حول موقفه من جملة القضايا السياسية العالقة وحركة النهضة واتحاد الشغل ومسألة الديمقراطية وما رافقها من تحولات عميقة في المشهد السياسي بعد 14 جانفي كان لنا اللقاء التالي مع الناطق الرسمي باسم حزب الطليعة العربي الديمقراطي وعضو 14 جانفي ومجلس حماية الثورة خير الدين الصوابني. ٪ بداية عرف خضوركم على الساحة السياسية مدا و جزرا خلال العقود السابقة فما هو تقديركم لذلك و موقعكم في ماضي و راهن العمل السياسي لطالما استفادت المعارضة المعترف بها بشقيها المعروفين بالموالاة والرفض من نضالات التنظيمات والحركات السرية التي كانت تشكل تيار الرفض التاريخي لبورقيبة ثم لبن علي وأقصد هنا التيار القومي بشقيه البعثي والناصري والتيار الماركسي بأطيافه ثم التيار الاسلامي فقد أدت نضالات التيارين الأولين في الستينات والسبعينات وتضحيات مناضليهما الى الاقرار بمبدأ التعددية بالاعتراف الرسمي أو شبه الرسمي بمجموعات سياسية كانت خارج خيار التصادم الميداني الجماهيري مع السلطة، بل أكثر من ذلك تسوق للاعتراف بها بالاشارة الى خطر تلك الاطراف الصدامية والى أنها صمام أمان للحيلولة دون سقوط النظام او باعتبارها بديلا معتدلا لها. ثم بانضمام الاسلاميين في الثمانينات الى الخيار التصادمي تحت تأثير بريق الخمينية وترهل النظام البورقيبي انبثقت تلك المناورة الكبرى التي جاء بها بن علي فأوجدت ادارات تابعة للرئاسة تحت عناوين حزبية مهمتها الاستيلاء على التراث النضالي للتنظيمات والأحزاب السياسية التي كانت تواجه النظام جند لها بعض المرتزقة والوصوليين والمتاهفتين والمخدوعين لتشكل في مجملها واجهة ديمقراطية مزيفة لنظام بن علي الديكتاتوري وليشكل وجودها مبررا لاقصاء وضرب المناضلين الحقيقيين بذلك استفادت كل أطراف المعارضة من بذر التيارات الصدامية وحتى من جراحها مثلما استفاد بن علي في النهاية بالتمكن من بسط ديكتاتوريته وقد ساهمت أخطاء وقعت فيها تلك التيارات لأسباب تتعداها أحيانا في انجاح استراتيجية الدكتاتور في تثبيت دكتاتوريته وبذلك رأينا تراجع زخم الحركة النضالية بتقزم التنظيمات وتشظيها، واحباط مناضلين وانكفاء آخرين الى سرية قاتلة في كثير من الاحيان وان بقيت جذوتها قائمة في ميادين العمل الجمعياتي وخصوصا في صلب المحاماة والرابطة والاتحاد العام التونسي للشغل. ٪ على ذكر تنظيمات المجتمع المدني كيف تنظرون الى دورها و الى دور الا تحاد في ضوء الجدل الثائر حول دورها في المرحلة الانتقالية و ما يردد عن قيادة الاتحاد وجد الاتحاد العام التونسي للشغل وصوت الطالب الزيتوني ثم اتحاد الصنايعية والفلاحين عندما عمد الاستعمار الى حملة قمعية غير مسبوقة لافراغ ساحة النضال الوطني من قادته السياسيين لذلك وجد في صلب الحركة الوطنية ولضرورات وطنية أكثر منها اجتماعية وشكل مثل غيره اداة نضال سياسي واجتماعي ومن حينها لم يتخلف الاتحاد في مختلف المحن والمحطات الوطنية والقومية عن لعب دوره الوطني فقدم زعيمه فرحات حشاد فداء لذلك ودعم الحركة التحررية بمختلف الاشكال ولم ينعقد له مؤتمر وطني أو جهوي أو قطاعي إلا وصدرت عنه لوائح سياسية واقتصادية ولوائح تتعلق بالقضايا القومية والعالمية وكان دوما الحاضن للمناضلين والحصن الذي يتحصن به الشعب، قد يتقلص الزخم احيانا ولكنه لا