بقلم: م. المنذر بن حميدة تتضارب الآراء حول دور الولاياتالمتحدةالامريكية في الزلزال السياسي الذي تشهده منطقتنا والذي اصدرت رجته الاولى ثورة الياسمين المباركة. فإن كان الشارع العربي يميل، لأسباب تاريخية أضحت بمثابة ردة الفعل العفوية، الى الشك في كل ما يصدر عن الادارة الامريكية، يعتبر العديد من المحللين هنا وحتى في اسرائيل ان أوباما بصدد احداث تغيير ذي بعد استراتيجي في السياسة الخارجية الامريكية. صنع القرار في داخل الادارة الامريكية امر شديد التعقيد لعدة معطيات: الراي العام، ضروريات الحملات الانتخابية التي لا تنتهي، ضغط اللوبيات المختلفة، تقارير الاستخبارات وغيرها من مراكز القوة. وان كنا على علم بفحوى بعض التقارير المسربة (ويكيليكس) من السفارة الامريكية التي أسهبت في الحديث عن فساد دولة الرئيس المخلوع والذي يدل على متابعة معمقة للوضع التونسي فان انفجار الثورة فاجأ الجميع ووضع أوباما وادارته امام حتمية التصرف السريع. قوى سياسية عديدة ساهمت في بلورة الموقف الامريكي الذي بدا متضاربا نظرا لقلة الاستعداد وتسارع الاحداث. أوباما ميولاته يسارية وتاريخه قبل وصوله للبيت الابيض يظهر مساندته للقضايا الانسانية. ففي سنواته العديدة في شيكاغو كان يرتاد علي كنيسة شهر زعيمها المقرب من عائلة أوباما بمساندته الكبيرة والعلنية للقضية الفلسطينية. كما كانت تحتوي زمرة زملائه من أساتذة جامعة شيكاغو على يساريين وعرب امثال رشيد خليدي الامريكي الفلسطيني. ولكن سرعان ما ظهر الاختلاف والتناقض بين أوباما الشخص وأوباما الرئيس ويعود ذلك الى متطلبات اللعبة السياسية الامريكية التي تقتضي الكر والفر والسباحة بين اسماك القرش. ومن جهة اخرى تجدر الاشارة ان تعودنا كعرب على الزعيم المطلق الفاتق الناطق يجعلنا لا نستوعب كيفية أخذ القرار في امريكا وتأثير اطراف عديدة، من الداخل والخارج، على الرئيس الامريكي. اذ ان أي قرار يستوجب عادة موافقة الكونغرس الذي يتعرض بدوره الى ضغط اللوبيات المختلفة وعلى راسها «أيباك» الذي يمكن اعتباره ممثل اسرائيل في امريكا. انتفاضة الشعبين التونسي والمصري جعلت اللوبيات القوية تشتغل بلا هوادة من اجل التأثير على أوباما وساندتها دول مؤثرة كالسعودية وغيرها. ولكن موقف أوباما وادارته وان كان مخيبا لآمال وتطلعات الشارع العربي فانه كان افضل مما توقعه العديد منا في الجالية العربية بأمريكا. وأظن ان هذا الموقف كان ترجمة لميولات أوباما ولذكائه السياسي في استعمال حليف جديد ذي قوة تكاد تكون بالمطلقة: المؤسسة العسكرية الامريكية... فان كان اللوبي الاسرائيلي يحظى باهتمام الراي العام العربي كهيكل يصول ويجول فان الواعين بالوضع الامريكي يعلمون حق العلم ان أقوى اللوبيات هو الجيش الامريكي. وأني اكاد اجزم ان التغير الملحوظ وإن كان مرحليا في منظومة السياسية الخارجية الامريكية بدأ يوم صدور تقرير من الجنرال بترويس الذي ذكر فيه ان المساندة العمياء لإسرائيل أضحت تمثل خطرا كبيرا على المصالح الاستراتيجية الامريكية (4) وفجر بترويس قنبلة اخرى بقوله ان هذه السياسة المحايدة تعرض الجنود الأمريكان الى أخطار اكثر تهدد حياتهم. لا أبالغ ان قلت ان هذا التقرير احدث زلزالا سياسيا في امريكا. فالمؤسسة العسكرية مقدسة ولم تتجرأ حتى «أيباك» على انتقاد الجنرال. أمامنا الان خياران: اما ان نواصل انتقاد امريكا او ان نعمل على استوعاب وإتقان مستوجبات لعبتها السياسية. الخيار الاول كان سياسة الحكام العرب الذين أتقنوا استعمال امريكا ك»خيال المآته» لصرف نظر شعوبهم عن المشاكل الداخلية. اما الخيار الثاني، وهو الاكثر حكمة وحتمية في نظري، فيستوجب منا تعلم قواعد لعبة واضحة المعالم ولكنها تتطلب التخطيط والاستثمار. فأمريكا ليست بالجسم الواحد الذي يتصوره البعض فهناك تيارات سياسية عديدة يجدر بنا ان نعمل معها كما يجب الاهتمام بالراي العام الامريكي وإيصال منظورتنا العربية اليه. فما حدث في تونس ومصر يمثل فرصة تاريخية لإعادة صياغة سياستنا الامريكية. فالشعب الامريكي وان كان بعض افراده متطرفين ولن يتخلوا أبدا عن المساندة العمياء لإسرائيل فان اغلبه لا يزال جاهلا بحيثيات وحقائق القضية الفلسطينية. علينا إذن ان نركز على الراي العام الامريكي وان نساهم في التأثير على القرارات السياسية.وسأعود في مقال اخر الى هذا الموضوع الحساس واركز على ما تقوم به منظمات الجالية العربية هنا وما يمكن ان نتعلم من نجاحاتها واخفاقاتها... ناشط ديمقراطي وخبير دولي في الهندسة الصناعية شيكاغو، الولاياتالمتحدة الأمريكية