يتفق أغلب المحللين والاستراتيجيين والمختصين في شؤون المنطقة العربية على ان هذه الرقعة من العالم الممتدة من المحيط الى الخليج على قارتين تشهد نهاية مرحلة قاتمة وبداية أخرى. فالنظام العربي الرسمي بصدد الاحتضار ولفظ أنفاسه الاخيرة في تحول تاريخي وزلزال لم تألفه المنطقة منذ انهيار «الرجل المريض» والانقضاض الاجنبي على تركته أوائل القرن الماضي . فعصر «سايكس بيكو» قد ولى وانتهى والمنطقة مقبلة على تحولات جذرية كبرى سيعاد فيها رسم خرائط التوازنات والمصالح والقوى. بعد ان اعتقد الغرب ومعه الكيان الصهيوني ان الأمر استتب لهم وان شعوب المنطقة قد استكانت لحكامها وان حالة من الاستقرار والجمود ستطغى على المشهد الجغراسياسي في هذه البقعة لعقود طويلة. فالنظام الرسمي العربي وصل الى الحضيض بعد ان اثبت فشله على كل المستويات. فلا هو حرر الأرض المحتلة في فلسطين والجولان ولا حال دون احتلال العراق واذلاله تحت أقدام المحتلين ولا تصدى لتقسيم السودان ولا نجح في تحقيق النهضة لشعوبه. بل أمعن في احتقارهم والدوس على كراماتهم وانتهاك حقوقهم بقبضته الأمنية الحديدية التي خنقت أحلام هذه الشعوب وجثمت على الصدور. وزاد على ذلك فأطلق العنان لمافيات عائلاته الحاكمة لتعيث في الأرض فسادا ونهبا لثروات هذه البلدان ومدخراتها. ويدرك ما تبقى من هذا النظام المتآكل الذي دقت تونس آخر مسامير نعشه، قرب أجله بعد ان لفظته الجماهير وعبرت صراحة ودون وجل من خلال جحافل انتفاضاتها الثورية عن رفضها القاطع لاستمراره. ما أصابه بحالة من الهستيريا انعكست جرائم واغتيالات وابادات جنونية بحق شعوب المنطقة ما سيعرض رموز هذه الانظمة الى ملاحقات قضائية لا تبقي ولا تذر. ولم ينج من هذه الهستيريا القمعية حاملو مشعل الاعلام الذين نذروا أرواحهم قرابين لخدمة الكلمة الحرة ونقل الصورة الحقيقية وايصال صرخة الشعوب الثائرة الى العالم اجمع، حيث تم استهداف أحد مصوري قناة الجزيرة من خلال كمين مثل الدليل القاطع على رداءة النظام العربي الذي ترك ساحات الوغى وصوب بنادقه الى رُسل الكلمة الحرة. ولم تكن الصورة بافضل حال في دول أخرى على غرار اليمن الذي شهد مجزرة جديدة وانضمام ضحايا آخرين الى قافلة شهداء الثورة من المعتصمين العزل في ساحة التغيير الذين لا يملكون من السلاح سوى حناجرهم التي بحت وهي تنادي برحيل النظام ولافتاتهم التي تفضح ممارساته الدنيئة هذه الهستيريا في تعامل النظام الرسمي العربي مع الأصوات الحرة سواء كانت شعوبا مستضعفة اواعلاميين ناقلين للصورة والكلمة الحرتين، لا تعدو ان تكون الا رقصة الديك المذبوح المترنح الذي سرعان ما يتهاوى جثة هامدة وقد أدرك ان لحظة قبره في مزبلة التاريخ قد حانت وان أيامه معدودة وان صفحة حكمه السوداء ستطوى وان أقبية استخباراته ستطمر الى غير رجعة.