يتوقف، وقد يتعثر سيره ولكنه لا يسقط، وقد لا يجد أداء قيادته وبعض مواقفها هوى عند بعض مكوناته أو الاطراف السياسية الناشطة فيه فيعلو صوتها ضدها ولكن ذلك لم يمنع من ان تبقى تلك القوى خلال كل الأزمات التي عرفها الاتحاد والمجتمع متمسكة بشرعيته القيادية معتبرة أن المس بها او الهجوم والتهجم عليها استهدافا للاتحاد وللشغيلة وبالتالي للشعب المتحصن بهذه المنظمة. فالذين يريدون اخراج الاتحاد اليوم من المعادلة يريدون في الحقيقة تجريد الشعب من درع انكسرت عليه سهام الاستعمار ثم الديكتاتورية واستهداف قيادة الاتحاد وعبد السلام جراد ليس سوى لجوء لحصان طروادة من طرف من عجزوا عن اقتحام هذا الحصن الذي حافظ على حذوة النضال خلال عقود القهر والذي من داخله خرجت القوة الضاربة يومي 13 و14 جانفي ليصاب الدكتاتور بالهلع ويساهم بذلك في الاطاحة به. وعموما فان المنظمات الجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني والقضاة برغم خصوصيتهم مطالبة في كل الثورات أن تلعب دورا حاسما بالانحياز النضالي العلني الصريح والحاسم باعلان الولاء لسلطة ناشئة في مواجهة سلطة متهاوية وان لم تكن ناجزة، وهو ما يجعل الحديث عن "سلطة مضادة" مجرد تنصل من استحقاقات المحطة التاريخية لذلك رأينا أن وجود هذه الاطراف صلب مجلس حماية الثورة ليس الا تماهيا مع مهامها ونداء الواجب التاريخية وتلبية لانتضارات مناضليها ومنهم مناصلونا. ٪ رغم توجهكم القومي على غرار عدد من الاحزاب القومية الاخرى فما الذي يجعلكم تختلفون فيما بينكم الحقيقة أنه يوجد تياران قوميان في تونس هما التيار الناصري والتيار البعثي وقد نشأت مجموعتنا ضمن التيارالثاني الا ان مجموعة من الظروف والمعطيات جعلتنا منذ مطلع الثمانينات نراجع ونثير جملة من المسائل النظرية والسياسية التي جعلتنا نكتسب هوية نظرية وسياسية خاصة وأذكر على سبيل المثال مسألة الخصوصية القطرية وهي مسألة محسومة في فكر البعث الا أنها لم تجد لها صدى حقيقيا مجسما في جهد فكري وبرنامجي فضلا عن الصيغ التنظيمية كذلك مسألة الديمقراطية والعلنية وهي جميعا مسائل ثابتة في أصول الفكر القومي عموما والبعثي على وجه الخصوص الا ان ملابسات السياسة في الشرق والقصور الذاتي فضلا عن القمع جعلها ضامرة مما أصاب الاداء باللبس والتشوه، كما أدت بنا المراجعات الى الانتباه الى ان التيارين الناصري والبعثي في تونس نشآ منقطعين عن التيارالعربي الاسلامي الذي بدأ بذره في حركة النهضة وتطورمع الحركة الاصلاحية والوطنية ليبلغ مداه مع صوت الطالب الزيتوني ثم مع الحركة اليوسفية قبل ان تعصف به أيادي البطش، وهذا الانقطاع أدى الى خسارة فادحة لا لتونس والمغرب العربي فحسب بل للفكر القومي العربي عموما اذ رزىء في منبع مهم ورديف هائل وجعله حبيس انتاج المشرق العربي وابداعه، يضاف الى ذلك الانتباه الى ان ما يفرق بين التيارين القوميين في تونس لا يعدو ان يكون تموقعا في الولاء للمسميات وأن الاختلاف في الأسس النظرية والأهداف والقيم يكاد لا يلحظ ان لم يكن مجرد وهم وصدى لاختلاف الأطراف القومية التي أمسكت بدفة السلطة في سوريا ومصر والعراق. لكل ذلك وجدت مجموعتنا وهي التي نشأت في اغلبها وانتمت للحركة القومية في تونس ملتفة حول جملة من المبادئ هي اساسا فضلا عن الوحدة العربية