حرصت على إجراء مقابلة مع محمد الغنوشي رغم أنه ألد خصومي فكريا وسياسيا لا بد من تكوين مجالس تنموية جهوية أجرت الحوار منية العرفاوي كان بعث قناة الحوار التونسي التي تبث عبر القناة الفضائية الايطالية «أركواريس» مغامرة كبرى بالنسبة لمؤسسها الطاهر بن حسين خاصّة وأنها اختارت منذ انطلاقتها التحليق خارج سرب الاعلام المهادن بحيث أنطلقت منذ أيام بثها الأولى في تعرية الواقع الاجتماعي التونسي خلافا لما يروجه النظام. فالفقر والبطالة واضطهاد الفئات المستضعفة والاجحاف الاجتماعي كلها ثوابت اشتغلت عليها القناة..وكانت انتفاضة الحوض المنجمي علامة فارقة في مسيرتها وتاريخها. كيف لا وهي الوحيدة التي استطاعت ثقب جدارالتعتيم الذي كان مفروضا انذاك ونقلت للعالم بالصوت والصورة مشاهد صادمة عن طغيان النظام البائد ومعاناة الطبقات الكادحة بمدن الحوض المنجي لتصبح تقاريرها معتمدة من العديد من المنظمات الحقوقية ووسائل الاعلام الغربية وتقدّم بالحجة والبرهان فساد نظام بن علي وسيره بالبلاد نحو الهاوية..»الأسبوعي» التقت مؤسس القناة ليحدثنا عن» قناة الحوار» وملابسات قطع بثها وعن رؤيته للمشهد السياسي في تونس اليوم باعتباره من مناضلي حركة «برسبكتيف» وسجن بداية السبعينات لآرائه السياسية.. بعث قناة تكرّس شكلا نضاليا اجتماعيا في ظلّ نظام بن علي القمعي ألا يعتبر مغامرة غير مضمونة العواقب؟ -بعث قناة بهذه الصيغة لم يكن وليد الفراغ بل كان مدعوما بخلفية نضالية اخترتها منذ بداية السبعينات مع حركة آفاق التي حاد بها جلبار النقاش عن جوهرها عندما نادى بثورة البروليتاريا التي أعلنت عدم موافقتي عليها لأن في تحريف عن المسار التقدمي العقلاني الشعبي للحركة الذي سجنت من أجل تمسكّي بقناعاته وثوابته واضطررت للفرار الى ليبيا ومن ثمة الى فرنسا..ورغم دخولي عالم الأعمال الاّ اني كنت عن قناعة بأن التخلّي عن الخطّ النضالي بما أتيح له من أشكال هو في حدّ ذاته خيانة للوطن..لذلك اخترت أن أناضل بالصورة والصوت ما دام إمكانياتي المادية تسمح بذلك لذلك خيّرت بعث قناة تلفزية تبث يوميا لمدة ساعتين على القناة الفضائية الايطالية «أركواريس» رغم تكاليف البث الباهضة وأردت لها من خلال اسم قناة الحوار أن تكون منبرا للحوار ولكل الحساسيات السياسية من يساريين واسلاميين. وأنا شخصيا حرصت على أجراء مقابلة مع راشد الغنوشي رغم أنه ألدّ خصومي فكريا وسياسيا. لماذا اختارت قناة الحوار التوجّه نحو تعرية الواقع الاجتماعي المزري ؟ -كان هذا التوجه اختيارا اراديا محضا. فالتاريخ المعاصر أثبت أن كل دكتاتور يحرص على تلميع صورته بفبركة صورة عن النماء والثروة والاستقرار. ولمقاومة الدكتاتورية لا بدّ من كسر هذه الصورة الزائفة وهو ما قامت به قناة الحوار من خلال تعرية الواقع وابرازالحقيقة بدون»رتوش». فنحن ننقل كما هو دون صنصرة أو تجميل ..وكان عملنا ليس من منطلق اعلامي فقط بل أيضا من منطلق نضالي و رغم امكانياتنا المتواضعة فنحن رفضنا بصفة قطعية التمويلات من جهات أجنبية و كنا نعمل بعيد عن الاشهار وموارده فما قمنا به كان تطوّعا بحيث أن الصحفيين المتعاونين الذين يعملون معنا كانوا في أغلبهم تطوّعين. فنحن آمنا بفكرة الحرية والعدالة الاجتماعية وعملنا على تجسيد ما نؤمن به. هل أن اختيار التوجّه الاجتماعي كان خوفا من مواجهة سياسية مع بن علي؟ -اطلاقا هذا ليس صحيح لأن القناة كانت أبوابها مفتوحة في وجه كل التيارات ونحن لم نمنع المرزوقي من أن يقول على النظام التونسي أنه «دولة باندية وبربوات» رغم أني في قناعاتي كنت أقول إنه نظام استبدادي غاشم ولدينا 580 ساعة بث بامكان أي كان التأكّد بأننا كنّا منبرا لكل من يريد أن يدلي برأي سياسي أو أن ينقد سياسية بن علي التي كنّا نجاهر بكونها كانت تقوم على الجور والطغيان. قناة الحوار صنعت الحدث في انتفاضة الحوض المنجمي بكشفها للحقيقة التي حاول النظام طمسها. فما هي الضريبة التي دفعتها ؟ -كنّا القناة العربية الوحيدة التي تجرأت وكشفت المسكوت عنه كما كنّا دائما الى جانب أي حراك اجتماعي احتجاجي وقد ساهمنا في شحن الرأي العام غضبا راكمته سنوات من الحكم الاستبدادي والثورة كانت نتاجا لهذه التراكمات فليس هناك ثورة تولد من عدم بل هي بركان يثور في صمت ومن بعد يقذف حممه..علما أن مصيرالثورة لم يحسم بعد..ووفاء لرسالتنا الاعلامية والنضالية دفعنا ضريبة دفاعا عن قضية عادلة وهي بالأخص سجن صحفي القناة الفاهم بكدوس ومحاصرتي محاصرة لصيقة بالاضافة الى ممارسات أخرى طالتنا طوال مسيرتنا الاعلامية وافتكت منّا حوالي 14 كاميرا تصوير بالاضافة الى تعرّض صحفيينا الى الاعتداء أكثر من 20 مرة للعنف الشديد..وكان بن علي يعمد الى بعث رسائل تهديد لنا بواسطة برهان بسيّس.. بن علي كيف تحكم عليه ؟ -نفس هذا السؤال طرحته ذات يوم على محمد الشرفي وهو الذي يعرفه عن قرب فقال لي بالحرف الواحد «بن علي جبان لو حدث في تونس العاصمة احتجاجات كتلك التي حدثت في انتفاضة الحوض المنجمي لقتل في اليوم الأكثر ما يمكن وفرّ في اليوم الموالي «ومن غرائب الصدف أن ما قاله الشرفي نبوءة أثبتها بن علي بهروبه يوم 14 جانفي. كيف تعامل العالم مع ما نقلته قناة الحوار عن تونس؟ -كان هناك صدى كبيرلما نقلناه وكان على مستويين فالمنظمات الحكومية اعتمدت ما قدّمناه في تقاريرها الحقوقية والتلفزات ووكالات استعملتنا كمصدر خبرعلما أن الكثير من القنوات العربية التي تدعي الشفافية نقلت ما صوّرناه دون أن تكلّف نفسها حتى عناء ذكر المصدر والأدهى أن هناك تجاهل مقصود من هذه القناة بالذات تجاه ما نقوم به ولعلّ ذلك عائد أساسا الى أن خلفية القناة غير الخافية على أحد والتي لا نتفق معها على نفس الأرضية الفكرية. ما حكاية المليار الذي عرضته الحكومة التونسية على «أركواريس» لقطع البث عنكم ؟ -سمعت بهذا مؤخرا ومن مصدر موثوق كان داخل حكومة بن علي فقد أكّد لي أن النظام التونسي أعطى مليارا ل»أركواريس» لتقطع عنّا البث وهو ما حدث فعلا قبيل الانتخابات الرئاسية لسنة 2009 رغم أنه عندما أعلموني بأنهم سيقطعون البث عرضت عليهم زيادة معلوم تأجير البث وبعد قبول مبدئي تراجعوا عن ذلك وقطعوا البث لتظهر الحقيقة فيما بعد. تقييمكم للمشهد السياسي الراهن؟ -يتسم المشهد السياسي اليوم بتعدّد الأحزاب وأنا اعتبر حقيقة أن هذا التعدّد علامة صحية ومثلا بعد ثورة القرنفل في البرتغال في الأسبوع الأول فقط ما بعد الثورة تكوّن 70 حزبا وبالتالي فهذه الطفرة الحزبية التي نعيشها ليست بدعة بل هي من صميم الحراك الثوري و نحن متعطشون للديمقراطية والتعددية والاختلاف..فاليوم تكثرالأحزاب وغدا تشترك في الرؤى ثم تأتلف فيما بينها ليبقى في النهاية أقل ما يمكن من الأحزاب الموحدة والمتجانسة. أما الأحزاب التي هي بدون تجذّر فهي ستضمحل ضرورة. سمعنا أنكم ستخضون غمار السياسية بحزب سيرى النور قريبا. لو تطلعنا عن الحزب وبرامجه؟ -صحيح نحن بصدد تكوين حزب سياسي هو» حركة القوى التقدمية» وهي حركة رغم توجهاتها اليسارية غير انها ليست شيوعية ولا ماركسية بل تشبه «برسبكتيف» في بدايتها ونحن نتبنى مبادىء الديمقراطية التقدمية مع فصل الدين عن السياسة وننادي بالعدالة الاجتماعية وبالعقلانية وليس بالعلمانية..كما أنه لدينا تصوّرات فيما يتعلّق بالتنمية الجهوية. فلا بدّ أن تكون هذه التنمية بيد أبناء الجهة أنفسهم ولا بدّ من تكوين مجلس يعنى بالتنمية الجهوية كما هو معمول به في الكثير من البلدان المتطورة. تواجد برهان بسيس في منابر قناة الحوارأثار حنق البعض وتحدثوا عن صفقة عرضت عليك وهي ظهور بسيّس لتمكينك من رخصة دار نشر. ما صحة ما سمعت ؟ -قناتنا اسمها قناة الحوار وبالتالي نحن ومن قبيل اللعبة الديمقراطية يجب أن نسمع كل الأصوات ونحاور كل الناس بدون إقصاء أو تعتيم وظهور برهان كان من باب حق الردّ المكفول في الإعلام وبالنسبة للصفقة فانا لم أفاوض و لم أعقد أي صفقات مع بن علي أو مع غيره والدليل أني قدمت مطلبا للحصول على رخصة دار نشر لم أتحصّل عليها الاّ منذ أسبوع.