن اليسار منذ موجة التساقطات الدرامية لعواصم الاشتراكية السوفياتية لازال ساريا بقوة جمل التشكيك واسئلة المراجعات رغم المعنويات الملتقطة على اصداء العود اليساري المظفر ليسار امريكا اللانينية المنتصر في عدد من الواقعات الانتخابية معززا خط الدعم والمساندة والتحالف مع هافانا كاسترو ساحرة قلوب يساريي العالم منذ قصة ثوّارها الشبان النازلين على سواحلها ذات لية غاب عنها القمر ليفجّروا ثورة بايقاع رومنسي اختزلته صورة الارنستوتشي غيفارا رفيق فيديل في رحلة دخول هافانا التي لا زالت الى اليوم تستقبل زوارها بأكثر شعاراتها تصميما: الاشتراكية أو الموت. حافظت بعض البؤر على الاشتراكية فيما اختارت اخرى الموت وبينهما بقيت بعض التجارب تتراوح بين المراجعة والنقد الذاتي واعادة البناء تماما كما المجاهدة الحالية لبعض تيارات اليسار التونسي. منذ مدة التأم شمل اجتماع ثلاثي ضم حركة التجديد وحزب العمل الوطني الديموقراطي الذي يمثل تجمعا لما عرف تاريخيا في اوساط اليسار التونسي بتيار الوطنيين الديموقراطيين «الوطد»والحزب الاشتراكي اليساري وهو فصيل مراجع انشق عن تجربة حزب العمال الشيوعي التونسي منذ سنوات. الاجتماع تطرق الى امكانات العمل المشترك في سياق الظرف السياسي الراهن بحثا عن طريق ثالث يعتقد فيه المجتمعون بين السلطة من جهة وتحالف 18 أكتوبر من جهة اخرى. الأكيد ان النقاش في هذا السياق لازال في مراحله الاولى باعتبار الوهن الذي يعانيه الجسم اليساري التونسي المستنزف بميراث تاريخ طويل من الانشقاق والتشرذم حوّله الى فسيفساء متناثرة من القطع السياسية التي يصعب تركيبها ويعسر توليفها ولعل المثال الجزئي الداخلي لمآلات مؤتمر التجديد يعطي الدليل البسيط على ذلك. لكن بالرغم من هذه الصورة التي تسحب من اليسار التونسي القدرة الجدية في التأثير والتحوّل الى لاعب رئيسي في التوقيت الراهن للحظة السياسية التونسية فان مقدمات الموقف السياسي لهذا التجمع الثلاثي تجعل من المفيد التشجيع على نجاح مثل هذه المبادرات خاصة وهي تعلن بوضوح عن تمسكها بالخيار الوطني الرافض لكل اشكال التدخل الاجنبي في استحقاقاتنا الوطنية الداخلية والتمسك بخيار الحوار الوطني ونبذ العنف والتقدم للمشاركة في مسار التنمية السياسية من موقع الحرص على المصالح العليا للبلد بعيدا عن خطاب المعارضة العدمية في ظل مناخ من التحديات الصعبة ليس اقل مظاهره انشغالات تأطير الشباب وحمايته من مختلف اشكال الانحراف او تحدي تطوير الحياة السياسية وجعلها اكثر حيوية وتطورا خدمة لاهداف التنمية بمعناها الشامل. لهذه الأحزاب احترازاتها تجاه الوضع السياسي وهي تطالب بمزيد توسيع دائرة الحريات السياسية والاعلامية وتملك تصورها المعارض لخيارات السلطة وهي تصورات مبررة بغض النظر عن صحتها او خطئها بصدورها عن احزاب تتقدم الى الساحة باعتبارها احزاب معارضة لا أحزاب موالاة وهذا طبيعي وعادي لا أعتقد انه يكون سببا للتجاهل او رفض التواصل. اعتقد انه في ظل تحولات متنوعة تحيط بنا دوليا واقليميا وتعتمل داخل المشهد الوطني بمختلف اشكال الاستحقاقات والتحديات المتصلة في جزء منها بحجم الخارطة السياسية السائدة وطنيا وقدرة مضمونها على احتواء المتغيرات والحاجات الجديدة اعتقد انه في ظل ذلك... مثل هذا اللقاء يحتاج الى المتابعة..