الديموقراطية خيارا وجوديا لعلاقة إفرادها وللمجتمع والعلنية خيارا تتشبث بفرضه على ديكتاتورية تعمل على الزج بها في السرية، والعمل على توحيد جهد القوميين ضمن تيار واحد يتخطى الفوارق المصطنعة ويساهم في الجهد الوطني والقومي ويصل ماضي الحركة العربية الإسلامية ضمن جهد إبداعي عقلاني يتجه الى المستقبل. ٪ عفوا تصفون أنفسكم بالتقدميين و تتحدثون عن الهوية العربية الاسلامية فأين أنتم من بقية اتجاهاتت الفكر السياسي كاليسار و النهضة موقعنا الطبيعي هو ضمن القوى المنحازة لجماهير شعبنا الكادحة صانعة الوحدة العربية وضامنة سيادتها والمستفيدة من الديمقراطية والتحرر فقوى التجزئة هي بالضرورة قوى الاستغلال والاستعمار والصهيونية ولا وحدة الا بمقارعة اعدائها لذلك نجد أنفسنا في سياق نضال مشترك مع القوى التقدمية ولا نجد أي تناقض بين ذلك وبين تأكيد الهوية العربية الاسلامية لشعبنا بل اكثر من ذلك نجد أكثر المحاربين لهذه الهوية والمحاولين طمسها هم الاستعمار واذنابه الفرنكفونيين والباحثين بأسلوب عنصري في خبايا الأصول العرقية والدموية عن هوية اخرى لشعبنا. هذا وقد فرضت التحولات التي شهدتها تونس والوطن العربي والعالم خلال العقدين الفارطين مجموعة من المراجعات الفكرية شملت كل المدارس والمرجعيات النظرية وهو ما جعل الفكر القومي والفكر الإسلامي السياسي يلتقيان في محطات حوارية متعددة، وبالتأكيد فإن الأفكار السائدة في حركة النهضة اليوم ليست هي ذات الأفكار التي كانت تقود الاتجاه الإسلامي في الثمانينات هي غيرها في السبعينات ولا اعتقد ان التحولات نتيجة التكتيك او بسبب القمع وحده بل اعتقد ان الأمر يعود الى نضج فكري يصل احيانا إلى حد الاجتهاد الفقهي وهو ما يدفع بحركة النهضة اليوم الى التصالح مع التاريخ ولعله من المؤسف ان نرى اليوم ان راشد الغنوشي يؤثر موقع رئاسة الحركة السياسية على مشيخة الفقه السياسي الاسلامي فقد كان في اعتقادي بالامكان ان يكون افيد في الموقع الثاني بحكم خبرته السياسية واستقلاله الفكري في الدفع الى مراجعة اكثر جرأة للمدونة الفقهية تكون سندا يثري ويفيد الجميع، ذاك كان يمكن ان يكون افيد من الاصطفاف السياسي الذي لا يجعله بمنآى عن ربقة السياسة واحراجاتها ومقتضياتها، وعلى أي حال فإن هذا الخيار شأن خاص به ولابد ان للرجل تصوره الذي يجب احترامه، وعموما فالحوار الفكري القومي الاسلامي المتجه نحو العقلانية والمعاصرة يصب في مصلحة البلاد والامة ولا نرى ان الورشات الفكرية المفتوحة داخل الإسلاميين مثلما هي قائمة داخل كل العائلات الفكرية الا حاضنة لاسهامات فكرية جدية ستعود حتما بالفائدة على بلاد ارادت دكتاتورية الجاهل بن علي ان تصحرها وقصرت فيما قبل على ان ترتقي لتصنع المشروع النهضوي الحقيقي كما أننا نرى ان ثورة 14 جانفي 2011 في تونس شقت طريقا جديدا لا لحركات النضال السياسي في الوطن العربي مثلما نرى فحسب بل وللفكر والثقافة العربيين يبقى انه لا بد لنا من التأكيد ان حزب الطليعة العربي الديمقراطي يبني خياراته على أساس ثوابته حوارا وتوافقا وتحالفا وصراعا ويعتبر ان الحداثة ومكتسباتها والديمقراطية وآلياتها والعدالة الاجتماعية واستحقاقاتها خط أحمر لا نزول عنه مثلها مثل ترسيخ الهوية العربية الإنسانية ووحدة الأمة العربية.