بقلم: يوسف الحمروني عشرة طويلة لي مع جريدة «الصباح» عميدة الصحافة التونسية المكتوبة بالعربية، عشرة امتدت على أكثر من ثلاثة عقود... وساهمت «الصباح» في التكوين السياسي لأجيال متعاقبة واتفقنا معها كثيرا واختلفنا معها أكثر في فترات الدولة التونسية ولعمري فإن ذلك عنوان صحة وإثراء. وازدادت هذه العلاقة متانة في سنوات عقد التقاعد وأصبح اقتناؤها من الادمان مع قهوتي الصباحية لمتابعة الأحداث الوطنية والعربية والعالمية. كنت اقتنيها دون تردد وانتظرها ان تأخر موعدها وكانت الى جانب العديد من الدوريات والمجلات المستقلة والمعارضة خير وسيلة لمتابعة الشأن العام واعتقد ان هذا الشعور هو شعور العديد من جيلي لما كسبته «الصباح» من اشعاع وريادة في الصحافة التونسية المكتوبة باللغة العربية ولما كسبته منهم من احترام لاحترامها لرسالتها الصحافية النبيلة (نسبيا.. لان الاطلاق في كل شيء مرفوض وممجوج) احتراما لمن مر بها على امتداد عمرها الطويل من رجالات تونس البررة في عوالم: السياسة والثقافة والاعلام والاجتماع والقانون الخ.. رجالات استفدنا من تجاربهم رحل منهم الكثير عن هذه الدنيا ومنهم الاحياء ولاحترامها لدوريتها كصحيفة يومية مستقلة (أقول مرة أخرى نسبيا). لا اخفي عنكم اني منذ سنتين تقريبا وقبل انفجار الثورة المباركة التي أشعلها في جسمه وفي الوطن بركانا ثائرا الشهيد محمد البوعزيزي تغير موقفي منها (رغم مواصلة الإدمان عليها) فلم اعد اقتنيها بنفس ذلك الشعور وذلك الإحساس القديم نحوها.
لماذا هذا التغير في الموقف منها؟
فمن يوم ان تغير مالكها وأصبحت صفحتها الأولى محلاة يوميا على اليسار بصورة الرئيس الهارب (وليس له من اليسار شيء) وصورة ليلاه على اليمين (وهي التي لا تفقه في السياسة شيئا) وفي الداخل صورة صهرهما «الاعلامي» (وهو البعيد والغريب عن عالم الإعلام).. واصلت اقتناءها -رغم فقدانها لاستقلاليتها) من اجل صفحاتها الداخلية وخاصة من اجل منتداها الفكري والاجتماعي السياسي (ركن كلمة حق اريد بها باطل) والذي يكتب فيه العديد من الأخوة والأخوات والأصدقاء ورجال من عالم السياسة والفكر من العالم العربي وكنت واثقا من حسن نيتهم (اثراء للثقافة والسياسة والإعلام) اما نية المالك الجديد فلم تكن ابدا بريئة بل كانت مخططا شيطانيا خسيسا. ظللت أشتريها بكثير من الفتور والتردد لأني اكتشفت منذ اللحظة الأولى زيف مالكها الجديد صهر الرئيس الهارب وما كان يخطط له وقد لبس كثيرا من الأقنعة الدينية والخيرية والإعلامية والسياسية (لغاية في نفس يعقوب) إذ كان يخطط بكل ذلك للانقضاض على الحكم ظانا أن الشعب التونسي أبله وشبابه لقمة سائغة يسهل ابتلاعها وإذا بها تخنقه وتقطع أنفاسه وكان يظن أنه ذكي باهتدائه لخطورة دور الإعلام الذي سيمهد له ولأصهاره «الخلود» بقصر قرطاج فظهر أن شباب تونس كان أذكى منه ومن أصهاره «عصابة المفسدين»). عشت معاناة «الصباح» طوال سنتين كقارئ وتساءلت مع نفسي متعجبا كيف يسكت صحافيو «الصباح» عن هذا المخطط الجهنمي وان كنت أفهم موقفهم خوفا على خبزهم وخبز عيالهم من سلطة وضع 14 جانفي حدا لها وفهمت أكثر ما كان يدور داخل الدار حينما قرأت ما كتبته الصحافية (حياة السايب) يوم 11 فيفري تحت عنوان «يوم سلبنا هويتنا بمباركة من جحافل الشخصيات الوطنية المتزلفة»... كنت أقرأ قائمات المناشدة بترشيح الرئيس المخلوع لانتخابات 2014 ورسائل تهنئة بالصباح «الجديد» الصادرة من رموز كثيرة احترمهم وسأظل رغم الاحساس بالمرارة) بكثير من التعجب والحيرة والأسف.. حتى سقط القناع ورجعت «الصباح» حقا لقرائها بعد أن عاشت معهم تجربة سيئة ومن حسن حظ الجميع أنها لم تطل فهي تجربة مرة ومؤلمة لكنها مفيدة حتى تحافظ «الصباح» على استقلاليتها. فالآن أرسل تحية حارة لدار الصباح ولكل العاملين بها وأشد على أيديهم لتواصل رسالتها النبيلة وتفتح صفحاتها للرأي والرأي المخالف وحتى المخالف جدا لأن تلك هي رسالة الإعلام في هذه الحقبة الجديدة التي تعيشها تونس ولما للإعلام التعددي والشفاف من خدمة لهذه الثورة ودعم لها وشد أزرها من كيد المتربصين بها. فلتواصل «الصباح» رسالتها والعاملون بها خير من يعرف أن الإضافة النوعية لصحيفة يومية مستقلة ذات إشعاع لا يكون في تحسين الشكل رغم أهميته وإنما في تغيير المحتوى والمضمون بالإعلام التعددي واحترام قداسة دور الإعلام في بناء المجتمعات المتحررة والمتطورة. فالإعلام إما أن يكون متعددا دون تعصب متنوعا هادئا دون تشنج محايدا وجريئا دون تزلف أو خوف أو لا يكون... نقابي متقاعد (أستاذا) من التعليم الثانوي