المشهد يكاد يبدو سرياليّا وأحيانا ساخرا في بعض جوانبه ... ففيما تتعاظم وتتضخّم يوما بعد يوم أكوام وأكداس القمامة والفضلات المهملة والمتروكة عبر أنهج وساحات مدينة تونس بفعل اضراب عمّال النّظافة التّابعين لبلديّة الحاضرة الّذي دخل أسبوعه الثّاني على التّوالي ... وفيما تتأكّد - بمرور الأيّام - خطورة بل وكارثيّة هذا الوضع البيئي على صحّة النّاس وسلامة المحيط ... يواصل أعضاء ما يعرف بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثّورة ومن ورائهم مكوّنات الطّبقة السّياسيّة الوطنيّة بمختلف رموزها القديمة منها والجديدة وربّما أيضا - وبقدر أقلّ - حكومة السيّد الباجي قائد السّبسي الموقّرة "مؤقّتا" الانشغال ببعض القضايا السّياسيّة الصّرفة ... فبعد انتهائهم - والحمد للّه - من مناقشة مشروع القانون المتعلّق بانتخابات المجلس التّأسيسي والمصادقة عليه ... ها أنّهم يطلعون على الرّأي العام الوطني بمشروع قضيّة خلافيّة أخرى اسمها هذه المرّة مشروع وثيقة "ميثاق جمهوري" لا بدّ أنّهم سيختلفون حوله طويلا مثلما اختلفوا طويلا أيضا حول مشروع القانون المتعلّق بانتخابات المجلس التّأسيسي قبل المصادقة عليه ... ما من شكّ أنّنا - ومن حيث الأصل - نقدّر للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثّورة كلّ مساعيها و"معاركها" وحرصها على أن تؤتي ثورة 14 جانفي المجيدة ثمارها حريّة وديمقراطيّة وتنمية سياسيّة ... كما أنّنا نقدّر أيضا لحكومة السيّد الباجي قائد السّبسي حرصها على أن تضطلع بدورها كاملا في ملء الفراغ وتصريف الأعمال والحديث "الشيّق" في السّياسة من خلال القاء الخطب وعقد اللّقاءات الصّحفيّة ... لكن لا بدّ للملاحظ أن يسأل - بالمقابل - خاصّة وهو يعاين تضخّم الهاجس السّياسي في جلّ تحرّكات وأنشطة هذه الأطراف ( حكومة مؤقّتة وطبقة سياسيّة) عن نصيب ما هو مشاغل يوميّة وآنيّة حياتيّة بالنّسبة للمواطن من اهتمامات هذه الحكومة المؤقّتة ومن مشاغل و"أجندة" الطّبقة السّياسيّة ... بمعنى عن الخدمات الصحيّة والأمن وأداء المصالح الاداريّة بمختلف مهامّها ... انّه لمن الخور - مثلا - أن يظلّ المواطن يتنفّس لعدّة أيّام روائح كريهة وأن تتهدّده الأمراض بسبب أكداس الفضلات المهملة والمتروكة بفعل اضراب عمّال النّظافة التّابعين لبلديّة الحاضرة ولا تتوفّق الأطراف المعنيّة وفي مقدّمتها حكومة السيّد الباجي قائد السّبسي الى حلّ أو "اجراء ما" تضع بمقتضاه حدّا لهذه الوضعية الّتي لا تشرّف في شيء تونس الثّورة... انّنا نريد "لديك" الحكومة وكذلك لكلّ ديكة الأطراف السّياسيّة أن "تؤذّن" بما يحلو لها من الشّعارات و "الهواجس"... ولكنّنا لا نريد لها أن تفعل ذلك و"ساقيها" في الفضلات...