عائدات السياحة والعمل تغطي 120 بالمائة من خدمة الدين الخارجي    جناح تونس ب"إكسبو 2025 أوساكا"يستقبل أكثر من 500 ألف زائر    بنزرت: 18 سفينة من قافلة الصمود تغادر الميناء الترفيهي " كاب 3000"    الرابطة الأولى: تعيينات حكام الجولة السادسة ذهابا    بطولة العالم لألعاب القوى: أحمد الجزيري يكتفي بالمركز الحادي عشر    عاجل: تعرّف على العطل المدرسية للثلاثي الأول    محرز الغنوشي:''ليلة تسكت فيها المكيفات''    وداع المدرسة: كيفاش نخليوا أولادنا يبداو نهارهم دون خوف؟    عاجل/ رجّة أرضية بقوة 5.2 درجة قبالة السواحل الليبية..    تفاصيل جديدة عن المتهم بقتل تشارلي كيرك..#خبر_عاجل    عاجل/ وقفة احتجاجية بساعتين داخل المؤسسات التربوية وأمام المندوبيات الجهوية..    أكثر من 100 قضية مخدرات في المؤسسات التربوية... ووزارة الداخلية عندها خطة صارمة...شنيا؟!    عاجل/ انتخاب هذه الشخصية رئيسا للجامعة التونسية لكرة القدم..    عاجل: الرابطة المحترفة الأولى تعلن تغيير مواعيد المباريات...شوف كيفاش    عاجل: وزارة الداخلية توقف أبرز المضاربين وتحرر محاضر عدلية..شنيا لحكاية؟!    عاجل: مشروع ''تطبيقة'' لإعلام المواطنين بالتأخيرات والتغييرات في وسائل النقل يدخل حيز التنفيذ قريبا    بعد الظهر...خلايا رعدية مصحوبة بأمطار في المناطق هذه    بوبكر بالثابت في أوّل ظهور إعلامي بعد انتخابه: أربع أولويات عاجلة واستقلالية تامّة للمحاماة    عاجل و مهم : ابتكار طبي جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق    في بالك تفاحة وحدة في النهار.. تقوي قلبك وتنظّم وزنك!    الرابطة الثانية: تعديل في برنامج مواجهات الجولة الإفتتاحية    كأس إفريقيا للأمم لكرة اليد أكابر: المنتخب الوطني في تربص اعدادي بقرمبالية من 15 الى 19 سبتمبر    تونس تحرز ميدالية فضية في البطولة العربية للمنتخبات لكرة الطاولة بالمغرب    مهندسون تونسيون يطورون جهازا للتحليل الطبي عن بعد    منظمة إرشاد المستهلك تدعو إلى الامتناع عن أي تعامل اقتصادي مع الشركات الداعمة للكيان    تنبيه/ اضطراب في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق..    اعتقال مديرة مكتب وزيرة إسرائيلية في فضيحة فساد ومخدرات    الدورة الرابعة للصالون الدولي للسيارات بسوسة من 12 الى 16 نوفمبر المقبل بمعرض سوسة الدولي    شركة نقل تونس توفّر 140 حافلة و68 عربة بالشبكة الحديدية بمناسبة العودة المدرسية..    وزير التربية: العودة المدرسية الجديدة تترافق مع عدة إجراءات تنظيمية وترتيبية    عشرات الجرحى والشهداء في غارات للجيش الصهيوني على قطاع غزة    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    عاجل/ وفاة عامل وإصابة آخريْن في حادث بمصنع في هذه الجهة..وهذه التفاصيل..    سوسة: تسجيل 14 مخالفة خلال عملية مراقبة اقتصادية مشتركة    كفاش تتعامل العائلة مع نفسية التلميذ في أول يوم دراسة؟    البطولة الإسبانية : برشلونة يفوز على فالنسيا 6-صفر    عاجل: قمة عربية إسلامية في الدوحة...شنيا ينجم يصير؟    القبض على المتورط في عملية السطو على فرع بنكي في بومهل    لمستعملي الطريق : شوف دليلك المروري قبل ''ما تغرق في الامبوتياج'' ليوم ؟    