بقلم: كمال القفصي حل عمدة باريس وهو من هو، أهلا ونزل سهلا في بلاده وبلادنا سواء، ما دامت الأرض تتسع لكافة أهلها، ليشركنا بهجته وسروره على اعتماد مأرب الإقتراع على القائمات وشرط التناصف بين الرجل والمرأة فيها، ذات الصلة بمشروع المرسوم الإنتخابي للمجلس التأسيسي قبل صدور المرسوم المذكور.و أثنت وزيرة الشؤون الأوروبية بذات العنوان في نفس الموضوع وكذلك قبل صدور المرسوم الانتخابي من لدن الحكومة والرئاسة المؤقتة للجمهورية التونسية. ولعمري في ذلك تدخل سافر ومفضوح في الاستقلال السياسي للدولة الوطنية التونسية والإرادة الحرة للشعب التونسي. إذ من غير المستساغ ولا المقبول الإستهانة باستقلالية الدولة وإرادة الشعب والتدخل في أدق دواخل وجزئيات الحياة السياسية الوطنية ذات الصلة بمرسوم الإنتخاب للمجلس التأسيسي. لم يتلق الشعب التونسي الأبي وشبابه الأغر وحكومته الحالية، دروسا من فرنسا أو أوروبا في انطلاق الثورة المجيدة ومسارها وآثارها، بل فضح أمرهم في مساندة حكم الطاغوت والفساد لآخر يوم في حياته، فلماذا يطلعوا علينا في طور البناء الديمقراطي بشعورهم ورؤيتهم دون طلب منهم ذلك فبأي صفة وأي عنوان يتحذلقون علينا !؟ صدق فيهم قول الشاعر المارتينيكي «إيمي سزار»: «الشفقة للعارفين السذج المنتصرين علينا!». والأسوأ من ذلك التدخل السافر، الذي بفضل الله والحنكة المفترضة في الحكومة الحالية، لن ينطلي عليها، لأن المسؤولية التارخية الملقاة عليها، أرقى وأسمى من أن تشوبها مثل تلك الشوائب، فإن التصريحات المذكورة لأصحابها فضحت وكشفت بما لا ريب فيه، أن الذين اقترحوا ذلك المشروع الإنتخابي ودافعوا عنهم، هم زبانية وأزلام لأولئك الذين كشروا على أنيابهم وابتهجوا وبادروا بالتهاني والتثمين لتونس لهذا الإنجاز قبل إنجازه فهم بذلك يحاولون دفع الحكومة إلى اصداره على حاله، دون أي وجه حق، سوى الاستهانة بسيادة الشعب الحر واستقلالية الدولة الوطنية التونسية. وما يغيظ أولئك الذين يتهافتون علينا من الأوروبيين والفرنسيين، أن الشعب التونسي حقق ثورته المجيدة النموذجية، خارج دائرة نفوذهم وتأثيرهم الثقافي والسياسي ونمطيتهم الغربية في الديموقراطية الزائفة، فنجدهم يتسللون عبر زبانيتهم من أشباه المثقفين والساسة، ليفعلوا بهم أفاعيلهم، التي باتت معلومة ومفضوحة. فالسواد الأعظم من الشارع التونسي يستنكر ويمتعض من عمل الخبراء غير ألامناء وأعضاء الهيئة الدنيا غير ألاوفياء لدماء الشهداء، فيما أفضى إليه مشروعهم الإنتخابي، مستغربين ومتسائلين لفائدة من هكذا اجتهاد؟ لايحظى بتوافق ولا إجماع سوى الفئة الضالة، فإذا بهم يفعلون ذلك إرضاء لأوليائهم أو أصدقائهم من الأوروبيين والفرنسيين، الذين كما سلف، لم يتأخروا في الترحيب والإبتهاج بصنيع زبانيتهم، قبل صدور المرسوم رسميا. وتلك هي الحجة القاطعة على اتباع أصحاب المشروع الإنتخابي، أجندة أجنبية عن تطلعات الشعب الحر والوطن المستقل، تبا لهم جميعا، «يمكرون ويمكر الله، ولله خير الماكرين» صدق الله العظيم. غاب عنهم، أن الديمقراطية الناشئة في طورها التأسيسي لا تحتمل أي نمط إنتخابي، سوى الانتخاب الحر والمباشر وقوامه الاقتراع على الأفراد، الذي يضمن أوسع تمثيلية للشعب وأكثر حرية مباشرة للناخب والمترشح، وخلاف ذلك هو نيل فاضح من الإرادة الحرة للشعب، لايرتضيها إلا أعداء الشعب والوطن من الداخل والخارج. فليستفتوا الشعب أو يسبروا أراءه إن كانوا صادقين فيما يجتهدون فيه. الشعب المصري ذي الثمانين مليون أجرى استفتاء في غضون عشرة أيام، ونجح في ذلك ليكون بناؤه للديموقراطية صلبا قدر المستطاع. أما أشباه الخبراء عندنا وشركائهم من أعضاء الهيئة الدنيا لمصادرة أهداف الثورة، فلا يكترثون لأن أذانهم وعقولهم الفاضية صاغية لأوليائهم من خارج الشعب والوطن. ولعل مرد هذا التدخل يتعلق بالتغرير بساسة الدولة التونسية، على هامش ما سمي بالشريك المتميز لأوروبا، فراحوا يشترطون على الدولة التونسية، اعتماد مأرب التناصف في القائمات الإنتخابية بين الرجل والمرأة، تمهيدا للمساواة المزعومة المغرضة بين الرجل والمرأة في الإرث، التي يسوق لها البعض من الضالين المضلين، تماما مثل موقعة بورقيبة ومجلة الأحوال الشخصية، اشترط عليه مفاوضوه وأصدقاؤه حينها، صدورها لنيل الإستقلال السياسي، وكان ذلك قبل صدور الدستور بثلاث سنوات. والتاريخ يعيد نفسه دوما، منذ قابيل وهابيل إلى يوم الدين، بمفردات متجددة وجوهر واحد، لكن لا يعيد نفسه البتة. مالم يدركه أولئك وهؤلاء أن التاريخ العالمي للبشرية، بعد انبلاج الثورة العربية المباركة، في بلاد أمة محمد عليه الصلاة والسلام ومنطلقها تونس الأبية، صار يكتب نفسه بنفسه متحررا عن كتابه ومدونيه، فالثورة العربية الجارية، لم تحرر الإنسان العربي فحسب بل حررت التاريخ العلمي من التزوير، فطوبى للأوفياء لشعبهم ووطنهم وأمتهم وتبا لخلافهم. محام لدى التعقيب مختص في العلوم السياسية والقانون الدستوري والدولي