الاحتلال يعيق وصول المعلمين إلى مدارسهم بسبب إغلاق الحواجز    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    من حريق الأقصى إلى هجوم الدوحة.. تساؤلات حول جدوى القمم الإسلامية الطارئة    من مملكة النمل إلى هند رجب ...السينما التونسية والقضية الفلسطينية... حكاية نضال    "دار الكاملة" بالمرسى تفتح أبوابها للجمهور يومي 20 و 21 سبتمبر    سوق المحرس العتيق...نبض المدينة وروح التاريخ    اختتام الأسبوع الأول من مهرجان سينما جات بطبرقة    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    لماذا يرتفع ضغط الدم صباحًا؟ إليك الأسباب والحلول    مدنين: غدا افتتاح السنة التكوينية الجديدة بمعهد التكوين في مهن السياحة بجربة ببعث اختصاص جديد في وكالات الاسفار وفضاء للمرطبات والخبازة    ينطلق غدا: تونس ضيفة شرف الدورة الثانية لمهرجان بغداد السينمائي الدولي    إنتاج الكهرباء في تونس يرتفع 4% بفضل واردات الجزائر    من قياس الأثر إلى صنع القرار: ورشة عمل حول تنفيذ مؤشرات الثقافة 2030 لليونسكو    العجز الطاقي لتونس ينخفض مع موفى جويلية الفارط بنسبة 5 بالمائة    طقس اليوم: الرصد الجوي يتوقّع ارتفاعا طفيفا في الحرارة    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    وزارة الصحة تطلق خطة وطنية للتكفل بمرضى الجلطة الدماغية    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"زلزال" الثورة يعطل شريان الاقتصاد..
تحليل سياسي
نشر في الصباح يوم 25 - 03 - 2011

تنفست النخب والطبقة السياسية بعد ثورة 14 جانفي، السياسة، كما لم تتنفسها من قبل، حتى لكأنها تحولت إلى قوت يومي يتلذذ به الجميع...
في مقابل ذلك، انسدت إحدى الشرايين المهمة للحياة اليومية، ونعني بها، الاقتصاد الذي بلغ على حد تعبير رئيس الوزراء، السيد الباجي قايد السبسي، "مستوى الصفر" قبل نحو ثلاثة أسابيع، وارتفعت أصوات الخبراء، محذرة من تداعيات استمرار ما سماه تقرير إحدى الوزارات التونسية ب"الاضطراب المباغت" لاقتصاد البلاد، الذي كان يصنف قبل بضعة أشهر ضمن الاقتصاديات الصاعدة على الأقل على مستوى الخطاب الرسمي
فلماذا بلغت الأمور هذا الحد المأساوي و"الكارثي"؟ هل أن "زلزال الثورة" كاف لتفسير التدهور اللافت لاقتصادنا؟ وما هي القطاعات التي سجلت تراجعا، أو لنقل بكامل الوضوح "انهيارا" شبه كلي خلال الشهرين والنصف اللذين أعقبا الثورة؟ ما هي تمظهرات الوضع الليبي الراهن على قطاعات السياحة والتجارة الخارجية وعلى حجم العملة الصعبة التونسية؟
أسباب رئيسية
تشير تقارير الخبراء والعارفين بالشأن الاقتصادي إلى أن "حالة الاختناق" التي يمر بها اقتصادنا حاليا، لا تعود إلى الثورة وتداعياتها فحسب، إنما إلى جملة من الأسباب الأساسية أيضا، أهمها:
*تأثر الاقتصاد التونسي بالأزمة الاقتصادية والمالية في أوروبا، وبخاصة بعد أزمة تواتر الدين العمومي في اليونان وإسبانيا وإيرلندا، ما أدى إلى تقلص الصادرات التونسية باتجاه الاتحاد الأوروبي الذي يمثل نحو %85 من التجارة الخارجية التونسية.
*أن الارتباط بالاقتصاد الأوروبي الذي يعاني أزمة منذ نحو عامين، أدى إلى تراجع حجم الأموال التي يتم تحويلها من قبل التونسيين، وبالتالي تقلص ملحوظ في احتياطي العملة الصعبة...
*نتائج عمليات النهب والتخريب التي أعقبت الثورة التونسية، والتي تسببت في خسارة مؤسسات، وسحب مئات العمال على خلفية غلق أكثر من 30 مؤسسة أجنبية بالخصوص..
*التأثيرات السلبية والمباشرة لما يجري في ليبيا، وهي تأثيرات مست نحو مليون ونصف المليون تونسي كانوا يترددون على ليبيا سواء كسياح، أو كتجار وعمال وأصحاب مصالح، إلى جانب التقلص اللافت في حوالي مليون ونصف المليون ليبي كانوا يأتون إلى تونس للسياحة والعلاج، مع ما يعني ذلك من نفقات بالعملة الصعبة تستفيد منها خزينة البلاد، وباتت اليوم في مهب الريح.. على أن هذه التأثيرات، طالت كذلك مئات المؤسسات الصغرى والحرفية الموجودة في الجنوب التونسي (حوالي 1200 مؤسسة)، والتي كانت "تمول" الاقتصاد الليبي، وبالنتيجة الاقتصاد التونسي
وبالإضافة إلى ذلك، تضررت العديد من القطاعات التونسية التي كانت مستفيدة من المعاملات مع الشقيقة، ليبيا، خصوصا قطاعات، الخدمات والمواد الغذائية والبترولية والصناعية والمقاولات والنسيج والملابس والجلود وغيرها..
أضرار في القطاع السياحي
ولا شك أن هذه الأسباب مجتمعة، ألقت بظلالها على القطاعات المحركة لاقتصاد البلاد، بينها السياحة والتجارة الخارجية ونوايا الاستثمار.
ففي المجال السياحي، يشير آخر تقرير حكومي (مرصد الظرف الاقتصادي بوزارة التخطيط والتعاون الدولي)، إلى أن مداخيل القطاع إلى حدود فيفري الماضي، لم تتعد 190,1 مليون دينار، ما يعني أن التراجع بلغ حوالي %40 قياسا بنفس الفترة من العام 2010.
وبالطبع انعكس هذا التراجع في المداخيل السياحية، المرشح لاحتمالات التفاقم، على استمرار انخفاض موجودات تونس الصافية من العملة الصعبة، إذ تراجعت بنسبة 5،6 بالمائة خلال الشهرين الأولين من 2011، قياسا بذات الفترة من سنة 2010، علما أن السياحة تشغل نصف مليون تونسي، وتعدّ ثاني قطاع يوفر مداخيل بالعملة الصعبة لاقتصاد البلاد بعد صادرات الصناعات المعملية.
انهيار "المموّّل الأولّ"
ولفت ذات التقرير، إلى أن الميزان التجاري خلال الشهرين الأولين من العام الجاري، سجل عجزا بنحو 871،8 مليون دينار، ومعدل تغذية يقترب من 80،9 بالمائة، مقابل 1070،3 مليون دينار، وبنسبة 76 بالمائة مع موفى فيفري 2010.
ومعنى ذلك أن ما يشبه الانهيار سجل في مستوى قطاع الصادرات خلال الشهرين الماضيين، رغم أن بعض التقارير والمقاربات، تتحدث عن عملية تدارك حصلت في بعض القطاعات (الصناعات الميكانيكية والكهربائية) في غضون الأسابيع التي أعقبت التعديل في مستوى رئاسة الوزراء...
ويرى عديد الخبراء، أن تراجع حركة الصادرات التونسية، يمثل نقطة مخيفة في وضعية التدهور الاقتصادي الحاصل، على اعتبار أن هذا القطاع يعدّ المموّل الأساسي والأول لاقتصاد تونس..
مشكل التضخم..
وبالتوازي مع ذلك، تفيد الإحصاءات الرسمية الصادرة حديثا، أن ثمة تراجعا لافتا في مستوى الاستثمار الأجنبي المباشر يقدر بحوالي %22 (من 142،2 مليون دينار سنة 2010، إلى 116،4 مليون دينار مع موفى شهر جانفي)...
في ذات السياق، سجلت الصناعات الميكانيكية والكهربائية تدهورا ب46 بالمائة، وصناعات النسيج والملابس تراجعا بحوالي 50،3 بالمائة، والصناعات الكيميائية بنحو 61 بالمائة، فيما تراجع حراك إحداث المؤسسات بحوالي %8,8 خلال شهري جانفي وفيفري، قياسا بنفس الفترة من العام الماضي.
وتخشى الأوساط المالية والاقتصادية، من تأثير هذه المعطيات بشكل سلبي على حجم التضخم الذي كان في حدود 5،2 بالمائة في فيفري من العام الجاري، قبل أن يستقر حاليا في إطار %4 فقط، وهي نسبة مرتفعة وتنذر بمخاطر عديدة إذا لم يقع تقليصه خلال الأسابيع القادمة، لأنه سيلقي بظلاله على عدة قطاعات، بل على الحياة العامة للمواطنين، وعلى المقدرة الشرائية لضعاف الحال تحديدا...
ملف الطاقة
أما في قطاع الطاقة، فتشير تقارير وزارة التخطيط والتعاون الدولي، إلى أن إنتاج النفط تراجع بنسبة 21،1 بالمائة، كما تراجعت مبيعات الكهرباء بنحو 2،4 بالمائة بعد أن تقلص استهلاك القطاع الصناعي لنفس المادة بمعدل 3،7 بالمائة...
ومن غير المستبعد أن تدخل وارداتنا البترولية طور الارباك ولو كان نسبيا ومؤقتا بفعل التطورات الدراماتيكية الحاصلة في ليبيا. والمرشحة لمزيد التفاقم في غضون الأسابيع القليلة القادمة..
وإذا أضفنا إلى جملة هذه المعطيات، الاحتمالات الممكنة لارتفاع الأسعار في مستوى الاستهلاك، بسبب تطور أسعار المواد الأولية عند التوريد، مع ما يعني ذلك من تأثيرات محتملة على القدرة الشرائية للمواطنين التي ازدادت ضعفا وهشاشة خلال الأسابيع الأخيرة، يمكن القول إن الوضع مقبل على صعوبات وتعقيدات، على الرغم من وجود بعض المؤشرات المهمة التي تحيل على إمكانية لإنقاذ السياق الاقتصادي الراهن...
مؤشرات
*تشير بعض التوقعات الحكومية إلى إمكانية استقرار نسبة التضخم عند حدود 3،3 بالمائة خلال الصائفة المقبلة، وهو مؤشر شديد الخطورة لأنه يرتبط بالمستوى المعيشي اليومي للمواطن التونسي..
*المساعي المبذولة حاليا لتحريك نسق الاستثمارات الأجنبية بعد العطل الذي أصابها في أعقاب الثورة.. وعلمنا في هذا السياق أن التحركات الرسمية انطلقت باتجاه استقطاب مستثمرين من بلدان مختلفة، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والبلدان الاسكندينافية..
*وجود وعي متنام لدى الحكومة باستثمار الثورة وتداعياتها الإيجابية، خاصة من حيث المناخ السياسي والتنظيمي الجديد الذي أوجدته، ونعني هنا انفتاح البلاد على معايير الشفافية والمصداقية واحترام القوانين، وهو الإطار الذي يشجع المستثمرين على اختيار الوجهة التونسية..
*إمكانية أن تتحول الجزائر والمغرب إلى بوابتين اقتصاديتين نشيطتين لتونس، بعد الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة، الباجي قايد السبسي إليهما مؤخرا، في سياق البحث عن "بدائل" للبوابة الليبية بظروفها الراهنة.
*سيناريو الاعتماد على السياحة الداخلية خلال الصائفة المقبلة في ضوء صعوبة استقطاب أسواق سياحية خلال الفترة الوجيزة المتبقية..
على أن هذه المؤشرات، لن تكون ذات جدوى إذا لم تصحبها مشاريع تنموية في الجهات المسحوقة اقتصاديا، على غرار القصرين وسيدي بوزيد وقفصة والكاف وجندوبة... لأن محرار نجاح الحكومة، مرتهن إلى حد بعيد بعمق التفاتتها إلى تلك الولايات التي ما يزال التهميش ينخر عبابها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.